عبدالله كَدّو
أعتقد أن العمل السياسي الكردي السوري، سواء الحزبي أوغيره، بحاجة إلى المعلومات للانتقال من السياسة التأمّلية إلى سياسة مبنية على العلوم التي تعتمد عليها السياسة، العلوم التي يتعذر على السياسي عامة، وخاصة في بلادنا، الإحاطة بها، كلها معاً، وبالتالي هناك ضرورة عاجلة للعمل على تشكيل، ودعم، مراكز أبحاث حقيقية حِرفية، بدلاً من اعتماد الآراء الاِرتجالية والمواقف التقليدية المسبقة الصنع، التي لا تنتج سوى التشكك والتردد، والتي تعتمد كثيرا على “نظرية المؤامرة” ،النظرية التي لا تحتاج الوقت ولا الجهد ولا المعلومات ولا المؤهلات، وتساوي بين أشباه الأميين ثقافياً والباحثين والمفكرين في إعطاء النتائج والأحكام.
هناك نسبة كبيرة من سياسيين، حزبيين و مستقلين، من الكرد السوريين، ممن يعتمدون على قِدَمهم، الزمني، فقط، مازالوا يعتقدون بأنهم لا يحتاجون إلى مستشارين ولا إلى مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية وغيرها، وربما يعتقدون أنهم لا يحتاجون إلا قليلا من الخلوة والتأمل في مواضيع الساعة، حيث مازالوا يعتقدون بأن العمل السياسي إنما هو عبارة عن إلهام، ويحتاج – فقط – إلى ذكاء فطري، لدرجة أن البعض، وخاصة من منتسبي الأجسام السياسية الخاملة البعيدة عن الميدان، التي هي موجودة، أصلاً وفقط، لتكون موجودة، ليس إلّا، يستخدمون مصطلحات دون معرفة معانيها بدقة، ذلك من قبيل الموضة، مثل، الدولة العميقة، الهروب إلى الأمام، وغيرها، ذلك فقط للإيحاء بأن لديهم عمق في الثقافة السياسية، نزولا عند عقدة حبّ البروز البليدة، علما أن الوظيفة الفعلية لأولئك إنما هي إطلاق الحتميات التي (تفيد) تثبيط همم الشباب، وغيرهم من الحيويين، وإعاقة سعيهم، الخلاق، لابتداع الأساليب والحلول اللازمة، فتجد أن الأصل، عند اولئك الذين يعتقدون بأن لديهم “الاِكتفاء الذاتي” في الإمكانات السياسية اللازمة، هو السكون والهمود، بدلاً من الديناميكية، إضافة إلى بث الخوف من أية مبادرة مطروحة حديثا وإحاطتها بالتحذير، المرَضي المبالغ فيه، من المغامرة.
باختصار، أعتقد أن تفعيل العمل السياسي الكردي وترميمه وتجديده يحتاج، في ما يحتاج، إلى توفير أعداد كافية من المختصين في العلوم التي تستند إليها العمل السياسي، مثل العلوم السياسية والقانونية والإعلامية، إضافة إلى اللغة والتاريخ و… إلخ.
لا بد من التكرار والتذكير بأنه، في عالم السياسة، من العبث للسياسي الكردي أن يعيد على أذهان مخاطبيه من الكرد
العبارات الحزينة المثبِّطة فقط.. من قبيل، لا أصدقاء للكرد سوى الجبال، كتبرير “للاِنعزالية” وعدم الاهتمام بلغات شركاء الكرد في الوطن وتبرير لفشل قادم يستشعره، لا بل يتهيأ له، حيث ليس الكرد وحدهم مشتتون ومبعثرون بين مختلف الأقوام والبلدان، فهناك، على سبيل المثال، الكشميريين والآذريين، مبعثرين بين الدول أيضا، هذا حتى يكف الكرد عن صرف الوقت طويلا في الإشفاق على أحوالهم، وهنا من الضرورة بمكان أن يبيّن السياسي الكردي مَنْ هم لا أعداء الكرد أيضا ومن هم أصدقاؤهم ، وليس فقط من هم أعداء الكرد، وعليه فإن من شأن اتِّباع العلوم السياسية والاِجتماعية وغيرها العصرية، توفير اِمكانية رسم خارطة الطريق أو الوصفة السياسية اللازمة للتفاعل الصحيح مع الواقع الكردي الصعب بِحركيته، كما هو، دونما تضخيم، ودونما أي انفصام، مَرَضي، عنه.
أعتقد من الضروري التذكير ، أنْ على السياسي الكردي السوري التمييز ما بين.. وإجادة التعامل مع، الإشاعة والتسريب والمعلومة والأرشيف ومحضر الجلسة، وأن يميّز بين إطلاق الأحكام والتّكهّن والاتّهام والإدانة، فالإحاطة بالوقائع واعتمادها هي الخطوة الأولى في مسار “الواقعية السياسية” التي لا تعني، البتّة، الانسجام أو التكيّف مع الوقائع المفروضة، إنما الواقعية هي التفاعل مع الوقائع، بين التأثير فيها والتأثّر بها، وهكذا.. فالعمل السياسي الكردي بحاجة للتجديد في الخطاب السياسي، بدءاً باللغة، أي المصطلحات والعبارات المتبعة التي يجب أن تتحرر من التعميم القومي والمناطقي والجماعاتي وغيره، وأن يستند، الخطاب، إلى معاني ونصوص القانون والحقوق، بعيدا عن النزعات الاِنتقامية والعدوانية، والشعور السلبي بالشك والمراقبة.