المشترك الكردي في العلاقات السورية التركية

  المقال الافتتاحي لجريدة الوحدة*

    شكلت اتفاقية أضنة الأمنية عام 1998بين سوريا وتركيا بداية عهد جديد من العلاقات الثنائية التي انتقلت بسرعة من حالة التوتر والعداء إلى حالة التحالف وشبه الالتحاق،حيث بدأت تندرج في إطار استراتيجي, رغم الانتماء الأطلسي لتركيا وعلاقاتها التاريخية مع أمريكا وتحالفها العميق مع إسرائيل, ويمكن فهم الاندفاع السوري نحو تركيا، رغم ما تقدم، بمحاولة إحداث اختراق سياسي لفك العزلة الإقليمية والاستفادة من الدور التركي المتزايد في معادلة الشرق الأوسط الجديد، الذي بدأت فيه إيران بالمقابل تشكل هاجساً لتركيا التي تراهن عليها الإدارة الأمريكية لتحقيق التوازن المطلوب في مواجهة النفوذ الإيراني.

.

والمراهنة على هذا الدور في إمكانية قيام تركيا بدور الوسيط المناسب لإعادة المفاوضات مع إسرائيل وتهدئة الجموح الأمريكي نحو الاحتواء والحصار, والعودة إلى التنسيق الثلاثي مع إيران، للتآمر مجدداً على التجربة الديمقراطية في كردستان العراق.

ويمكن ملاحظة عدة نقاط أساسية على طريق هذا الاندفاع السوري، يتقدمها تجميد الخلافات مع تركيا في موضوع لواء اسكندرون، وكذلك السكوت على ملف اقتسام مياه دجلة والفرات، مقابل تطوير حركة التبادل التجاري بين البلدين لتصل قيمتها إلى مليار ونصف، والتوقيع على مشاريع حيوية ذات طابع إقليمي منها مشروع الربط الكهربائي الذي يشارك فيه البلدان إلى جانب العراق والأردن ولبنان، وكذلك مشروع أنبوب نقل الغاز.

   وفي الزيارة الأخيرة للرئيس بشار الأسد لأنقرة انتقلت علاقات البلدين إلى مستوى متقدم، حيث وقّع وزيرا الخارجية على مذكرة تفاهم مشتركة حول التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتضمنت تلك المذكرة آلية التنسيق الثنائي بشأن القضية الكردية, حيث عرض الجانب السوري التعاون والمساعدة لمواجهة ما يعتبره الجانبان خطراً مشتركاً، وجاءت تصريحات الرئيس بشار الأسد قبيل مناقشة البرلمان التركي للقرار الخاص بالتوغل العسكري في كردستان العراق لتبرير ذلك التوغل في إطار ذلك التنسيق الذي ينسجم مع السياسة الرسمية السورية المعارضة للفيدرالية في كردستان العراق، والرامية لعرقلة المشروع الأمريكي في المنطقة، والساعية لإرضاء تركيا حتى على حساب التزامات سوريا القومية.
  ومن هنا أيضا يمكن فهم جوانب هامة في السياسة الشوفينية المنتهجة حيال الشعب الكردي في سوريا، بما في ذلك موضوع الامتناع عن إعادة الجنسية السورية لضحايا الإحصاء الاستثنائي الذي تعتبره السلطة،في إطار الإمعان في تطبيق المشاريع العنصرية، قضية إقليمية تهم دول أخرى،غير سوريا، معنية بالموضوع الكردي ومنها تركيا، كما يمكن فهم استسهال إطلاق الرصاص الحي، عندما يتعلق الأمر بالشأن الكردي، وهو ما بدا واضحاً في قرار الجهات الأمنية،الخاص بإطلاق النار على المواطنين الأكراد العزل في محيط ملعب القامشلي في12 آذار 2004 وعلى المشاركين في التظاهرات الجماهيرية التي شملت مختلف المناطق الكردية في سوريا فيما بعد، كما تكرر ذلك التصرف الأرعن قبل أيام في 2 تشرين الثاني الجاري، عندما أطلقت قوى الأمن النار على تجمع سلمي في حي الهلالية بالقامشلي واستشهد على إثره أحد المواطنين وجرح آخرون، لتنقل تلك الجهات بذلك رسالة إلى أنقرة مفادها التأكيد على جدية التحالف مع تركيا والتنسيق معها والالتزام بمضمون الاتفاق الأمني لقمع التطلع الكردي في البلدين نحو التحرر من الاضطهاد، والتضامن معها عندما يتعلق الأمر بإدانة  التهديدات التركية لكردستان العراق.


ويمكن فهم هذه الحقيقة من خلال الكيفية التي استرخصت بها تلك القوى دماء المواطنين الكرد، في الوقت الذي كان فيه بالإمكان التعامل مع ذلك التجمع السلمي بوسائل أخرى سلمية، لكن تلك الرسالة لا تنفي الدوافع الأخرى لتلك الجريمة،والتي منها النيل من إرادة النضال المتصاعدة في الساحة الوطنية الكردية وإرهاب كل المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتغير…
  لكن ما يجب أن يدركه الجانبان في سوريا وتركيا  أن إيهام الرأي العام في البلدين بوجود خطر كردي مشترك لا يمكن أن يدوم طويلاً ولن تصمد هذه المحاولات اليائسة أمام إرادة التغيير الديمقراطي السلمي في سوريا، وأمام ضرورة تطبيق الإصلاحات الدستورية والديمقراطية اللازمة كشروط في طريق الالتزام بمعايير كوبنهاغن اللازمة لعضوية تركيا في الاتحاد الأوربي، والكفيلة بتقليص دور المؤسسة العسكرية وإنهاء تدخلاتها في الحياة السياسية.

وأن القضية الكردية في البلدين، ومع الخصوصية التي تكتسبها في كل منهما، لن تنتهي بموجب اتفاق أمني أو سياسة قمعية، هنا وهناك، لأنها قضية تهم ملايين الأكراد الذين يريدون العيش بسلام مع جيرانهم من الشعوب الأخرى بعيداً عن التمييز القومي الذي طال أمده، متحررين من الظلم الذي لا بد من نهاية حتمية لطغيانه، وأن الوضع الكردي في سوريا بشكل خاص يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، لمزيد من التفهّم والاهتمام لمعالجة حالة الاحتقان القائمة أصلاً، والتي تعود أسبابها لسياسة القهر والاستبداد والحرمان المتّبعة، مثلما تعود لسياسة المعايير المزدوجة التي أتقنتها الشوفينية التي عملت في مرحلة سابقة على تحويل أنظار الشعب الكردي في سوريا نحو قضايا كردستانية، وخاصة في كردستان تركيا، التي تعاملت مع قضيتها في إطار الأوراق الضاغطة على تركيا التي توجّه لها الآن رسائل سياسية تعبّر عن مدى التنسيق معها حيال القضية الكردية، ليس فقط في كردستان تركيا وسوريا، بل كذلك في كردستان العراق التي يشكل بناء الفيدرالية فيها وتمتعها بالاستقرار والأمان وإحاطتها بالآمال على مختلف الصعد والاتجاهات، هاجساً يعكس مخاوف الجانبين من انعكاس تطوراتها الإيجابية على الجوار الكردي…… وهو ما يفسّر التهديدات التركية والتبريرات السورية لعدوان عسكري يتخذ من التواجد المسلح لـ PKK غطاءاً لأهداف أبعد، قد تطال كل المنجزات التي تحققّت في هذا الجزء الآمن من العراق الفيدرالي المبتلي بالإرهاب، مثلما تطال عموم القضية الكردية التي تتحرك الآن إلى صدارة الأحداث لتصبح قضية بدايات القرن الحادي والعشرين وإحدى القضايا الأساسية في الشرق الأوسط الجديد.
—-
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (171) تشرين أول 2007م- 2619 ك  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…