معبر سيمالكا والاحتماء خلف القائد

د. محمود عباس

نتحدث عن الدولة، وإداراتها ومؤسساتها، عن حكومة ووزراء وموظفين، عن برلمان والكتل السياسية فيها، عن كوردستان الحاضرة والمستقبل، عن إدارة معبر سيمالكا في الطرفين ودور القوى الإقليمية فيها. وليس عن القائد أو الرئيس، ولا عن آل البرزاني الخالد، ولا عن آل الطالباني الكرام، ولا عن القائد أوجلان المعتقل لدى الأعداء. 
مع ذلك يأبى البعض الارتقاء بالفكر للفصل بين الحالتين، أو التفكير والنقاش إلا من خلال التبعية للشخص دون الوطن، لا يتمكنون من التمييز بين دولة أو شبهها، لها مؤسسات قد تكون موبوءة بالفساد والعث، وقيادة تحاول بناء الوطن حسب منهجية سياسية يؤمن بها، لكنها دون الكمال، لها أخطاؤها ومطباتها وسلبياتها، ويجب أن تنقد، نحن نتحدث عن السمات الإنسانية.  
 شريحة لا يمكنها التفكير إلا من خلال وجود طوطم في حياتهم، لا يرون الوطن والقضية إلا من خلال القائد الإنسان – الإله. لا يدركون أنه بدفاعهم العشوائي وأحيانا الأعمى يلوثون سمعتهم، وينقصون من قيمهم وقيمتهم. يضعونهم في الواجهة، على أنهم الدولة والحكومة والبرلمان والمؤسسات، أي الطاغية والدكتاتور، والإله، ولا يدركون أنه بأساليبهم تلك، يلقون بكل الإشكاليات السلبية التي يمكن أن تحصل ضمن أية مؤسسة على القائد، أي هو المسؤول عنها وليس المدير أو رئيس المؤسسة أو الموظف.
 نتحدث عن كل المستويات؛ من الفساد إلى الأخطاء إلى الخيانة، فنحن أمة، وشعب، أصبحنا نملك الإدارات، وحكومة مثلنا مثل جميع شعوب العالم نحتضن كل السمات، لسنا منزهين، ولا نملك الكمال الإلهي، وبالتالي لنا أخطاؤنا، وأخطاء القائد لها سويتها وينقد على قدرها، والمؤسسات والإدارات لها واجباتها وعثها، قد يكون المسؤول عنها فاسد أو جاهلا، أو يسخرها لمصالحه الشخصية بخباثة، وبالتالي سينقد من قبل المعانون منها، ولا تعني أن النقد موجه للقائد. لذا يجب عدم الدمج بين العموميات والجزئيات في جميع القضايا. 
 لذا كفى الإتجار بأسماء العائلات الكوردستانية الوطنية، وبالقادة الخالدين، كفى بيع الوطنيات من خلف أسمائهم وتحت أغطية الدفاع عنهم، كفى المقارنة كلما بدر نقد لخطأ حصل، ولمجريات أحداث تأذى منها الشعب. لم نعد نسمع بعد كل نقد لحراكنا الكوردستاني أو للإدارات الثلاث (أتأسف وأنا أقول الإدارات الثلاث، وكان يجب أن تكون واحدة أو اثنتين) إلا المقارنة، بين آل البرزاني والطالباني والأوجلانية، الكرام. وننسى أو نتناسى الحوار والنقاش على المفاهيم والمنهجية، والدبلوماسية، والعلاقات الدولية، والوطن والأبعاد القومية بروح ديمقراطية، أغلبية الحراك الثقافي أصبح ينأى الخوض في نقد الحراك الحزبي والسياسي بشكل مباشر، تجنبا لدخول حروب كلامية مع مجندين من قبل الأطراف الحزبية الكوردية والكوردستانية المتآذية، منتظرين أن ترقى المدارك إلى سوية تقبل الرأي الآخر.
 إشكالية معبر سيمالكا، أي كانت الأسباب، عكست ما نوهنا إليه، وكل من كتب عنها لم يقف إلى جانب الشعب بقدر ما ساند إدارة ضد أخرى وحزب ضد أخر، وسخروا لذلك أسماء العائلات الوطنية والقادة. 
 لا خلاف على أن معظم الإشكاليات التي يعاني منها شعبنا والخلافات الجارية بين القوى الكوردستانية، هي من فعل القوى الإقليمية، تركيا وإيران تحديدا، والتي تسخر الإيديولوجية والمنهجية الحزبية الكوردستانية المتضاربة لمصالحها، يشتتون الحراك وتشتته تخلق الخلافات والخلافات تسهل تمرير الإملاءات، لذلك فالحجج الساذجة والاختلاف على من المسبب في إغلاق المعبر، والتي تم الاستناد عليها، لا تخرج من إطار الإملاءات الخارجية، ولكن الذي تأذى ويتآذى هو الشعب في الطرفين. وإدارتهما تتحمل المسؤولية، وبما أن إدارة معبر الإقليم هي البادية فهي على الأرجح تستطيع أن تحل الإشكالية وتعيد فتحها.
 ومن المؤسف القول أن لغة بيان إدارة معبر الإقليم ومضمونه على سبيل المثال، يعكس مدى عدم الوعي، وبعض الحقد، والبعد عن الوطنية، وعدم الإحساس بآلام الشعب المعاني من الجسر الذي بناه السيد الرئيس مسعود برزاني في عام 2013 لخدمة الشعب، وما يجري الأن هي بعيدة كل البعد عن صفات ووطنية السادة الرؤساء من آل البرزاني، وبشكل خاص السيد الرئيس مسعود برزاني الكريم، حتى من خلال الصيغة الكلامية، والمصطلحات، كتسمية غربي كوردستان بكوردستان سوريا، لذا يتوجب من الجميع نأي سيادة الرئيس عن هذه الإشكالية، والضغط على إدارة سيمالكا لفتح المعبر، والعمل على إبعاد مصالح الشعب عن الخلافات السياسية وضغوطات القوى الإقليمية، وتلاعب تجار الحرب، وإنهاء دور المستفيدين من إغلاقه. 
ونأمل من سيادة الرئيس مسعود برزاني الفاضل إنهاء هذه المأساة بأساليبه الوطنية المعروفة، ليستمر الإنجاز الذي قدمه لشعبنا في غربي كوردستان، وينضم إلى ما قدمه ويقدمه من خدمات لأهلنا في عفرين وجنديرس.
   لنعد إلى البيان الذي أصدره إدارة مؤسسة إقليم كوردستان الفيدرالي، وليتهم لم يصدروه، فهو بصيغته ولهجته، عكس سمة سلبية لسياسة الإقليم تجاه الشعب، وهي ليست من منهجية قيادة الإقليم الكوردستاني، وهو ليس برد منطقي على سياسية الإدارة الذاتية الذي يعاني منها أغلبية الشعب الكوردي ومن منهجيتها طوال العقد الماضي، كما ولا علاقة له بالخلافات الحزبية الجارية.
 كما وأن مضمونه يعكس الفرق بين معاملة الإدارتين للعابرين، والتي هي أصبحت معروفة للجميع وخاصة الذين عبروها مرة أو أكثر، والتمسوا الفرق بين الطرفين، من حيث فترة الانتظار، والمعاملة، والضريبة، وتفتيش الحقائب، وغيرها من الإشكاليات، رغم وجود الأجهزة الإلكترونية التي بإمكانها أن تختصر الزمن والتفتيش لولا البيروقراطية والفساد، ولا شك للدول المحتلة لكوردستان وخاصة سوريا والعراق دور في سياسة التعامل على المعبر، لكن وعلى خلفية ضعف هيمنتهما كان بإمكان الإدارتين تسهيل المرور بينهما، وتحسين الخدمات، ففي الواقع ليس النظام الدولي يفرض هنا شروطه بل الانتماءات الإقليمية قبل إملاءاتهم على الإدارتين، وهي حقيقة أكثر من معروفة، أغلبه مبني على المصالح الذاتية لشريحة مهيمنة على التجارة  والجمارك، ولا علة فيما لو كانت المصالح على مستوى الدولة من البعد السياسي والدبلوماسي، واقتصاد الدولة، فيما لو لم تكن على حساب الطرف الكوردستاني الأخر.
   الجميع متفق على أن إدارة سيمالكا في جنوب كوردستان، من المطار وحتى بوابة الخروج من المعبر، تتعامل مع الناس بفظاظة، وبيروقراطية وعنجهية، أكثر من طرف الإدارة الذاتية، تحت حجة الحماية والأمن، وهذه ليس للقائد ولا للحكومة دور فيه، بل إنها من مسؤولية رؤساء الدوائر الذين وكأية هيئة دولية، يتحملون تبعات مجريات الأحداث، كما ولا يعني هذا أن الجانب الأخر بدون أخطاء، لكنه على الأقل أقل بيروقراطية، وانتظارا، ومعاملة في التفتيش، وبضرائب أقل بكثير يقال ما بين 100 دولار في الإقليم الكوردستاني إلى 10 دولارات لدى الإدارة الذاتية، للفرد الواحد. 
 أتمنى ألا يناقشني أحد هنا ويعيدنا إلى الخلافات الإيديولوجية والمنهجية الفكرية، والوطنية، والأبعاد الكوردستانية، فقد أصبحنا نسمع أن الفساد الذي بدأ يستشري في مؤسسات غربي كوردستان أصبحت مثلها مثل جنوبه، وألا يحدثني أحد عن عدم بناء غربي كوردستان، والأموال التي هدرت في مشاريع ساذجة كالأنفاق وترك ترميم شبكات الكهرباء وتعمير الطرقات، وتصليح مجمل البنية التحتية، فهناك الكثير مثله في الجنوب رغم الأموال الهائلة، إلى جانب القضايا الوطنية والقومية، وما يتبعهما.
 رجاؤنا، من قيادة الإدارتين حل الإشكالية وفتح المعبر وتسهيل الخدمات للشعب، ويضعوا حدا لتجار الحرب والمسؤولين الفاسدين. وأملنا كبير بسيادة الرئيس مسعود برزاني الفاضل، في معالجة القضية بروحه الوطنية، ومن خلال حرصه على الشعب.
الولايات المتحدة الأمريكية
18/5/2023

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…