مستقبل النظام في سوريا

د. محمود عباس

تحول نظام بشار الأسد في السنتين الأخيرتين من أحد أسوأ أنظمة الإجرام في العالم إلى دولة تديرها عصابات المافيا المنظمة على مستوى الكارتيلات، تشترك فيها إيران وحزب الله، إلى جانب هدفهم كسب المال وتأمين العملة الصعبة، تدمير دول المنطقة وخاصة الخليجية، أو إرضاخها لمساعدتها اقتصاديا، ومحاولة إقناع أمريكا وأوروبا لرفع الحصار الاقتصادي – السياسي عنها. 
وبالأمل في رفع الحصار الاقتصادي، أصبح يهدد المجتمع الأوروبي مؤخرا، وربما الأمريكي، بالعمل على إيصال مخدراته إلى مجتمعاتهم، وذلك عن طريق محاولات فتح أقنية التعامل مع المافيات التركية، والأوروبية، وأمريكا اللاتينية، والمكسيكية. هذا التحول كان من نتائج عجز إيران وروسيا على استمرارية دعمه بالعملة الصعبة، وإنقاذه اقتصاديا مثلما كان يتم في السنوات السابقة. 
 وقد أصبح واضحا للجميع وفي مقدمتهم النظام ذاته، كيف أن الدمار ضمن هيكليته ينتشر بشكل متسارع وفي كل المجالات، بدءً من انهيار سعر العملة إلى التضخم المرعب في السوق، ونضوب مواد الطاقة، والعجز الكامل في إيقاف مسيرة الدمار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيره، المؤدي إلى تسارع التآكل الداخلي ضمن أروقة السلطة ذاتها في الفترة الأخيرة، وظهور صراع داخلي بين المجموعات المهيمنة على النظام الذين تم تسخيرهم في مجال المخدرات لإلهائهم بالمال الناتج من تجارة المخدرات.
 يرى بعض المحللين أن غاية النظام ليس فقط إنقاذا الذات، بل تدمير المجتمعات المحيطة بسوريا بعدما تمكن من تدمير المجتمع السوري عن طريق الإجرام والعنف، والتي أستخدم فيها قرابة 340 هجوما بالأسلحة الكيمياوية وإسقاط أكثر من 82 ألف برميل متفجر، معظمها فجرت بين المدنيين وفي الأسواق العامة. ومن غرائب ذهنية النظام، هي تبرئة الذات، وتجريم أنظمة المجتمعات المحيطة على أنها السبب الرئيس فيما ألت إليه سوريا، وعلى خلفية هذه الجدلية رسمت إستراتيجية محاربة تلك الأنظمة عن طرق نشر المخدرات، متوقعا أن تؤمن له العملة الصعبة اللازمة لحماية ذاته من الزوال، العملة التي نضبت منها بنوك سوريا.
  هذا الانتقال في سمات النظام، من دولة استبداد إلى دولة الإجرام إلى دولة المافيات، حسب رأي مجلة (فورين بوليسي) أدى ليس فقط إلى التدمير الكامل لبنية الدولة الاقتصادية، بل بلوغ النظام بكل مؤسساته إلى نهاية العجز التام في بناء المشاريع الاقتصادية أو حتى إعادة بناء جزء يسير من المدمر، فكان البديل، وهو التركيز على إنتاج المخدرات (حبوب الكبتاكون الرخيصة التكاليف والسهلة التوزيع) كمصدر شبه وحيد لجلب العملة الصعبة. 
  تتبين مقدار ما تحصل عليه مافيات سلطة بشار الأسد من العملة الصعبة من خلال ما تم القبض عليه وتدميره في شهر أيار وحزيران وتموز والتي بلغت قرابة مليار دولار، وكذلك من تبيان ما نشرته تقارير مجلة فورين بوليسي وغيرها من المصادر، والتي تقول بأنه ومنذ بداية تحول السلطة من نظام الدولة إلى حكومة مافيات إي تقريبا ما بين عامي 2016 و2022 تم مصادرة مليار حبة كبتاغون، وبعملية حسابية بسيطة، لسعر الحبة الواحدة التي تباع بسعر 20 دولاراً تكون الدول المجاورة قد حجزت قرابة أربعين مليار دولار خلال السنوات الماضية. وحسب المنظمات المختصة بتجار الكارتيلات، أن ما يتم حجزه لا يزيد عن 20% من الكمية المنتجة الكلية، ولا شك أن هذه الأموال لن تعود لصالح الدولة أو لخدمة الشعب أو بناء المدمر، ولن تدخل في ميزانية الدولة بل تتحكم بها تجار الحروب وجلهم من المتنفذين ضمن الدولة، وقادة الجيش وعماد النظام.
 وبعملية في جنوب ألمانيا في الشهر الماضي تم تدمير بضاعة بلغت سعرها قرابة عشرين مليون دولار كانت قادمة ومصنوعة في سوريا. 
كل هذا الإنتاج هي نتيجة تحويل مصانع الأسلحة الكيميائية التي تم تدميرها من قبل الأمم المتحدة، إلى معامل لإنتاج حبوب الكبتاغون، والتي تكلف الحبة منها أقل من عشرة سنتات، وتباع في أسواق الخليج، حسب بعض المصادر الدولية، بعشرين دولاراً.
وهذا ما أدى وحسب المصدر ذاته (مجلة فورين بوليسي) كما ذكرنا إلى سقوط سوريا في مستنقع العجز الاقتصادي الكامل، بل أصبحت دولة مدمرة ومنتهية بشكل تام وفي كل المجالات وفي مقدمتها المجال الاقتصادي، وهو ما أدى إلى تفاقم متسارع في الحالة المعيشية، وبالتالي زيادة نسبة الهجرة إلى الخارج إلى قرابة 150 بالمئة مقارنة بعام 2021م. 
هذه الإستراتيجية المرعبة، جلبت أنتباه ليس فقط دول الخليج والتي تسارعت إلى عملية التطبيع مع النظام، واحتضان جامعة الدول العربية لأحد أسوأ مجرمي الحرب في التاريخ، بشار الأسد، بل دفعت بأمريكا والدول الأوروبية، على تكثيف المراقبة الجوية لأرض سوريا وحدودها ولتحرك الميليشيات الإيرانية ونشاطات عصابات المافيا النظامية، بالطائرات بدون طيار، وكرد فعل على هذه المراقبة والتوسع الأمريكي تدخلت روسيا وبدأت تصعد المواجهات بين طيرانها والطيران الأمريكي وخاصة ضد دروناتها، في سماء سوريا، ولا شك هي من ضمن استراتيجية الصراع على أوكرانيا والهيمنة الروسية أو الأمريكية على الشرق الأوسط، وأصبح الطرفين يدرجون عمليات مافيا النظام من ضمنها، أي عمليا يتم الصراع على بقاء أو تغيير النظام السوري أو إسقاطه، وهي التي تحدد الوجود الروسي والإيراني في سوريا أو عدمه.
ويظل السؤال: هل استراتيجية حرب المخدرات ستنقذ سلطة بشار الأسد؟ وهل ستتمكن روسيا وإيران من حماية النظام لسنوات قادمة؟ ألا يتبين على أن النظام بدأ ينهار من الداخل، بعدما فشلت المعارضة السورية السياسية والتكفيرية في ذلك فشلا زريعا؟ أم أن روسيا ستعمل بكل ما لديها من القوة للحفاظ عليه، كجزء من استراتيجية صراعها مع أمريكا وأوروبا في أوكرانيا، كما وهو السند القانوني لوجودها في سوريا والشرق الأوسط؟
الولايات المتحدة الأمريكية
1/8/2023م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…