د. محمود عباس
لا خلاف على، ما تتباهى به الإدارة الذاتية، وحزب العمال الكوردستاني؛ والتابعة له من بينهم الـ ب ي د، أنها حررت المرأة في المحيط المهيمن عليه، وأعطتها البعض من حقها، من حرية الكلمة والرأي إلى الجرأة في اتخاذ الموقف، وغيرت في المصطلحات المتخلفة الدارجة والمفاهيم العنصرية بحق المرأة في المجتمع وضمن الأسرة، ويتم العمل على التغيير من سيادة الرجل عليها.
لكن بالمقابل تتناسى هذه القوى السياسية، أو أنها تجهل، إن المجتمع أصبح يعاد تركيبته بالسيادة الذكورية ذاتها لكن بأوجه وأساليب مختلفة، ولا ترى، كيف أنها تفكك العائلة، إلى جانب تجريد المرأة من سماتها الأنثوية، التي تملكهم بالفطرة أو بالجينات البشرية، وهي نزعتها إلى التجميل والأناقة، وتحسين هيئتها ومظهرها عن طريق اللباس وغيرها، لتفتخر بذاتها وتتباهى بشكلها،
وكثيرا ما تدعم قوة شخصيتها، للسيادة الناعمة، وإدارة العائلة بذهنيتها الأنثوية والتي لا قيمة للمنهجية الذكورية دونها، وتفرض حضورها في المحافل وعلى الرجل، نتحدث بشكل خاص عن اللواتي دخلن الحقول السياسية والدبلوماسية والاجتماعية، فالمقاتلات المدافعات عن القضية والوطن؛ أي وأينما كنا، لهن ظروفهن بأية هيئة تظهرن، ستظلن رموز مقدسة.
الأناقة بكل أنواعها، وحسن المظهر، سمات تورث منذ القرون، تحسينها تعزز مكانتها بين المجتمع وضمن العائلة، وتزيد من صفاء الفكر لديها، وتقوي الثقة بالذات، وجرأة المواجهة، مواجهة العامة أو في الحوارات والحفلات وغيرها، لذا يجب أن تحافظ عليها وتطورها، والاهتمام بها ليست ناقصة. فالمفاهيم النابعة من نظرية الرجل المدعي بالثورية حول المرأة، ومحاولته إعادة تركيبة المجتمع حسب ذهنيته، مع تغييبه أحكام المرأة على ذاتها، وتقييمها لما يجب أن تكون عليه استبداد ذكوري. فالرجل بمثالياته الطوباوية يجرد المرأة من جمالياتها وأنوثتها والتي لن تعوض بما أعطي لها من الحرية الفكرية أو الحقوق في المجتمع.
عندما تمكنت المرأة من الحصول على حقوقها في الدول الحضارية لم تخسر تبرجها، ولا جماليات أنوثتها، ولا حبها للتزيين، واللباس الأنثوي، ولا القدرة على التنسيق بين التمتع بحقوقها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والخروج بكامل أناقتها ورونقها إلى الشارع وظهورها في الصالات وبين المجتمع، بل طورت كل هذه الجماليات، وأرضخت الرجل على قبول ذلك، إلى درجة أصبح الرجل يبدع في معظم الشركات الراعية لجماليات المرأة أكثر من المرأة ذاتها.
فالنعومة، والتجميل، والأناقة في اللباس والشعر والتعامل مع الأخرين، وغيرها من السمات التي تميز الأنوثة عن الذكورة، صفات حضارية إيجابية في البعد الإنساني، وهي القوة الناعمة؛ ويجب أن تتطور وترقى، لا أن تلغى وتحل مكانها الخشونة، والرجولية، والفوضى في الألبسة وإهمال جماليات الوجه والشكل العام، فكل هذه الشروط نابعة من مدارك الرجل السياسي، دون أن يدرك أن أحكامه على هذه المقاييس خاطئة بحق المرأة بل مشوهة، حتى ولو كان يخفيها وراء مفاهيم الثورة على المجتمع المتخلف، والذي ربما لا يدرك أن الثورة الحقيقية هي في التكامل ما بين الفكر والجمال، ما بين التراكم المعرفي مع تحسين الشكل والمظهر.
فما يجري هي أحكام خاطئة ترضخ له المرأة طواعية أو رهبة، إلى درجة أصبحت تقتنع على أن الاهتمام بجمالها ناقصة، والتبرج طعن في مفاهيم الثورة، وفي الواقع لا علاقة للمرأة بما يجري، ولا يمكن أن تحكم امرأة بمثلها، فلا توجد إنسانة إلا ما ندر ترفض الجمال، في الشكل والمظهر، في تجميل الوجه والشعر واللباس، ونعومة الحديث، والتي في تكامل هذه الصفات تكمن القوة وليس الضعف، وما يدرج هي رؤية ذكورية رسخت في ذهنية المجتمع التابع للحزب أو أحزاب الإدارة الذاتية على أنها النموذج الأفضل للمرأة المتحررة.
ومن الغرابة أن ذهنية الرجل في هذا المجال تتشعب وتختلف ما بين الأديان والإيديولوجيات، فالمسلمون التكفيريون قضوا على المرأة كليا إلا ضمن النطاق الذي يريده الرجل. والثوريون اقنعوها على أن حريتها تتعارض مع جماليات الشكل والمظهر. وغيرهم من المجتمعات التي يفرض فيها الرجل أحكامه أو يقنع المرأة بما يؤمن به أو يفرضها عليها.
والأغرب الثقافة المتناقضة بين أجزاء كوردستان، فما نراه في جنوب كوردستان من تبرج فاضح مكلف وصارخ مقارنة بالأبعاد الحضارية لهيئة المرأة في الدول العصرية، لا نراه في شرق كوردستان رغم سيطرة القوة الدينية على جغرافيتها وحيث المرأة هناك أكثر تحررا في الثقافة الاجتماعية، ومثلها في شمال كوردستان رغم المسحة الإيديولوجية لحزب العمال الكوردستاني، فالتناقض ما بين المنتشر في أجزاء كوردستان، تعكس الاختلافات الثقافية الاجتماعية المرعبة في حضور المرأة الكوردية، والتي للقوى السياسية، المسيطر عليها الرجل، الدور الرئيس في تكريسها.
لا شك هناك اعتبارات خاصة للجغرافية التي تتواجد فيها المرآة، إن كانت في ميادين القتال، أو في حقول العمل، أو في المؤتمرات، والأروقة الدبلوماسية، والصالات السياسية أو الثقافية، فلكل مكان خصوصياته، لكن في جميع الأماكن يجب أن تكون متكاملة في هيئتها على قدر المستطاع. فجمالها وأناقتها وأنوثتها تعطي رونقا لمفاهيمها، وتزيد من مكانتها وثقلها أمام الحضور أو المشاهدين. فتلك إلى جانب الذهنية المتحررة كثيرا ما تزيدها ثقة بالنفس، وقدرة على العطاء الأفضل، فهذه الجوانب تكمل بعضها. وبالمناسبة هي ذاتها لدى الرجل أيضا، فهناك رؤية مختلفة لنفس الرجل المتكلم والمهتم بأناقته وشكله ومظهره، وفي هذه توجد أمثلة شعبية، وعلى هذه المنهجية تفرض الدول والمنظمات والمؤسسات، على ممثليها، هيئة مناسبة في الاجتماعات والعمل وعند الخروج أمام المشاهدين.
ومن المؤسف، مع اعتذاري للأخوات في حقول السياسة والعزيزات في ميادين القتال، اللواتي هن في الواجهة ورسل الأمة الكوردية في الداخل والخارج (وقد أصبح يضرب بهن المثل في العديد من دول العالم، خاصة المدافعات عن القضية والوطن) إعادة النظر في الجدلية التي فرضها الرجل السياسي والثوري، وأصحاب الفكر الواحد، والتحرر من تلك الأحكام مثلما تحررت من بعض قيم المجتمع القاسي، ومن أجزاء من سلطة الرجل، فالأحكام الأخيرة هي ثقافة الرجل المهيمن، لكن بطرق مختلفة، فيها الكثير من الجهالة، يتم بها تجريدهن من قوة الأنوثة، ويجب عدم التقيد بها. على المرأة أن تسمع ذاتها، وصوتها الداخلي، وتشعر بإحساسها، وكيف يجب أن تكون كامرأة متحررة فكرا ومتطورة ثقافة، تخلق منظماتها وتفرض أحكامها حسب ما تطمح إليه وليس كما تفرضه جدلية الرجل السياسي والإيديولوجي.
ومن خلال المشاهدات المستمرة لمسؤولات الإدارة الذاتية أو قيادات حزب الـ ب ي د، إن كان من على الأقنية التلفزيونية أو في المؤتمرات، رغم المسحة الجمالية للمرأة الكوردية، والذهنية الفكرية المتفتحة بغض النظر عن التباين في المفاهيم، وجماليات جرأة الكلمة رغم الاختلاف في وجهات النظر، يلاحظ حالتين، الأولى وهي ما كتبنا فيه مع سيادة عدم الثقة، والثانية هي هيمنة أسلوب اللغة الذكورية، وهو انتقاص لقوة الأنوثة على المجتمع. فالحرية تؤخذ وتعطى ولا تفرض.
كنت أتمنى أن تتناول إحدى كاتباتنا الكورديات هذه الإشكالية، مع ذلك ما عرضته هنا، قد يكون حافزا للبعض على التوسع فيه مستقبلا.
الولايات المتحدة الأمريكية
19/5/2023م