د. محمود عباس
1- خفايا المعاهدة
تصرف معاهدة لوزان على أنها بداية تكوين تركيا القومية، مثلما كانت معاهدة سيفر نهاية للإمبراطورية العثمانية الإسلامية. وتقسيم جديد للجغرافية الكوردستانية والتي بموجبها أصبحت كوردستان مستعمرة بريطانية وفرنسية وفيما بعد ضمت إلى سوريا والعراق، لتصبح كوردستان محتلة من قبل أربع دولة متكونة حديثة، وخاصة الحكومتين الفارسية والتركية، ورثة الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية اللذين وبموجب اتفاقية قصر شيرين في 17/5/1639م قسموا كوردستان فيما بينهم على البنية المذهبية. وبالتالي تصنف معاهدة لوزان طعنة مباشرة في الوجدان الكوردي وتدمير مخطط لمستقبل الأمة وتجزئة لكوردستان بناء على مصالح الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا وفرنسا.
وفي لوزان تم التغاضي عن القضية الكوردية بشكل كامل، وألغيت البنود الثلاث التي أعطى المهيمنون على اتفاقية سيفر تلميحا دوليا على احتمالية استقلال جزء من كوردستان، ومع إلغاء القضية الكوردية من جدول المفاوضات عتمت على القضايا القومية الأخرى كالأرمنية واليونانية والبلغارية واللاظ وغيرها، وفرض الوفد التركي القومية التركية ومصالحها بشكل مطلق على دول التحالف.
نفس القوى التي فرضت شروطها على الدولة العثمانية المتهالكة، بعد خساراتها المتتالية لجغرافية إمبراطوريتها، رضخت للقوة التركية القومية الصاعدة من أنقره (1) التي ألغت اتفاقية سيفر وما قبلها من المعاهدات والاتفاقيات، وأجبرتهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع بنود مختلفة، وشروط صارمة، ومن ثم التوقيع على الاتفاقية،(2) وفيها تم القضاء على القادم الكوردستاني الذي كانت تسخره بريطانيا وفرنسا لفرض أجنداتها، وأرسلوا القضية الكوردستانية إلى ظلام سياسي دبلوماسي دام قرابة قرن من الزمن، ساهمت فيها بشكل مباشر الإتحاد السوفيتي وبشكل غير مباشر فرنسا وإيطاليا وأمريكا، وتخاذلت عنها بريطانيا بعدما خسرت في معاركها مع القوات التركية، وخرجت شبه خاسرة أمام تركيا، أو لنقل تراجعت عن كوردستان مقابل استعمارها لجغرافية واسعة من الشرق الأوسط والتي كانت من تركة الإمبراطورية العثمانية.
وعلى بنية هذا التراجع الدولي عن القضية الكوردية تصاعدت شروط الحكومة التركية الجديدة على دول الحلفاء في المفاوضات، ومن بينها الاعتراف بالدولة التركية الحديثة والتي عاصمتها أنقره، وقضية الموصل والتي كانت هي لب قضية الجزء الجنوبي من كوردستان، ففي مقابلة مع صحفيين من إسطنبول في قصر (إزميد هونكار) في 16 تموز 1923، عندما سُئل رئيس تحرير (واكيت) أحمد أمين بك، عن القضية الكردية، قال: «بدلاً من تخيل الكردية في إنه حق خاص به، إنه بالفعل نوع من حيث الشكل يتوافق مع قانوننا التنظيمي. لذلك سيتم تشكيل الحكم الذاتي المحلي» وبهذا الجواب الضبابي تم حصر القضية الكوردستانية كقضية تركية داخلية، وبها اعتبرت اللجنة التركية في مفاوضات لوزان، أي حديث عن القضية الكوردية أو أية قضية قومية أخرى، ضمن جغرافية ليس فقط تركيا بشكلها الحالي، بل ما كانت تسمى بتركيا الملية، تدخل خارجي، وعليه أصبح لجان دول الحلفاء حريصون على عدم الحديث عن الكورد في المفاوضات، وكانت تلك بداية اعتراف دولي على أن الكورد هم من ضمن تشكيلات الدولة التركية.
في لوزان كانت تركيا الكمالية تفاوض من منطق القوة، وفي سيفر كان الوفد العثماني يعمل المستحيل للحفاظ على جغرافية ضيقة المساحة، تحت أي مسمى، بشرط أن تكون ذات خصوصية عثمانية-تركية. لذلك كان من المتوقع بعد اتفاقية سيفر، تكوين قوة كوردستانية قادرة على تطبيق ما تم الإقرار به، لكن وبعد التوقيع على اتفاقية لوزان تبين أن العامل الكوردستاني الداخلي لم يكن متهيئا لتكوين الدولة، ولم تساعد بريطانيا ولا فرنسا على تهيئتها، وظلت سويتها العسكرية والسياسية شبه بدائية، ومعدمة العلاقات الدبلوماسية في الخارج، وفي الحالتين أستمر الحراك الكوردي طوال سنوات الاستعمار البريطاني والفرنسي دون مستوى إدارة دولة مستقلة، والثورات الكوردية التي ظهرت في تلك المراحل الزمنية، ومن بينها ثورة الشيخ سعيد بينت الحالتين بصورة واضحة.
في الوقت ذاته، كانت شخصيات من الأصول الكوردية تدير إدارات مهمة في الدول التي تشكلت حينها والتي جزأت كوردستان بينها، وظل بعضهم في أعلى المناصب يخدمون شعوب غير شعبهم، ويساهمون في تكوين حكومات معادية لشعبهم، أي كانوا أدوات أو خدم لغيرهم، وبالمقابل كان رؤساء العشائر الكوردية في خصام على قضايا ساذجة ولجهالتهم سخروا كأدوات من قبل الحكومات المحتلة حينها، الواعون منهم كانوا يختلفون ما بين تقبل التبعية أو الثورة مع غياب عوامل النجاح.
ففي تركيا كان الرجل الثاني بعد مصطفى كمال أتاتورك كوردي الأصل، وأصبح الرئيس الثاني لتركيا، وفي إيران كان الكورد في الحكومة، وفي العراق كان الرجل الثاني، بعد الملك الذي نصب من قبل بريطانيا، كورديا، وفي سوريا ثلاث رؤساء كانوا كوردا إلى جانب العديد من الوزراء. وفي القوى العسكرية للدول التي تشكلت حديثا، كان الشباب الكورد يشكلون نسبة عالية من فرق جيوشهم بضباطها، وجميعهم كانوا خارج المعادلة الكوردية.
مع ذلك ظلت القضية الكوردية والشخصيات الرسمية أمثال عصمت شريف باشا الذي حمل القضية إلى معاهدة السلام في باريس، خارج المعادلة الدولية، حتى أنه لم يتمكن من حضور المؤتمر الدولي المهم، الذي عقد في باريس سنة 1919 وشارك فيه مندوبون عن أكثر من 32 دولة وكياناً سياسياً، وسبق لوزان بأربع سنوات، والذي تم فيه تقرير مصير الدول والشعوب، وقسمت تركة الإمبراطورية العثمانية التي خسرت الحرب إلى جانب ألمانيا، قبل مؤتمر سيفر بسنة، وكانت بريطانيا وفرنسا يتحكمان بمجريات المباحثات، إلى جانب دول الحلفاء الأخرى، وكان من أهم قراراته إنشاء عصبة الأمم. كما ولم يتمكن من المشاركة في معاهدة سيفر، وغاب عن لوزان كليا. ولا شك ستكون منطقية وهو ممثل وفد كوردي لم يسمح له بدخول قاعة المفاوضات في مؤتمر الصلح، لعرض قضيته والتحدث باسم شعبه، سيرفض في المؤتمرات اللاحقة وحيث تركيا بدأت تفاوض من مركز القوة.
علما يقال أن الجنرال شريف باشا كان قد أنتخب من قبل جمعية تعالي وترقي كُردستان، وحزب استقلال الكُرد، وغيرهم، وأن الوفد ضمّ شخصيات كوردية أخرى، أمثال فخري عادل بك، وعادل بك المارديني، وصالح بك حسني مدير شؤون شريف باشا، إلا أنّهم لم يكن يمثلون كوفد رسمي دولي ولم يتمكنوا من إقناع دول الحلفاء على أنهم هناك بإجماع كوردي لتمثيلهم في المحفل الدولي، فضعف القوة الداخلية الكوردية جعل هذا الوفد بدون ثقل سياسي، وممثلهم بلا صوت مسموع دوليا، ففي الواقع كانت جمعياتهم ومنظماتهم وثوراتهم بدون صدى، من البعدين الدبلوماسي والسياسي الدولي. علما أن رسالته المشتركة مع الوفد الأرمني كانت لها تأثير ما على وفود معاهدة السلام، ومثلها رسالته باللغة الفرنسية في 22 آذار من عام 1919 والتي وجهت إلى جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا بوصفه رئيس مؤتمر الصلح – مؤتمر فرساي، ورئيس لجنة دول الحلفاء، والتي كانت تضمّن (المطالب المشروعة للأمة الكُردية). لكنها ظلت بدون صدى على المستوى الدولي، ولم يتم قبول الوفد ضمن مفاوضات المؤتمر رغم حضور 32 وفدا ومنظمة، وبالتأكيد وفيما بعد وبعدما أصبحت الدولة التركية الحديثة في معاهدة لوزان من القوة بحيث حتى الحديث عن حضور ممثل خاص عن الشعب الكوردي ملغيا بمطلقه.
تحرك الوفد التركي على هذا النهج مع دول الحلفاء، وفاوض بمنطق تركيا الحديثة العلمانية، متهمة الثورات الكوردية، التي حاولت بريطانيا وفرنسا قبل معاهدة سيفر، إما دعمها أو إخراج صوتها إلى العالم الخارجي، على أنها تعاديها من المنطق الدين الإسلامي، وعلى أنها تطالب بإعادة الخلافة العثمانية، وهو ما أدى إلى عداوة الإتحاد السوفيتي للكورد ولثوراتهم من جهة، قابلتها تراجع واضح من قبل بريطانيا وفرنسا في طرح القضية الكوردية، في الوقت الذي بين وودرو ويلسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ميل سياسي كبير إلى الجانب القضية الأرمنية منذ معاهدة السلام في باريس، وركز على توسيع جغرافية الدولة الأرمنية على حساب كوردستان، وتناسى الكورد وقضيتهم.
استند ممثلو الحراك الوطني التركي، والبرلمان الذي كان قد تشكل في أنقره عام 1920م الذين رفضوا الاشتراك في مؤتمر سيفر، بعدما تم إلغاء معاهدة لندن الذي تفاضوا فيه مع دول الحلفاء إلى جانب فد الدولة العثمانية المرسل من إستانبول، على نجاح العاملين الداخلي والخارجي معاً، لإلغاء جميع البنود التي تم الاتفاق عليه سابقا، ومن ضمنها القضية الكوردية، وهما:
1- الصعود المتسارع لقوتها العسكرية التي أعيدت هيكليتها، وجلها عن طريق المساعدات الخارجية.
2- إعادة تركيبة تشكيلتها السياسية من الإسلامية إلى العلمانية المناقضة والمناهضة للإمبراطورية التي كانت تستند على العامل الإسلامي.
3- العامل الخارجي حيث الدعم السوفيتي، والألماني إلى حد ما، مع إقناع دول الحلفاء، وخاصة بريطانيا وفرنسا، وخلفهم اللوبي اليهودي على أنه لن يعترض على هجرة اليهود إلى فلسطين، والذي كان قد حصل على الرفض من السلطان عبد الحميد وأعترض على عودة اليهود إلى أرض الميعاد، رفضها السلطان ليس حبا بالإسلام ولا بالفلسطينيين، بل كبعد سياسي، خوفا من خسارة دعم العالم الإسلامي له في مواجهة بريطانيا وفرنسا اللتين كانا قد بدءا في تقسيم الإمبراطورية بين بعضهم، ولذلك نصب ذاته خليفة للمسلمين،
تركيا الكمالية بينت وبشكل صارخ، حتى أثناء مفاوضات وفدها على إنها لن تكون للعثمانية الإسلامية دور في قادمها، بعكس معاهدة سيفر والتي عرضت كصراع بين العالمين المسيحي المدعوم من الرأسمال اليهودي المتنامي حينها، والإمبراطورية الإسلامية المتردية، والتي كانت قد أغرقت العالم الإسلامي في تخلف كارثي، وتفاقمت في المرحلة التي كانت أوروبا تنهض ثقافيا وعسكريا واقتصاديا وبشكل متسارع. الجدلية التي هاجمها البعض من السياسيين-العسكريين العثمانيين وكتابهم أمثال (قادر مصر أوغلي) (3) وأشرس من هاجم معاهدة لوزان وأتاتورك إلى درجة اتهامه بالخيانة، تحت منطق تخليه عن الجغرافية العثمانية التي رسخها الميثاق الملي، وهي المنهجية التي أستند عليها حكومة أردوغان عندما قضى أو قزم دور الدولة العميقة الكمالية. في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تصرف لدى الدول التي أستقلت كدولة فاشلة متخلفة والمسببة بتخلف العالم الإسلامي، وكتب فيها حينه كتاب معروفون على مستوى الإمبراطورية العثمانية، أمثال (محمد كرد علي) (4) و (عبد الرحمن الكواكبي) (5) وغيرهم.
بعد معاهدة لوزان، روجت دعاية إعلامية – سياسية تكررت مرارا حتى اللحظة، دون معرفة مصادرها الرئيسة، باستثناء منظمات أرمنية، على إنه كانت هناك بعض البنود غير المعلنة، بين دول الحلفاء والحكومة الكمالية، سبقت اتفاقية لوزان، وظلت سرا بينهم، من بينها:
1- على أن المعاهدة مدتها الزمنية مئة سنة، وبعدها يحق إعادة النظر في بنودها، دون أن يكون لهذا الادعاء سند، ولم يصدر أي إثبات منذ تلك الفترة وحتى اللحظة على وجود مثل هذا الشرط، علما أن البنود السرية في معظم المعاهدات الدولية يتم إزالة الغطاء السري عنها، بعد نصف قرن أو أقل. (6)
1- على أن دول الحلفاء اشترطت في إنقاذ تركيا بالجغرافية المسماة تركيا الملية، ومساعدة حكومة مصطفى كمال، مقابل أبعاد مخلفات الدولة العثمانية عن عمقها الديني وعزلها عن قيادة العالم الٍإسلامي، ويقال أن ما قام به كمال أتاتورك وعصمت إينونو، ومجموعة محاطة بهما الذين كان يجمعهم المحفل الماسوني (للعلم فقد كان السلطان العثماني مراد الخامس من أهم الشخصيات التي انضمت للماسونية آنذاك) بني على هذا الشرط. وقد كان أتاتورك عضوا بارزا في المحفل، بل ويضاف على أنه كان من يهود الدونمة الذين كانوا يسكنون سالونيك. لذلك سهلت له نجاحاته وإنقاذه التركة العثمانية من الضياع، وتأسيس تركيا بجغرافية تجاوزت توقعات الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. وقد روج العثمانيون على أن تغيير الحروف العربية-الإسلامية إلى اللاتينية، كان من بين البنود. كما وأدعى أتباع العثمانية بأنه بذاك التغيير تم القضاء على الإرث العثماني الإسلامي الممتد لقرون عدة. كما حظرت بعض المعالم الثقافية الإسلامية، كاللباس وتغيير العطلة الرسمية من الجمعة إلى يوم الأحد. وألغى الشريعة، وحظر تعدد الزوجات، وأعطى المرأة حقوقًا متساوية بما في ذلك الحق في التصويت وشغل المناصب الحكومية. نفذ سياسة التأميم في الاقتصاد، والأهم من كل ذلك تم التركيز على سياسة التفوق التركي وركز على “أطروحة التاريخ التركي ” وليس العثماني – الإسلامي. ومن ثم تم تغيير أسم الدولة، ونقلت العاصمة من استانبول إلى أنقرة، وغيرها، وهو ما ساهم في النقلة النوعية من إمبراطورية مريضة إلى دولة تركيا الحديثة، والتي لم تمانع من إقامة دول خارج جغرافيتها الحديثة، شرط ألا يتم التعرض لداخلها، أي ألا يتم مساعدة الكورد والأرمن واليونانيين سياسيا وعسكريا، ولا تعرض قضاياهم القومية على المحافل الدولية. في الواقع كل ذلك كانت خباثة سياسية نجح فيها أتاتورك، وتمكن على أسسها من تكوين تركيا الحديثة العلمانية ورسخ البعد القومي التركي العنصري، تزعمتها فيما بعد الدولة العميقة.
على الأغلب أن الحكومات العربية التي خرجت من رحم الإمبراطورية العثمانية وبمساعدة بريطانيا وفرنسا، روجت على أنه لولا دعم يهود الدونمة، والحركة الصهيونية العالمية لما تمكن أتاتورك، من الحصول على المساعدات الخارجية، بل وربما حتى من الإتحاد السوفيتي ذاته، وقد كانوا وراء الدعم الإيطالي له، وإن كان صحيحا فهو ومن البعد السياسي يعتبر الخطأ الذي لا تزال إسرائيل والشعب اليهودي يدفعون ثمنه، وكذلك شعوب المنطقة وفي مقدمتهم الكورد، ومن ثم الأرمن واليونانيون، في الوقت الذي كان بإمكانهم الوصول إلى نفس النتائج وتحقيق نفس الأهداف بالقضاء التام على الإمبراطورية العثمانية، ومنع قيام تركيا القومية العنصرية، وتحرير شعوب المنطقة على أثارها.
لكن في الواقع، الحركة الصهيونية كانت حينها لا تزال في بداياتها، ولم تكن لها القدرة على ذلك، فقد كان خلف هذه التطوريات بريطانيا وفرنسا، وفيما بعد الإتحاد السوفيتي، كل حسب مصالحه، وإستراتيجيتهم في المنطقة، كانوا الداعمين لإزالة المعاهدة الأولى بكل بنودها، وفرض الثانية بما ترضي الحكومة التركية؛ المتشكلة حينها من شخصيات ذوي ميول تتلاءم ومتطلبات معظم الأطراف التي عملت على إزالة الإمبراطورية العثمانية وألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، بدءا من أتاتورك وجلال بيار وعصمت إينونو، ومن الغرابة أن خلفاءهم كرروا الخطأ ذاته بتقديم الدعم الهائل لأردوغان من بدايات 2006 ليظهر على الساحة كتيار إسلامي ليبرالي، وتحول ضدهم مستندا على المنظمات الإسلامية الراديكالية الإرهابية.
لكن ذلك لا ينفي أن التحركات السياسية والدبلوماسية لشخصيات حكومة أتاتورك وخلفياتهم وارتباطاتهم كان متينا مع الحاخامات اليهود في إستانبول وخارجها، الذين كان لهم دور ما في إقناع بريطانيا وفرنسا، ودفع الإتحاد السوفيتي لدعم أتاتورك، وتراجع أمريكا مسبقا عن الأولى، والسكوت على الثانية، ويقال أن هذه العلاقة الخفية هي التي دفعت بأتاتورك ليشكل الوفد المفاوض مع بريطانيا وفرنسا في معاهدة لوزان من الحاخام ناحوم، حاخام إستانبول الأعلى مع عصمت إينونو ذو الأصول الكوردية.
خلفيات هذا الطرح إسلامي وليس سياسي، والتحليل قديم يعود إلى موقف السلطان عبد الحميد الرافض لطلب هرتزل الذي استطاع الاجتماع به، عن طريق الدبلوماسيين النمساويين وسفير بريطانيا لإستانبول، والذي كان يتضمن دفع ديون الإمبراطورية العثمانية والتي كانت تقدر بـ خمس مليون ليرة ذهبية، إلى جانب تقديم مثلها كهدية للسلطان ذاته، مقابل عدم منع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، بعدما كانوا يلاقون الويلات في معظم دول العالم.
فكما ذكرنا، رفضها السلطان عبد الحميد، ليس حبا بالعرب المسلمين، ولا بالفلسطينيين، بل لكسب العالم الإسلامي، ولئلا يخسر موارد فلسطين والدول المجاورة، كجزء من إمبراطوريته التي كانت في طور الانهيار والذي كانت لا تزال مصدر دخل مادي لخزانة الدولة العثمانية الغارقة في الديون، وروج في العالم الإسلامي على موقف السلطان ذاك أدى إلى دعمهم لحكومة الإتحاد والترقي في البداية ومن ثم لأتاتورك بعد نهوضه، ماديا وعسكريا، وساهموا في إقامة الجمهورية التركية، وإلغاء الخلافة العثمانية. علما أن خسارة بريطانيا العسكري في الدردنيل كان على خلفية الدعم الذي قدم لأتاتورك، في البعدين الداخلي والدولي، من قبل الإتحاد السوفيتي.
لا شك لعبت الحركة الصهيونية وقادتها (مثلما لعبت الحركة الوطنية -القومية التركية بقياد مصطفى كمال) دور رائعا في جمع شمل شعبهم، رغم التشتت بين دول العالم، وإنقاذ قسم كبير منهم من الأهوال التي تعرضوا لها، وتكوين دولتهم التاريخية، رغم ما كانوا ولازالوا يواجهونه من المعارضة الشرسة، في البعدين القومي والديني، من العالمين العربي والإسلامي، وتمكنوا من تجاوز الكوارث والمجازر، وهو ما لم يتمكن الشعب الكوردي من تحقيق جزء ولو بسيط مماثل له، فلم يكن لا الحراك الكوردي أو ما يمكن أن نسميه بالحراك، ولا الوعي العام للشعب الكوردي على سوية ما كان عليه الحراك ووعي الشعب اليهودي، لا شك هنا لا يمكن نسيان دور العامل الاقتصادي لدى اليهود والمعدم لدى الكورد، في مرحلة كانت الظروف الدولية أكثر من مناسبة لإقامة كوردستان الكبرى، وحيث الديمغرافية الكوردية الواسعة مقارنة بديمغرافية الشعوب المجاورة.
2- لماذا عقدت المعاهدة؟
1- لإلغاء بنود معاهدة سيفر قبل كل شيء، والتي كانت تتضمن الكثير من القضايا الإستراتيجية المؤدية إلى زوال الدولة ليست فقط العثمانية، بل والتركية أيضا. ووضع رسم جديد للجغرافية السياسية لتركيا القادمة، والتي كانت قد حصرت سابقاً في المناطق التي تتحدث التركية، وهي المحاطة بمنطقة أنقرة مع امتدادات نحو الشرق حيث المناطق الكوردية، وتقدر بأقل من ربع مساحة تركيا الحالية.
2- إلغاء كل المعاهدات والعقود والعلاقات الدولية، السياسية والدبلوماسية مع مخلفات الدولة العثمانية المتبقية أثارها في إستانبول، ووضع نهاية لكل ذلك بمجرد عقد معاهدة مع حكومة أنقرة، وكانت لوزان، وقد جاء إلغاء معظم المواثيق الدولية التي كانت قد فرضت على الدولة البائدة، بسيطاً أمام الاتفاق على إزالة الديون الهائلة التي كانت ترزخ تحتها الدولة العثمانية.
فالعثمانيون كانوا قد ابرموا مع الأوروبيين حتى عام 1879م نحو 18 قرضا بلغت قيمتهم الإجمالية 245 مليون ليرة عثمانية. فبموجب معاهدة سيفر لم تسقط ديون الدولة العثمانية، بل أستمرت مصلحة “إدارة الدين العام العثماني” بصلاحيات لتحصيل الأموال بطرق شتى من الدول التي كانت تحتلها سابقا وأصبحت تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي حتى عام 1924، وتدفعهم لشركات الدول المستدانة منهم. فحتى عقب القضاء على الدول العثمانية، ظلت “إدارة الدين العام العثماني” تستثمر الأموال من جغرافية الإمبراطورية، وهو ما سهل للجمهورية التركية الوليدة بتسديد الديون العثمانية، إلى أن أنعقد مؤتمر لوزان، وعدلت في البند، ووافقت الجمهورية التركية على دفع 62% من ديون الدولة العثمانية قبل عام 1912، و77% من ديون ما بعد 1912.
فعندما انعقدت الجلسة الأخيرة في 12/8/ 1922م لمجلس النواب العثماني في إستانبول، وقراءة برقية مصطفى كمال مدعيا أن الحكومة الشرعية هي في أنقرة وليست استانبول، انزعجت بريطانيا قبل الجميع، لأنها كانت تدرك أن احتلالها لإستانبول على المحك، ولن تفيد عمليات القبض على نشطاء الحركة الوطنية، والقوميين الأتراك، وأن محاولاتها في تشتيت الدولة العثمانية بالأساليب التي كانت ترغبه بدأت تفشل، خاصة بعدما بلغت عدد السفن الأمريكية المتواجدة في المياه التركية قرابة 20 سفينة لتطبيق منطق ودور ويلسون والذي كان يعارض الوجود البريطاني في استانبول، وضم منطقة أزمير إلى اليونانيين، وبعد سنوات ثلاث من الاستعمار البريطاني لاستانبول توضحت بأنها لن تتمكن من الحفاظ على السلطة العثمانية الضعيفة، حتى عندما نقلها من سلطة برلمانية إلى مطلقة بيد محمد السادس، والذي ألغي سلطانته فيما بعد، بعدما فرضت حكومة أنقره الحديثة عقد معاهدة لوزان، وحل الحكومة العثمانية بعدها بثلاثة أشهر فقط من بدأ المفاوضات أي في 21/11/1922م والتي أستمرت حتى 24/8/ 1923م، وبعدها بعشرة أسابيع غادرت القوات البريطانية إستانبول، وبعدهم بأسبوع غادرت السفن الأمريكية المياه التركية ومن بينها السفينة المسماة (USS Sc0rpion) الاستخباراتية التي كانت راسية في شاطئ استانبول.
قبل التوقيع على الاتفاقية أعلن مصطفى كمال وتحت أسم الحكومة الوطنية التركية في تأسيس جمهورية تركيا وذلك بتاريخ 29/10/1923م وأنتخب كأول رئيس للجمهورية، لتدرج الاتفاقية بين دولة ذات سيادة ومعترفة بها دوليا، أي أن تكون المعاهدة ذات صفة رسيمة تحت قوانين عصبة الأمم، مع إلغاء مطلق لحقوق جميع القوميات، وفي مقدمتهم القومية الكوردية، ودرجت من حينها كقضية داخلية، وأعتبر أي حديث فيه تدخل خارجي.
خسرت بريطانيا عندما ركزت على العامل الخارجي، وتخلت عن الداخلي أي القضايا القومية داخل تركيا الملية، العامل الذي ساعدتها على استعمار العراق وفلسطين والأردن وسوريا في البداية، وخسرتها نصف تركيا الحالية. تدخلها المباشر في الحكومة العثمانية واحتلال استانبول، وخلقها لقوى عربية في مواجهة الحكومة الوطنية التركية، ساعدتها على تقليص جغرافية تركيا الملية، لكنها أخطأت عندما لم تخلق وتحرك القوى الخام الكوردية المتواجدة ضمن تلك الجغرافية، والغريب أن بريطانيا وفرنسا بعد حدوث تغيرات في مسيرة مصالحهم في المنطقة، لم تقف على الحياد ما بين القضية الكوردية والدولة التركية أو حتى الإيرانية، بل حاربت بشكل ما الثورات الكوردية، فقد قمعت انتفاضة محمود البرزنجي عام 1919 في السليمانية، ولأول مرة في تاريخ المنطقة تم فيها استخدام الطيران، العملية التي كان لها تأثير سلبي كبير على الوجود البريطاني في كوردستان، ومثلها الوجود الفرنسي في غربي كوردستان، وهو ما خلق بيئة ملائمة لتنامي الحركة التركية القومية تحت الصيغة الوطنية والتي ادعت بأنها تتجه نحو تشكيل دولة تشمل الترك والكورد، فكانت لها التأثير الأعمق والأخطر من القوى التي تقع خارج جغرافية تركيا الملية على الإستراتيجية البريطانية وبشكل إيجابي على المسار التي كان يطمح إليه كمال أتاتورك، ومن ثم فرض شروطه في معاهدة لوزان، وسهلت له تشكيل فرق كاملة من الشعب الكوردي.
وبالمقابل فرضت المعاهدة على الدولة التركية في أنقره، بالتخلي عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، والجزيرة العربية، وتتنازل الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارا من تشرين الثاني عام 1922م، مع وضع مواد ضمن بنود الاتفاقية تشمل ما بين 37-44 حول حقوق الأقليات القومية والدينية وقد كانت شكلية ولم تطبق أي منها على أرض الواقع.
3- مجريات المعاهدة
جرت المفاوضات في فندق “بوريفاج بلاس” بمدينة لوزان جنوبي سويسرا، تم الاتفاق والتوقيع عليها في يوم 24 تموز عام 1923 بعد قرابة سنة من بدء العمل على المعاهدة والتي كانت في تشرينَ الثاني عامِ 1922م (7) وثلاثة أشهر من المفاوضات الجادة.
المعاهدة التي يُشارُ إليها أحياناً باسمِ «معاهدةِ لوزانَ الثانيةِ» Treaty of Lausanne)) مقابلَ معاهدةِ أوشي عامَ 1912م التي تُعرفُ بمعاهدة لوزانَ الأولى، وسُمّيتْ باسمِ مدينةِ لوزانَ في سويسرا حيثُ بدأت المفاوضات بينَ ترْكيا منْ جهةٍ بوفد تكون من (عصمت باشا، وزير الخارجية، نائب أدرنه؛ والدكتور رضا نور بك، وزير الصحة، نائب سينوب؛ وحسن بك، الوزير السابق، نائب طرابزون؛ عن حكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، وبريطانيا مثلها (السير هوراس جورج مونتاجو رامبولد، المفوض السامي في القسطنطينية) وفرنسا-الجمهوريةِ الثالثةِ (كانَ «ريمون بوانكاريه» رئيسَ وزرائِها وقتذاك) ، ومملكةِ إيطاليا (وكانَ بينيتُّو موسوليني قدْ وصلَ إلى السلطةِ عامَ 1922م)، واليونانِ بشكلٍ رئيسيٍّ ومعها بقيةُ دولِ الحلفاءِ يوغوسلافْيا ورومانْيا واليابانِ منْ جهةٍ أخرى.
تمت الاتفاقية ووقعت من قبل كل الأطراف، والتي بموجبها ألغيت جميع بنود معاهدةِ سيفرَ التي وقعتها الدولة العثمانية في العاشر من أغسطس 1920، تحت ضغط الحلفاء، والتي كانت من اللجنة متكونة من حكومة الداماد محمد فريد، أخر رئيس وزراء في عهد السلطان محمد السادس العثماني، في الوقت الذي كانت فيها الجيوش البريطانية والفرنسية واليونانية تسيطر على مختلف أرجاء الدولة العثمانية، وبضمنها العاصمة إسطنبول، المعاهدة التي أقرت بإقامة الدولةٍ الأرمنيةٍ المستقلّةٍ، وإقامة إقليمٍ كرديٍّ ذات حكم ذاتيِّ في شرقِ الأناضول حسب البنود الثلاث (62-63-64 من الفقرة الثالثة) لمدة محددة، يتم بعدها أجراء استفتاء فيم إذا كان الشعب الكوردي يريد الاستقلال عن الدولة التركية أو البقاء ضمن الدولة العثمانية.(8)
كما نوهنا سابقاً، أن اتفاقية لوزان لا تتضمن أي بند حول المدة الزمنية التي يجب الالتزام بها، فقضية مرور مئة عام عليها واحتمالية تغييرها أو تعديلها مجرد حديث له غايات سياسية وأي تعديل فيه سيستند على منطق القوة ومصالح الدول الكبرى. كما ولم يتطرق الطرفان إلى مسألة البحث والتنقيب عن النفط في الأراضي التركية، الشائعة التي يروج لها حاليا المطالبون بالعودة إلى الميثاق الملي، وفي مقدمتهم قادة حزب العدالة والتنمية.
كما وأنه لم يكن هناك أي شرط زمني على الاتفاقيات السابقة، كاتفاقية لندن وسيفر، التي تم إلغاؤهما كليا بعد ثلاث سنوات، وحصل كذلك لبعض بنود اتفاقية لوزان التي كانت تضر بمصالح تركيا كقضية المضائق، وذلك بعد تصاعد دورها ومكانتها في العالم، وتوسع علاقاتها مع الإتحاد السوفيتي، من خلال معاهدة مونترو عام 1936، والتي ألغت التعهدات بشكل تبادلي بين القوى الموقعة عليها حينذاك، وعلى أثره ظلت بنود المعاهدة الأخيرة مترسخة، ولم يحق لأية دولة أو منظمة إنسانية أو حقوقية دولية عالمية التطرق إليها بشكل رسمي، وعليه ضاعت أخر آمال الشعب الكوردي في إعادة بنود اتفاقية سيفر، خاصة بعدما انحصرت مصالح فرنسا وبريطانيا بعد اتفاقية أنقرة 1 و 2 في حدود الدول التي شكلتها في الشرق الأوسط، وخاصة سوريا والعراق.
لا شك إن القضية الكوردية جعلت المفاوضاتُ بين الجانبين في لوزان، غير سلسة كما كانت عليه أثناء معاهدة سيفر، وأدت إلى تعثرها عدةَ مراتٍ، فقد كانت تركيا الكمالية، بعكس الإمبراطورية العثمانية، تطالب بمساحات أوسع مما كانت تقدمه بريطانيا، مستندة على منطق انتصارها في إحدى أكبر معاركها مع الجيش البريطاني (9) التفوق الذي تم بسبب المساعدات التي قدمتها الإتحاد السوفيتي (10) بموجب الاتفاقية التي تعود إلى مرحلة ما قبل إعلان أماسيا عام 1919م عندما ألتقى مصطفى كمال بوفد السوفييت والذي كان بقيادة العقيد (سيميون بوديوني) المساعدات التي تم بدعم من لينين وتروتسكي، رغم رفض ستالين وسيرغي أوردجونيكيزه وطالبوا من الحكومة السوفيتية قطع المساعدات عام 1922م.
رغم الخلاف ضمن الحكومة السوفيتية، حصلت تركيا الكمالية على المساعدات طوال سنوات الحرب وحتى بعد انتهاء معاهدة لوزان، ففي أول دفعة أستلم الجيش التركي وبعد التشاور مع مفوض الحرب ليف كامينيف على مليون ليرة ذهبية و60 ألف بندقية و108 مدفع ميداني و12 مدفعية ثقيلة، واشترطوا على أن تظل سرية. تأخرت وصول المساعدات بسبب أنشطة نوري (كيليجيل) باي (الأخ غير الشقيق لأنور باشا في أذربيجان، إلا أن لجنة المساعدات شرعت بعملها في 2 يوليو 1919. وحمل الوفد 500 كيلوغرام من الذهب، وهي الدفعة الأولى من المساعدات (مقابل 125 ألف ليرة تركية) ورسالة كتبها تشيشيرين إلى مصطفى كمال.
ولمصطفى كمال مقولة مشهورة حول هذه المساعدات، قالها بعدما أصبح رئيس للجمهورية التركية: ” لولا دعم روسيا، لكان انتصار تركيا الجديدة… على الغزاة سيتحقق بخسائر لا تُضاهى، أو ربما لا تتحقق على الإطلاق. لقد أعطت روسيا مساعدات معنوية ومادية لتركيا، وسيكون نسيان أمتنا هذه المساعدة جريمة”
– الصورة هي لكمال أتاتورك مع الوفد السوفيتي في أفيون قره حصار خلال حرب الاستقلال. من اليسار إلى اليمين: رئيس أركان قيادة الجبهة الغربية عاصم قندوز وقائد الجبهة الغربية اللواء عصمت إينونو ومصطفى كمال وممثل روسيا السوفيتية زفوناريف وسفير روسيا السوفيتية سيميون أرالوف وممثل أذربيجان السوفياتية إبراهيم إيبيلوف وقائد الجيش الأول علي إحسان صباح يوم 31 آذار 1922م.
إلى جانب السوفييت حصل مصطفى كمال على بعض الدعم العسكري من إيطاليا لأنها اعتبرت احتلال اليونانيين لمنطقة إزمير تعد على مصالحها، أي على المناطق التي كانت تطمح باحتلالها، فتجاوزت حد المساعدات إلى المواجهة العسكرية مع اليونانيين إلى جانب الجيش التركي في جبهة كوش آداسي. أما فرنسا فقد كانت تحاول إضعاف بريطانيا للحصول على المزيد من الامتيازات في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى أثرها أنتصر الجيش التركي على اليونانيين وفيما بعد على بريطانيا، وتمكنت حكومة مصطفى كمال من فرض شروطها على نفس الدول التي أرغمت الإمبراطورية العثمانية التوقيع على معاهدة سيفر بدون قيود تذكر. واستنادا على تلك القوة رفضَ الوفدُ التركيُّ برئاسةِ عصمت إينونو (İsmet İnönü) رئيسِ أركانِ الجيشِ التركيِّ التوقيعَ على الاتفاقية، في الرابعِ من شباطَ عامِ 1923م بسبب الخلاف على موصل بشكل رئيس، ومقاطعات في غرب تركيا، وعلى أثرها غادرَ اللورد كرزون (Curzon) رئيسُ الوفدِ البريطانيِّ لوزانَ وبدا وكأن المفاوضاتِ انهارتْ. ومن ثم عادت اللجان ثانية إلى طاولة المفاوضات وتم الاتفاق والتوقيع على البنود، وأحيلت قضية الموصل إلى عصبة الأمم والتي شكلت لجان لحلها، فكانت لصالح العراق كدولة موحدة تحت الانتداب البريطاني، وبها تم إلغاء القضية الكوردستانية كليا.
4- نتائج المعاهدة
في الواقع كان الصراع في أوسع جوانبه، وبشكل أعمق سياسيا وإيديولوجيا، بين بريطانيا والإتحاد السوفيتي، والذي تصاعد بعد الحربِ العالمية حينها، فقد وجدت بريطانيا أن الدولة العثمانية التي كانت إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية، والتي تحولت إلى الدولة التركية العلمانية أصبحت تتحالف مع الإتحاد السوفيتي، وكانت تنظر إلى التمدد التركي توسع للبلشفية على حساب الإمبراطورية البريطانية، لذلك سعت، بعد انتصارهم في الحرب، على احتواءِ التهديدِ البلشفيِّ عبرَ استعمارها لمناطقِ الشرقِ الأدنى في العراقِ وإيرانَ ومناطق الإمبراطورية العثمانية، وحاولت تقليص جغرافيتها ونفوذها في المنطقة، وكانت تعني بشكل غير مباشر جغرافية ونفوذ البلشفية.
مع ذلك ورغم هذا التوجه، والذي كان وودر ويلسون برسمه لخريطة أرمينيا في معاهدة سيفر يساند بريطانيا بشكل ما ضد السوفييت، لم يتراجع الوفد التركي عن المطالبة بمنطقة الموصل، والمطالبة بإسكندرونة وغربي كوردستان، أي المنطقة الكوردية المحتلة من قبل سوريا والعراق حاليا “على أساسِ الوحدةِ العرقيّةِ بينَ الأتراكِ والأكرادِ، وأنَّ معظمَ تجارةِ المنطقةِ كانتْ معَ الأناضولِ، وأنَّ احتلالَ بريطانيا وفرنسا للمنطقتين الكورديتين، أي جنوب وغربي كوردستان، غيرُ شرعيٍّ ولا يحقِّ تقريرِ المصيرِ للمنطقةِ التي يريدَ سكانها أن يكونوا جزءاً من تركيا. فنَّدَ اللورد كرزون الادّعاءاتِ التركيّةَ بأنَّ غالبيةَ السكانِ كانوا من العربِ (وهمْ منَ أصلٍ ساميٍّ) والأكرادِ (وهمْ منَ أصلٍ آريٍّ) ومختلفين منْ حيثُ الأصولِ جوهريّاً عنِ الأتراكِ، وأنَّ معظمَ تجارةِ الموصلِ معَ العراقِ وليس معَ الأناضولِ، فالتجأت بريطانيا إلى عصبة الأمم، ليتم تكليفُ الحكومةِ البريطانية رسميّاً بالانتدابِ على العراقِ (11) وفرنسا على سوريا، وأثار اللورد كرزون قضية الثوراتُ الكرديّةُ في القرنِ التاسعَ عشرَ وقبلَ الحربِ على أنَّ الأكرادَ لا يؤيدون أن يكونوا جزءاً من تركيا”. (12)
قضت عصبةِ الأممِ والتي كانت تسيطر عليها الدول المنتصرة في الحرب، على أي يحقُّ لأيِّ طرفٍ تشكيل دولة خارج مصالحهم في المنطقةِ، وحاولوا إسقاطَ المطالبِ التركيّةِ وجعل الوجودَ البريطانيَّ والفرنسي في المنطقة انتداباً «شرعيّاً» تحتَ مظلةِ عصبةِ الأممِ. وعليه شكلوا الدول المعروفة الأن على الساحة الجغرافية، سوريا والعراق والأردن وفيما بعد إسرائيل ولبنان والسعودية وغيرها، وفي الواقع كان الإصرار البريطاني على قضية الموصل، أو وضع البنود الثلاث ضمن معاهدة سيفر، ليس دعما للكورد، بل استخدموها كأداة ضغط، والسبب كان على خلفية الأهميةِ الاستراتيجيّةِ المتعاظمةِ لمنطقةِ الموصلِ وحيث تزايدِ أهمية النفطِ سريعاً بعدَ الحربِ، وكانَ نفطُ الموصلِ تستخرجهُ «شركةُ نفطِ العراقِ» الإنجليزيةُ وهوَ ما تركَ أثراً كبيراً على مواقفِ كلا الطرفينِ، بالمقابل حصلت تركيا على قيمة رمزية تدفعها العراق لتركيا عن ولاية الموصل، كموافقة ضمنية على أنها ولاية تركية، الإشكالية التي يستند عليها أردوغان حاليا، بالتدخل في شمال العراق، ومحاولة فتح ملف المعاهدة في هذا الإطار.
صورة رؤساء الوفود المشاركة في مفاوضات لوزان، أثناء التوقيع على الاتفاقية.
الاتفاقية تضمنت 143 مادة موزعة على 17 وثيقة ما بين “اتفاقية” و”ميثاق” و”تصريح” و”ملحق” (13) جميعها كانت لصالح الوفد التركي، فإلى جانب إزالة اتفاقية سيفر بجميع بنودها ومن ضمنها المتعلقة بالقضية الكوردية والدولة الأرمينية، استعادت تركيا السيادة الكاملةِ على مضيقيْ البوسفورِ والدردنيلِ معَ حقّها غيرِ المقيّدِ بتحصينِ شواطئها. مقابل حصول بريطانيا على تثبيت المادةُ الأولى من اتفاقيةِ المضائقِ المؤرخةِ في 24 يوليو 1923 على حريّةِ العبورِ والملاحةِ عبرَ المضائقِ أثناءَ السلمِ والحربِ، وكذلك المادةُ الرابعةُ على أن شواطئَ البوسفورِ والدردنيلِ وكذلكَ الجزرُ المجاورةُ في بحريْ إيجة ومرمرةَ ستكونُ منزوعةَ السلاحِ، وفرضت على الدول الاعتراف بالمناطق التي طردت منها القوات اليونانية والإيطالية. الإشكالية التي يثيرها أردوغان طوال السنتين الماضيتين، على أن اليونان تقوم بوضع أسلحة في الجزر القريبة من الشواطئ التركية.
كما وأرستِ الاتفاقية فعليّاً سابقةً في القانونِ الدوليِّ تمثلتْ بحقِّ الحكوماتِ في إجلاء أعدادٍ كبيرةٍ من مواطنيها على أساسِ أنهم ينتمونَ لقومية دولة أخرى، وهو ما أدى إلى تهجير قرابة مليون يوناني على أساس قومي- ديني من غربي تركيا إلى اليونان. وقد كان للحدث أثر فظيع على التعدديّةَ الثقافيّةَ والعرقيّةَ والدينيّةَ في الدولة الواحدة، وقضي بها على منطق العيشِ المشتركِ بينهم، والتي تجلت بأبشع صورها في تعامل جميع الأنظمة التركية بدءً بالحكومة الكمالية، إلى اليوم، مع الشعب الكوردي، علما أن الإمبراطورية العثمانية، رغم تخلفها وكل مساوئها، كانت تتباهى نظريا تحت السمة الإسلامية، بعدم التمييز بين القوميات تحت صفة الأمة الإسلامية، لكنها عمليا كانت ترسخ العثمانية-التركية لغة وعرقا في كل بقاع الإمبراطورية، وكانت تحقر الشعوب الأخرى، وهي التي غرزت هذا المنطق في الذهن التركي، وقامت تركيا الكمالية بتغيير وجه القانون، لتدمج النظرية مع العمل، وبها تمكنت من الحفاظ على جغرافيتها شبه المندثرة، خاصة بعدما تنامت قوات مصطفى كمال العسكرية ودحرت القوات اليونانية التي كانت على أبواب احتلال أنقرة عاصمة مصطفى كمال، وذلك بعد حصوله على دعم عسكري – سياسي – دبلوماسي مباشر من الإتحاد السوفيتي كما ذكرنا سابقا، في الوقت الذي تأخرت وتقاعست فيها بريطانيا وفرنسا في تقديم المساعدات لليونانيين حسب ما تم عليه الاتفاق قبل الإنزال اليوناني على سواحل أزمير، وركزوا على ترسيخ وصيانة مصالحهما في المناطق التي استعمروها وخاصة في العراق وسوريا حتى قبل تحويلهما إلى دول ذات سيادة وجغرافيات مرسومة.
(الخريطة التالية تبين ما طالبت به الحكومة الكمالية في معاهدة لوزان).
وفي خضم هذه التراجعات والخسائر التي منيت بها دول الحلفاء أمام قوات مصطفى كمال، أزيلت القضية الكوردية من مجريات المفاوضات، ومن نصوص الاتفاقية ولم تطرح كقضية في حواراتهم السياسية والدبلوماسية، إلا بعدما طالب الوفد التركي بمنطقة الموصل، والتي كانت جزء من جنوب كوردستان، وأنتقل إلى سجال قوي بين عصمت إينونو واللورد كرزون، ضمن المؤتمر، والذي انتهى باتفاق بينهم، وتم على أثرها تقسيم كوردستان إلى أربعة أجزاء، وظهور دول من العدم، كسوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن، وغيرها.
الخلاف الذي جرى يعد من أحد أغرب الإشكاليات التي تخللت مفاوضات معاهدة لوزان، فما حصل بين رئيس الوفد البريطاني اللورد (كرزون) ورئيس الوفد التركي (عصمت إينونو، وكان برفقته كوردي أخر باسم تكرال زولفي بك، وللسبب الذي سنذكره) الذي طالب وبقوة، بشمال العراق المعروفة في السجلات العثمانية بولاية الموصل، وكانت جزء من جنوب كوردستان، مثلما طلب لا حقا في مؤتمري أنقره 1 و 2 من فرنسا التنازل عن شمال سوريا الحالية، أي غرب كوردستان، تحت صيغة الوحدة العرقية بين الكورد والترك، وأثناء إصراره على أنها جغرافية الشعب الكوردي، ذاكرا أن الكورد والأتراك شعب واحد. رد اللورد كرزون على ادعاءاته بقوة؛ مستندا على النظرية العرقية، وهي أن العرب في العراق من العرق السامي، والكورد من العرق الآري، والكورد مختلفون جوهريا ومن حيث الأصول العرقية عن الأتراك، ولا يربطكم بالكورد أية علاقة عرقية.
هذا الموقف أدى ببريطانيا، على ألا يسمح للكورد بالسيادة على مناطقهم المستعمرة من قبلهم، وجعلوهم تابعين للعراق السامي، خوفا من أن تتجه أنظار الكورد إلى إعادة العلاقة مع تركيا الكمالية على منطق الدولة العثمانية الإسلامية، وبالمقابل كان عصمت إينونو وهو من العرق الكوردي، يخشى من أن تحرك بريطانيا الزعماء الكورد بعد الاتفاقية، وتبدأ المشاكل مع الشعب الكوردي في تركيا القومية الحديثة، وتعود جغرافية تركيا المتشكلة إلى ما رسمته فرنسا وبريطانيا قبل معاهدة سيفر، أي حسب اتفاقية سايكس بيكو.
ولا نستبعد أن بريطانيا بعدما استقرت في العراق، والخروج من اتفاقية لوزان بخسارة منطقة شرق تراقيه وإستانبول، وشرق الأناضول، أعادت النظر في سياستها الخارجية في المنطقة ومع تركيا، فقامت بتحريك الثورات الكوردية المطالبة بإقامة الدولة الكوردية على أمل اقتطاع جغرافية كوردستان عن تركيا الحالية، التي أقرتها مؤتمر سيفر في عام 1920م، لكنها فشلت لعدة أسباب، منها القوة التي أصبحت عليها تركيا والعلاقات المتينة بينها وبين الإتحاد السوفيتي، إلى جانب أن تركيا كدولة بجغرافيتها الحديثة أصبحت تدرج ضمن المعاهدات الدولية، وأي تحريك للكورد درج كتدخل خارجي. مع ذلك كانت للشخصيات السياسية والعسكرية السرية البريطانية رحلات متواصلة إلى المناطق الكوردية، أمثال اللوردة (غيرترود بيل) التي رسمت خريطة العراق الحالية، وسميت بصانعة الملوك، بعدما وضعت الملك فيصل على حكم العراق.
صورة اللوردة بيل غيرترود البريطانية، صانعة العراق
و (الميجر سون) الذي كثيرا ما زار آمد، رغم أنه كان يكن الحب والتقدير للعنصر العربي واللغة العربية إلى درجة إتقانه لها، وهو من الذين كانوا ضد فصل ولاية الموصل، وإقامة دولة كوردستان منفصلة عن العراق، وهو من اقنع القنصل البريطاني (بيرسي كوكس) بقصف السليمانية عندما رفض الملك محمود البرزنجي شروطه بضم منطقة كوردستان إلى العراق.
صورة الميجر سون
وبالمقابل كانت تركيا وراء الثورات التي كانت ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي في كل من العراق وسوريا، لإعادة المناطق الكوردستانية في الدول المتشكلة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية إلى حضن تركيا الحالية، وممثلهم في الصراع مع فرنسا ما بين الفرات والدجلة كان (إسماعيل حقي قندوز) والتي فرضت على الدول المنعقدة ضمن لوزان الاعتراف بها.
تنازلت تلك الدول لتركيا الكمالية، ما يقارب ثلاثة أرباع المساحة الحالية، بعدما حصرت أراضي الدولة العثمانية في معاهدة سيفر، ضمن مساحة لا تزيد عن ربع المساحة الحالية، وهي كانت في وسط جغرافية تركيا الحالية، محاطة بأنقرة.
وبالمقابل لم يحصل الكورد في معاهدة سيفر إلا على جزء بسيط من كوردستان، أو المساحة التي كانت عليها الديمغرافية الكوردية تشكل الأغلبية الساحقة، خاصة في المناطق التي تشكلت منها العراق وسوريا وإيران الحالية، وقد كانت حينها الإمبراطورية أو الدولة القجارية والتي كانت بريطانيا في حالة التمدد فيها، وكانت في حالة انهيار مماثل للإمبراطورية العثمانية، مع ذلك لم تأخذ بريطانيا وفرنسا بعين الاعتبار الديمغرافية الكوردية، ولم يحركوا القضية الكوردية إلا عندما تطلبت مصالحهم في بدايات استعمارهم للمنطقة.
سياسة التتريك ضد الأقليات العرقية، بعد معاهدة لوزان، وتشكيل الدولة التركية القومية، شملت الجميع. قامت بتغيير أسماء الأماكن من اللغات اليونانية، والأرمنية، والكردية، والزازكية، والعربية، والسريانية، واليزيدية، واللازية، والجورجية إلى اللغة التركية (مثل القسطنطينية أصبحت إسطنبول، سميرنا أصبحت إزمير، وأنغورا أصبحت أنقرة، ومثلهم جميع المدن والقرى الكوردية ومناطقهم، تم تسميتها باللغة التركية.
والسبب الرئيس في هذا التمادي، أو الإهمال المتقصد، عدم وجود قوة أو حراك كوردي في الداخل، وغياب التمثيل السياسي أو دبلوماسي باسم الكورد، والموجود كان أضعف من أن يتمكن تحريك مجريات الأحداث، علما أن العديد من الشخصيات الذين كانوا يتم التعامل معهم كممثلين عن تركيا والعراق وسوريا، كانوا ذو أصول كوردية، لكنهم كانوا يمثلون قوميات غير قوميتهم. والحركات الكوردية التي كانت في إستانبول حينها والتي كان يترأسها عدد من الشخصيات الكوردية أمثال آل بدرخان، وأبن عبيد الله النهري، ومجموعة من المثقفين الكورد الذي كانوا يدرسون في إستانبول، ومع غياب شريف باشا الذي حاول تمثيل الكورد في مؤتمر سيفر، كانوا من البعد السياسية والدبلوماسي والاقتصادي أضعف من أن يتمكنوا من القيام بعمل على المستويين الداخلي أو الدولي الخارجي، كما وأن البنية الثقافية والاجتماعية للعشائر والشعب الكوردي عامة شبه معدم التأثير على الساحة السياسية قبل وأثناء مجريات المفاوضات في لوزان.
جزء من خريطة الإمبراطورية العثمانية التي كانت قد قسمت بين الدول الكبرى، حسب اتفاقية سيفر، والتي أعيدت رسمها بعد معاهدة لوزان. (14)
(15)
5- انعكاسات المعاهدة على سياسة تركيا الحالية
بعدما نهوض تركيا ونفاذها من التدهور الاقتصادي الخانق، وتحسن سعر صرف ليرتها، بمساعدة الشركات الرأسمالية العالمية عن طريق ضخ سيولة مالية سنوية؛ وبالعملة الصعبة منذ 2006 وحتى قبل عام 2016م، قدرت بضعفي ميزانية تركيا، وتجاوزت في بعض السنوات 450 مليار دولار، على أمل استخدام تركيا الإسلامية الليبرالية من خلال ظهور أردوغان احتكار السوقين الإسلامي والعربي، إلى جانب قضايا سياسية وإستراتيجية عالمية. وعلى أثر هذا النهوض أصبح يطمح في توسيع تركيا الحالية، بدأها بمعارضته بنود اتفاقية لوزان، وبأكثر من مرة على الإعلام، إلى درجة أنه دفع ببعض كتاب حزبه بإعادة النظر في بنود الاتفاقية على أنها ملغية بعد مرور مئة عام عليها، كما وقام بعد القضاء على الدولة العميقة بتحريك بعض الكتاب والإعلاميين الغلاة من الترك بتخوين كمال أتاتورك وحكومته والوفد الذي وقع على وثيقة اتفاقية لوزان، مطالبا بجغرافية تركيا الملية والتي تضم ولاية الموصل وشمال سوريا.
فقد قال في إحدى تصريحاته أمام تجمع ضم مسؤولين محليين في أنقرة.: ” لقد ضُغط علينا كي نقبل بتلك المعاهدة، لقد سلّمنا جُزرًا قريبة منا إلى حد أننا لو نادينا على سُكانها من أراضينا لسمعونا، والعجيب أنها صوّرت على أنها انتصار للجمهورية التركية”
كما وأضاف أن “الجزر التي تنازلت عنها تركيا أقرب لأراضيها من أراضي اليونان”
وطالب بالعودة إلى ما بعد معاهدة سيفر، أي إلى مطالب الميثاق الملي، قائلاً:
“لقد هددونا بمعاهدة سيفر، وأقنعونا بقبول لوزان!” وتابع بغضب “نحن لا زلنا نناضل من أجل الاتفاق على حدودنا البحرية، وحتى مجالنا الجوي وأراضينا، ذلك لأن من مثلوا تركيا في لوزان ظلمونا، ونحن نحصد ما فعلوه الآن”
كما وهاجم أردوغان عصمت إينونو الذي ترأس الوفد الموقع على اتفاقية لوزان، ومؤسس الجمهورية والذي قاد حزب الشعب الجمهوري بعد وفاة أتاتورك، والذي عزز من بطولاته عبر سيطرته على الإعلام والإذاعة في تركيا خلال معظم فترة حكمه التي بلغت 12 عاما. رغم أنه عمل على إزالة أتاتورك من الساحة الفكرية لتركيا، ومنها بوضع صورته على النقود بدلا من أتاتورك، وأعلن نفسه خلال اجتماع لحزب الشعب الجمهوري بأنه “هو الرجل الحكيم الأوحد في تركيا القادر على إدارة البلاد ومصالحها” حسبما يورد الباحث في التاريخ السياسي أوزغور إيتشيمان.
لذلك لم يكن من المستغرب أن يكون أول التعليقات الناقدة لتصريحات الرئيس التركي صادرةً من قادة حزب الشعب الجمهوري، وتحديدا من حفيدة عصمت إينونو القيادية في الحزب ذاته، والنائبة البرلمانية عن أنقرة، جولسون بيلجيهان.
في الواقع أردوغان صورة عن أتاتورك، لذلك عندما يتبجح بأنه مزق معاهدة سيفر، يحاول أن يبرز اتفاقية لوزان على أنها منتهية الصلاحية، وأنه هناك اتفاقيات عقدت خلف الكواليس، وتركيا لا تزال ملتزمة بها، تسمح له باحتلال شمال سوريا والعراق وبعض الجزر اليونانية والتمدد في المياه الدولية والتي على أثرها ذكر بأن مياه تركيا توصلها إلى المياه الإقليمية الليبية، وقام بالتغطية عليها بالدعاية الإعلامية وخلق مجموعات مرتزقة في المناطق التي بنى فيها القواعد العسكرية التركية.
ولا يستبعد أنه هناك علاقات على المستويات الماسونية العالمية بين أردوغان وترمب وبوتين، وهو ما يطلب منه التشديد بين حين وأخر على علاقاته بهم، رغم تعارض مصالح أمريكا الإستراتيجية مع التوجهات التركية في ظل الحكم الإسلامي الأردوغاني.
ولربما لم تخطأ الماسونية العالمية في تاريخها مثلما أخطأت في دعمها لأتاتورك، وأردوغان، وقد دفعت الكثير على خلفيتها، وتأذت شعوب عدة منها وفي مقدمتهم الشعبين الكوردي واليهودي، سابقاً من الدولة التركية الكمالية، واليوم من الحكومة الأردوغانية، والذي لا يقل خطرا على الدولة الإسرائيلية من حكومة أئمة ولاية الفقيه في إيران، بدءً من عرقلة التطبيع وفتح العلاقات الإسرائيلية مع دول الجوار العربي والإسلامي، إلى محاولة الطعن في ديمقراطيتها بوضع اللوم على كل ما يحدث للشعب الفلسطيني وحركاتهم على دولة إسرائيل، وهي تهمة لا تختلف عن عملية تبريره لجرائمه وجرائم الحكومات التركية السابقة بحق الشعب الكوردي بإلقاء اللوم على حزب العمال الكوردستاني.
6- هل ستستمر تركيا على استحقاقات المعاهدة بعد مرور مئة عام عليها؟
لا تتمكن تركيا من البحث في بنود الاتفاقيتين سيفر ولوزان، مثلما لا تملك أية دولة أو قومية شروط قانونية بإحيائها أو إعادة النظر فيها، فبنودها لم تتضمن بند التجديد أو تحديد الزمن، وبالتالي فما تم الاتفاق عليه سيظل كما رسخ طوال القرن الماضي، من رسم للحدود والقوانين المتعلقة بالممرات المائية، أما التعامل مع حقوق القومية الكوردية، فهي تتعلق ليس بالبنود الثمانية ضمن الاتفاقية، بل بمدى قناعة الحكومات والأحزاب التركية بأهمية الاعتراف بالكورد كقومية ثانية، والتي تتغير ببطء فظيع، لا يرقى إلى مستوى احتمالية تكوين دولة حضارية ديمقراطية، وبالتالي ستظل تركيا مهددة بالانقسام بشكل مستمر.
وما تطرق إليه أردوغان في بعض تصريحاته، حول الغبن الذي تم في معاهدة لوزان، أستند على مصدر القوة العسكرية التي يتعامل بها مع القوى الإقليمية، وما يقابله من الصمت الدولي حولها وخاصة من قبل الدول التي عقدت الاتفاقية، والتي بعضها ليست بمستوى الرد، وبريطانيا وفرنسا لا تجد في تجاوزاتها أي تعرض لمصالحها، باستثناء الحراك الكوردي والأرمني اللذان يثيرانها من وجهة نظر مغايرة لطموحات تركيا القومية.
من أحد أهم أسباب الصراع على الشرق الأوسط، والتي تسبق الصراع الديني والإستراتيجي السياسي، ما بين الإمبراطوريات التي تطمح إلى الهيمنة، هو العامل الاقتصادي والذي في مقدمته السيطرة على مراكز النفط. ولم يكن خافيًا هذا العامل، الذي دفعت ببريطانيا وفرنسا على طرد الإمبراطورية العثمانية من المناطق الغنية بها، خاصة بعد خسارة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، الدولتين اللتين يفتقران إلى مصادر الطاقة، وهو ما دفع بحكومة أردوغان وبعد الفترة التاريخية الممتدة ما بين توقيع معاهدة لوزان وحتى عام 2003، تاريخ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا، وهي مئة عام من الزمن والتي كانت فيها بعيدة تمامًا عن دائرة التأثير في صنع الأحداث في الشرق الأوسط، إلا تلك الأدوار التي كانت تلعبها ضمن الناتو، ومحاولة السيطرة على بعض مناطق النفط، وقد كانت كوردستان من أحد أهم الجغرافيات التي طمح إليها أردوغان، ليس من خلال اتفاقية أظنه مع سوريا أو مماثلها مع حكومات العراق السابقة، بل وبدون أن تنوه إليه تستند على نص الاتفاقية التي عقدتها حكومة ألمانيا أثناء بناء خطوط السكة الحديدية، ومنها الخط ا الشهير: برلين-بغداد، المار من غربي كوردستان والموصل، مقابل أن تحصل ألمانيا على حقوق التنقيب في الثروات النفطية والمعدنية بمسافة 20 كيلومترًا على جانبي السكة، وبعد خسارة ألمانيا عملت الحكومة العثمانية ومن ثم التركية الحالية بالحصول على ورثة الاتفاقية.
فالحركة الوطنية التركية، والتي شكلت تركيا الحديثة على رأسها كمال أتاتورك، كانت كل طموحها الحصول على الاعتراف الدولي، كدولة ذات سيادة وبجغرافية متفقة عليها، وقد كان هذا المطلب من أول الشروط التي سبقت المفاوضات مع دول الحلفاء في معاهدة لوزان. واليوم حكومة العدالة والتنمية وبعدما دخلت حلقة دول العشرين الأولى اقتصاديا في العالم، وبفضل ما ذكرناه، تطمح للتوسع في العالم الإقليمي المحيط بها، ولأنها دون الدول الكبرى قوة اقتصادية وصناعية، ومعظم علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإقليمية تنحصر في:
1- عقود بعض شركاتها ومعظمها في مجال العقارات.
2- استخدام جغرافيتها لمرور أنابيب الطاقة من الغاز الروسي إلى أوروبا، ومن النفط الإقليم الفيدرالي الكوردستاني إلى البحر الأبيض المتوسط.
3- مع طفرة ثانوية في عالم الطيران بدون طيار علما أن الأخيرة هي تكنولوجيا إسرائيلية تم تطويرها.
لذلك تتجه نحو استخدام القوة العسكرية مع الدول الإقليمية التي تعاني من ويلات الحروب طول العقد الماضي، مثل العراق وسوريا وأرمينيا، وليبيا، علما أنها تستند على مجموعات من المرتزقة، لذلك فتركيا الحالية هي ذاتها التي كانت بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، أي بعد معاهدة لوزان، وسماتها ليست بتلك الصلابة على أنها ستتمكن من الاستمرار في فرض الهيمنة، خاصة وأن العامل الإسلامي الذي أراد أردوغان استخدامه تعرت من خلال مساعداته الواضحة للمنظمات التكفيرية والإرهابية.
والأهم هي أنها ورغم التطور الحضاري، لا تزال تصر على هيمنة القومية الواحدة على الدولة المتكونة من عدة قوميات، والتركية لا تمثل أكثر من ربعها، واللغة الواحدة علما أنها من اللغات التي لا يمكن أن تحتضن عدة ثقافات، وبالتالي يتم التركيز على نشر الثقافة الواحدة، والتي لم تنجح رغم أن إمبراطوريتها حكمت قرابة ستة قرون مع ذلك زالت ثقافتها ولغتها من مستعمراتها مع زوالها، وهي حتى اليوم تظل رافضة التفتح على القوميات والأديان الأخرى ضمن الجغرافية التركية، وخاصة الكوردية، والتي تتجاوز ربع سكان تركيا، وهي من أقدم الشعوب وصاحبة ثقافة عريقة في تاريخ المنطقة، فأي انفتاح حضاري، وتكوين دولة ديمقراطية بنظام فيدرالي، ستخلق أهم عامل للتطور وازدهار تركيا عامة.
لكن لا يستبعد أن أردوغان بمنهجية نقده لمعاهدة لوزان يريد الاستمرار في إلغاء المواد الثمانية من بنود اتفاقية لوزان والتي تبحث عن حقوق القوميات والأقليات العرقية والدينية، والتي لم يتم تداولها والبحث فيها ولم يطبق أي منها منذ التوقيع على الاتفاقية وحتى اليوم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
آذار/2023م
ملاحظات وهوامش والمصادر:
1- شكل الجيش التركي في أغسطس 1922، 23 فرقة مشاة و6 فرق سلاح فرسان. ما يعادل 24 فرقة مشاة و7 فرق سلاح فرسان، إذا أُضيف إليها 3 أفواج مشاة و5 أفواج حدودية صغيرة الحجم ولواء سلاح فرسان و3 أفواج فرسان (إجمالي 271403 رجلًا). توزعت القوات في الأناضول على النحو التالي: الجبهة الشرقية:[13] فرقتا مشاة وفرقة سلاح الفرسان، ومناطق محصنة في أرضروم وقارص و 5 أفواج حدودية (29514 رجلاً)؛ جبهة الجزيرة (جنوب شرق الأناضول، والمنطقة الشرقية لنهر الفرات): فرقة مشاة واحدة وفوجان من سلاح الفرسان (10447 رجلاً)؛ منطقة الجيش المركزي: فرقة مشاة ولواء سلاح فرسان (10000 رجل)؛ قيادة أضنة: كتيبتان (500 رجل)؛ منطقة غازي عنتاب: فوج مشاة واحد وفوج سلاح فرسان (1000 رجل)؛ وحدات ومؤسسات المنطقة الداخلية: 12000 رجل؛ الجبهة الغربية: 18 فرقة مشاة و 5 فرق سلاح فرسان، إذا أضيف لها اللواء والأفواج المستقلة، 19 فرقة مشاة و 5.5 فرقة فرسان (207942 رجلاً).
2- ويكيبيديا الموسوعة الحرة (حرب الاستقلال التركية).
3- أنظر كتاب قادر مصر أوغلو (1933-2019) (معاهدة لوزان انتصار أم خدمة؟!) أحد المؤرخين العنصريين العثمانيين الإسلاميين، الذي هاجم أتاتورك، وأتهمه بالخيانة، لأنه تنازل عن أراضي الإمبراطورية العثمانية في معاهدة لوزان. اعتقل وسجن لمرات عدة، وسحبت منه الجنسية التركية وتم طرده من تركيا من قبل حكومة كنعان أيفرين، أعيدت له من قبل أردوغان، على خلفية هجومه الحاد على فتح الله غولن، متهما إياه بأنه مسيحي أرمني وأحيانا بأنه من يهود الدونمة. يمكن الاستزادة بالاستماع إلى الفيديو التالي: https://www.youtube.com/watch?v=Ey6gH4o_2YA
4- راجع مذكراته الجزء الثاني الصفحة (525).
5- كتابه (طبائع الاستبداد) كان نقد مباشر على أسلوب الإمبراطورية العثمانية في إدارة الدول والشعوب، وعلى أثرها هاجر إلى مصر وعاش هناك، مثل العديد من الكتاب والإعلاميين الذين كانوا ضد السلطة العثمانية، ويقال أن السلطان عبد الحميد قتله بدس السم له توفي ولا يزال في الخمسينات من العمر. أنظر مذكرات محمد كرد علي الجزء الثاني الصفحات (610-612).
6- https://jusmundi.com/en/document/treaty/en-treaty-of-peace-treaty-of-lausanne-1923-treaty-of-peace-treaty-of-lausanne-tuesday-24th-july-1923 يقال أنه تم كتابة بند سري حول مدة الاتفاقية والتي حددت بمئة سنة لم يعلن عنه، ولم ينشر لا حقا.
7- … https://wwi.lib.byu.edu/index.php/Treaty_of_LausanneKويكيبيديا- عن معاهدة لوزان….. https://ecf.org.il/issues/issue/1094
8- ورد في بنود معاهدة سيفر: أنه من حق سكان إقليم كردستان إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم الذي يضم ولاية الموصل وفقا للبنود 62-64 من الفقرة الثالثة. إلا أنه لم يكن هناك اتفاق عام بين الأكراد على شكل الحدود بسبب التفاوت بين مناطق سكن الأكراد وحدود المنطقة السياسية والإدارية. وعليه قدم شريف باشا العضو في جمعية صعود كردستان (Kürdistan Teali Cemiyeti) اقتراحا في مؤتمر باريس للسلام 1919 بخطوط عريضة لكيان كردستان وأوضح فيها حدود المنطقة على النحو التالي:
“تبدأ حدود كردستان حسب وجهة النظر العرقية إلى الشمال من زيفان على حدود القوقاز ثم تتجه غربا إلى أرضروم وأرزينجان وكيماخ وأربغير وبسني ودفريقي، ثم جنوبا حيث يتبع خط حران جبل سنجار وتل الأصفر وأربيل والسليمانية ثم سنانداج. وشرقا رافاندز وباشقلعة ووزيرقلعة، وما يسمى بالحدود الفارسية حتى جبل أرارات.”
أنظر:
https://www.oxfordreference.com/display/10.1093/oi/authority.20110803100457377;jsessionid=
2EE98CB0828568AA385AAC3FF9975410
وأرشيف جامعة برمنغهام:
https://wwi.lib.byu.edu/index.php/Peace_Treaty_of_S%C3%A8vres
9- يذكر أن الجيش البريطاني الذي ترأسها تشارلز هارنجتون، انسحب من أمام قوات كمال أتاتورك في الأناضول، من غير قتال، وأخلت له مواقعها، وفتحت له الطريق لدحر القوات اليونانية فيما بعد، علما أنها كانت حليفتها، ليشتهر أتاتورك بين الجيش العثماني ويحقق ما تم الاتفاق عليه بينهم في تحوير المسار التركي الإسلامي!؟
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7
%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%
D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9_
(1919%E2%80%931922)
https://www.history.com/topics/middle-east/kemal-ataturk
10- للمزيد يمكن الاطلاع على كتاب، ستانفورد جاي شو، Ezel Kural Shaw. History of the Ottoman Empire and Modern Turkey
11- ويكيبيديا، معاهدة لوزان.
12- شكلت دائرة تقصى الحقائق الدولية، التابعة لعصبة الأمم، لجنة وأرسلتها إلى الموصل في 27 كانون الثاني 1925، قامت بمسح ميداني في المنطقة، وتقصت أراء السكان حول مستقبل منطقتهم. وفي 19 آذار 1925 أنهت اللجنة أعمالها، وعادت إلى جنيف، مقر عصبة الأمم، وقدمت تقريرها في 16 تموز 1925 أوصت فيه بعدم تقسيم الولاية عن العراق التي كانت تشمل محافظات نينوى وأربيل ودهوك والسليمانية وكركوك، أي جنوب كوردستان.
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9_
%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B5%D9%84#cite_note-simon-5
13- https://jusmundi.com/en/document/treaty/en-treaty-of-peace-treaty-of-lausanne-
1923-treaty-of-peace-treaty-of-lausanne-tuesday-24th-july-1923
14- تحديد جغرافية الدولة العثمانية، وما فصل عنها في معاهدة سيفر، والتي لم تنفذ، وعدلت في معاهدة لوزان.
التاريخ والدول في عام:
1914 مساحة الدولة العثمانية كانت 1,589,540 كيلومتر (987,690 ميل)
حسب معاهدة سيفر 1918م قسمت إلى:
453,000 كـم2 (174,900 ميل2) الدولة العثمانية
160,000 كـم2 (60,000 ميل2) أرمينيا الويلسونية. سميت بالويلسونية على اسم رئيس أمريكا حينها وودرو ويلسون الذي طلب في تلك المعاهدة بإعطاء أرمينيا مساحة كبيرة من الأراضي العثمانية من ضمنها أراض ليس فيها غالبية أرمنية مثل ميناء طرابزون على البحر الأسود. عارضها الكونغرس.
60,000 ميل2 (160,000 كـم2) وسكانها عددهم حوالي 3,000,000. سوريا الكبرى. أي ربع مساحتها الحالية. ثبّت الفرنسيون انتدابهم على لبنان وسوريا في مؤتمر سان ريمو، حيث ضمت المنطقة الواقعة بين نهر الفرات والصحراء السورية شرقا والبحر المتوسط غربا وتمتد إلى حوران جنوبا.
370,000 كـم2 (143,000 ميل2) بلاد الرافدين. العراق أكثر بقليل من نصف مساحتها الحالية، فصلت عنها جنوب كوردستان.
260,000 كـم2 (100,000 ميل2) الحجاز، منطقة أل عبد العزيز، السعودية الحالية.
91,000 كـم2 (35,000 ميل2) عسير منطقة حائل، منطقة عشائر الشمر والطي الذي هاجروا بعد خسارتهم أمام آل سعود إلى الجزيرة أي غربي كوردستان، ومنطقة الأنبار وبادية الشام.
190,000 كـم2 (75,000 ميل2) اليمن.
15- تسببت هذه الخريطة بنشوب خلافات بين الشخصيات الكوردية وممثلي القنصليات البريطانية والفرنسية، لأنها استبعدت منطقة وان (ربما كانت مجاملة لمطالب الأرمن بتلك المنطقة). وقد اقترح أمين علي بدرخان خارطة بديلة تضمنت منطقة وان ومنفذا إلى البحر عبر مقاطعة هاتاي (أو الإسكندرونة). ووسط إعلان مشترك للوفدين الكوردي والأرمني إلى مؤتمر السلام في باريس-فرساي، فقد أسقطت مطالب الكورد لولاية أرضروم وساسون، مع استمرار النقاشات حول سيادة الكورد على أغري وموش. الخريطة التي استبدلت بخريطة تركيا الملية، وفيما بعد بما هي عليها تركيا الحالية، أي تراجعت الجغرافية الكوردستانية مع السنوات رغم الاعتراض على الأولى.
يمكن الاطلاع على رسالة الجنرال عصمت شريف باشا يقال أنه كان عضواً في جمعية صعود كُردستان، ممثل الكورد إلى مؤتمر السلام في باريس، المرسلة إلى رئيس وزراء فرنسا حينها السيد جورج كليمنصو بتاريخ 20 تشرين الثاني 1919م، ورسمه النظري لخريطة كوردستان.