كيف يحاربون القضية الكوردستانية بأحزابها

د. محمود عباس

كل القوى الكوردستانية مستهدفة، بطريقة أو أخرى، عليها جميعا وبدون استثناء أن تعيد النظر في حساباتها، ومواقفها من بعضها البعض، وأن تدرك على أن الأعداء ومحتلي كوردستان، حاربوا طوال القرن الماضي، العشيرة، والتكيات الدينية، والمنظمات الثقافية، والثورات الكوردية بكل أوجهها ولم يفرقوا بين شخصياتها الوطنية أو القومية أو الدينية، ثم حاربوا الأحزاب بغض النظر عن منهجياتها، واليوم يهاجمون الإدارات الكوردستانية، حتى التي تنفي عن ذاتها السمة الكوردية كالإدارة الذاتية في غربي كوردستان، أو المطالبة بنظام ديمقراطي كإقليم كوردستان الفيدرالي، مثلما حاربوا جمهورية مهاباد إلى أن أزالوها، ويحاربون التي تطالب باللحمة الوطنية مع بغداد أو المتحالفة مع إيران من البعد المذهبي، أو المنضوية تحت خيمة قوى المعارضة السورية (الائتلاف الوطني السوري) كالمجلس الوطني الكوردي.
  يحاربون كل الأطراف الكوردستانية بدون تمييز، بطرق وأدوات مختلفة، يحاربون القضية والشعب، وكل من يتوقعون منه تقديم خدمة للأمة ولقادم الوطن، بغض النظر عن منهجيته، وأيديولوجيته، وأساليبه النضالية، يخلقون التبريرات من العدم لعدائهم، وما أسهل من إيجاد الحجج في البيئة الكوردية الهشة، لمحاربتهم. 
 صور عبد الله أوجلان في جهة حجة وتبرير، ومنهجية البرزاني حجة لدى الأخرين، وخط المرحوم جلال الطالباني في الجهة الأخرى حجة مغايرة، ومطالب الشهيد عبد الرحمن قاسملو والمرحوم الشيخ حسيني بإدارة ذاتية، لكل من هذه الأسماء أعداء من صلب محتلي كوردستان، والجامع بينهم هي القضية الكوردستانية. لو كان الرسول كورديا لوجدوا له حجة لمحاربة كوردستان من خلاله.
  استيقظ أيها الكوردي، هناك من يسخرك ويملي عليك ويستغل سذاجتك السياسية لتعادي الأخ في الدار، يعطيك الأداة لتشتت القوى الكامنة الهائلة في شعبك. 
 من الجميل أن يكون هناك خلاف واختلاف، ومن المؤلم أن يصارع الكوردي، ويعادي ويخون بعضهم البعض، ويفتحوا الأبواب على مصارعيها لمحتلي كوردستان. ومن الجهالة الظن أن الأعداء يفضلون طرف كوردستاني على الأخر، الواقع الذي يتوجب على الحراك الثقافي، بل والسياسي أيضاً، إدراكه، وبأنه لا حزب مرغوب لدى المحتلين، ولا حزب يمكن التعامل معه حبا به. الكل منبوذ إلا إذا دعت ضرورة مصالحهم.
   فمن الخطأ الفاضح، الانجرار خلف الدعاية التي تنشر على أن أساليب ونشاطات هذا الطرف الكوردي أو ذاك، تعطي المبررات للأعداء لمحاربتهم والاعتداء على الشعب. لا يمكن الثقة بالأنظمة المحتلة لكوردستان، ومن الغباء نسيان هذه الجدلية، لا شك هناك تحالف على بينة المصالح، لكن لم يبلغ أي طرف كوردستاني إلى سوية التعامل بالمثل، بل جل ما يتم يجري على منطق السيد والموالي، الآمر والمأمور، الإملاءات والتنفيذ، الكل خدم يخدمون، جلهم دون مستوى التقدير ما داموا مشتتين ومتخالفين، ولا جامع بينهم لتكوين قوة موازية للأنظمة المحتلة.
  يجب أن تعي الأطراف الكوردية المتخاصمة، وتنتبه إلى أن منهجية وأعمال وأساليب القوى الكوردية، ليس مبررا لتركيا أو إيران أو القوى العروبية العنصرية لما يقومون به من الاعتداءات، كالتي يتم في مناطق عفرين أو قامشلو، أو ديريك، أو شنكال، أو كركوك، أو شمال الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، أو دهوك وهولير والسليمانية، وغيرها. لا شك بين كل هذه المناطق اختلافات سياسية لكنها جميعا تتعرض إلى نفس الاعتداءات حتى ولو كانت بأوجه مختلفة، وتحت حجج مغايرة، ومن قوى مختلفة في الشكل ومتفقه في الغاية.
على الحراك الكوردستاني أن يدرك كيف أنهم يصنفونهم، حسب متطلبات محاربتهم، كإرهابيين، أو انفصاليين، أو متمردين، ومن ثم يخلقون الأعداء المناسبين لكل طرف كوردي، فيحاربونهم على نسق منهجيتهم، بأساليب وهوبرة إعلامية يقنعون بها الأطراف الكوردية الأخرى المناوئة للطرف الذي يتم محاربته.
  فبقليل من التمعن على ما يجري اليوم ضمن الساحة الكوردستانية سنرى أن كل الأطراف السياسية والثقافية تتعرض إلى الاعتداءات، من جهات مختلفة، ولكن المصدر واحد والغاية هي ذاتها.
 1- جندت قوى من ضمن حكومة بغداد لمحاربة حكومة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، وفي الواقع مساحة الصراع أوسع من حصرها في مجموعة من النواب أو الوزراء، وتجاوز أو تطبيق القانون والدستور المطاط. 
2- بالمقابل نرى كيف يحاربون القوى الموجودة في السليمانية بمنهجية مختلفة.
3- وأحزاب شرق كوردستان من مهاباد إلى سنندج تحت تبريرات مذهبية تارة وأخرى الدولة الإسلامية.
4- يحاربون الإدارة الذاتية في غربي كوردستان تحت مفاهيم ومخططات مدروسة بدقة.
5- كما ويحاربون المجلس الوطني الكوردي بإعلام مختلف وأساليب تخللتها التخوين.
 أي عمليا الكل الكوردستاني مستهدف والكل يتعرض إلى الاعتداءات.
  والغريب أنه وفي معظم هذه الحالات يكاد أن يبرأ الأعداء ذاتهم، ويوجهون أصابع الاتهام إلى أطراف الحراك الكوردي، إلى أن توصلوا لإقناع الأطراف الكوردستانية لتتهم بعضها وتتناسى الفاعل الحقيقي، والأبشع أنهم دفعوا بأطراف الحراك لإقناع الشارع الكوردي على أن الأطراف الكوردية هي المذنبة. كل جهة تتهم الأخرى، وتنسى أصحاب القدرة والإملاءات، وواضعي الخطط لهذا التآكل والصراع الداخلي. 
 من المؤلم التناسي على أن هذا الواقع المؤلم، يضعف كل الأطراف، ويهدم ثقة الشارع الكوردي بحراكه، ويجعل الكل الكوردستاني، مشتت ومتصارع، وساذج، ودون مستوى القدرة على حمل القضية، فيظلون أدوات بيد الأعداء.
الحراك الثقافي، ولانجرار أغلبيته خلف الأحزاب، عاجز حتى اللحظة على تعرية هذه المخططات والمؤامرات، ولا يزال دون مستوى توعية الحراك السياسي، وتنوير الشعب، بل والأكثر ألما أن شريحة غير قليلة تؤمن بأن الأحزاب والمنظمات الكوردستانية، بغض النظر عن أوجهها المختلفة، هي التي تعطي المبررات للأعداء لمحاربة القضية.
  فيقولون:
1- بأنه لولا وجود الـ ب ي د وتجاوزاتها لما احتلت تركيا عفرين وكري سبي وسري كانيه وقبلها الباب وجرابلس، ولما حاولت إقناع روسيا وأمريكا لاحتلال البقية الباقية من غربي كوردستان، ولولا الـ ب ك ك لما قامت باحتلال شمال الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر مع الحزب. 
2- بأنه لولا الإتحاد الوطني لما دفعت إيران وبغداد بالحشد الشعبي لاحتلال كركوك، ولما قطعت الموازنة السنوية لحكومة الإقليم، ولما كانت كل الإشكاليات على النفط وموارده والخلافات على الموازنة بين المركز والإقليم الكوردستاني متدهورة إلى أن بلغت درجة التدخل المباشر من قبل المركز في أمور الإقليم. 
3- ولولا سياسة الديمقراطي الكوردستاني، لما تمكنت تركيا من الاعتداء على مناطق العمال الكوردستاني، وقصفت شنكال، ولما كانت هناك صراع بين هولير والسليمانية، ولما حدثت الفضيحة التي تمت ضمن قاعة البرلمان الكوردستاني، وطعنت المحكمة العليا في شرعية البرلمان، ولما كانت حصة السليمانية من الميزانية دون المستوى.
4- ولولا مطالب الديمقراطي الكوردستاني-شرق كوردستان، لما قصفت إيران مخيمات المهاجرين من شرق كوردستان في جنوب كوردستان، ولما أعدم أئمة ولاية الفقيه المئات من المناضلين الكورد. وغيرها من الحجج.
 التهم متنوعة أدواتها الأطراف الكوردستانية، لكن المصدر هو المحتل وهي القوى الإقليمية التي تجد في قادم كوردستان كارثة سياسية وجغرافية لدولهم، ويتناسون بإنها ستكون بداية السلام والاستقرار في المنطقة. وهذا ما يجب ان توحد نشاطات الأطراف الكوردستانية لتتمكن من إقناع الأنظمة المحتلة ولتقنع بدورها شعوبها.
 نعيد ونكرر، الحراك الكوردستاني لم يكن السبب في خسارة كركوك، وقرابة ثلث مساحة جنوب كوردستان، وعفرين وكري سبي وسري كانيه، ووجود القواعد التركية في شمال الإقليم الكوردستاني، وهيمنة الحرس الثوري على مهاباد وسرادشت، وليست السبب في الوجود الأمريكي والروسي في المنطقة، ولا في الاعتداءات المستمرة التي تقوم بها إيران وتركيا على كل كوردستان بأجزائها الأربعة.
  محتلو كوردستان لهم القدرة على إقناع بعض القوى الكوردستانية، بوجهات نظرها عن الكوردي الأخر، وتسخيرهم لمحاربة الآخر، وليس هناك من استثناء، وبالتالي كل الأطراف الكوردية تتعرض إلى الأذى، والكل يخسر، وتستمر سيطرة الأعداء على مقدرات الأمة وحراكه. 
وللعلم، فما قد ينجم عن الاتفاق المتوقع بين الدول الأربع، روسيا وتركيا وإيران ونظام بشار الأسد، ستكرس هذه المخططات وسينجحون كما نجحوا طوال القرن الماضي، إذا ظل الحراك الكوردستاني على هذه الضحالة من الوعي السياسي، ولم تقم بإعادة النظر في رؤيتها لبعضها البعض.
الولايات المتحدة الأمريكية
17/6/2023م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…