الإسلام و المسألة الكوردستانية ـ ج4

زاكروس عثمان 

ـ افيون لا يمكن الاقلاع عنه:  
اصبح الإسلام منذ مئات السنين دين اغلبية القومية الكوردية ولا يمكن تغيير هذا الواقع ابدا، ولكن الاسلامويين الكورد يتهمون اقرانهم الكورد المناهضين للإسلام السياسي بانهم يحاربون الدين الإسلامي بحد ذاته، وهذه اتهامات باطلة لا اساس لها من الصحة، حيث لا يوجد كوردي علماني او كوردي من ديانة اخرى يحارب الاسلام كديانة، لان الجميع يدركون انه لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يتخلى الكورد المسلمين عن دينهم إلا في حالات فردية، لأن الجوانب الروحية حساسة ومعقدة يصعب المساس بها، فالمؤمن بدين ما لن يتخلى عن معتقده بسهولة، إذ لا يمكنك إقناع عبدة الابقار بأن الاغتسال ببولها لا يطهر من الذنوب، ولن يصدقك مسلم مهما برهنت له بان بول البعير لا يشفى من السرطان طالما نص مقدس يقول ان بول البعير دواء لكل داء، وحيث ان المعتقدات الدينية متجذرة عميقا في المجتمعات البدائية  فلا يمكن انتزاع  جذورها من حياة  الفرد والجماعة، 
من هنا مهما حاولت إقناع كوردي مسلم ملتزم  بدينه  بان الإسلام  يلحق الضرر بالقومية الكوردية لن يقتنع ولن يترك دينه، بالأمس منح  عدد غير قليل من كورد باكور اصواتهم إلى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لمجرد انه يقدم خطاب إسلاموي ـ شعبوي اي انهم وقفوا معه كرمى للإسلام، وغضوا الطرف عن جرائمه البشعة وعدوانه المستمر على الكورد في عموم كوردستان, هذا هو الاثر الهدام للفكر الديني على الفكر القومي الكوردي، ماذا هناك اسوأ من ان تقف مع طاغية سفاح يفتك بابناء شعبك لمجرد انه مسلم، وحين يأتي كوردي متنور ويناهض هذا الفكر السام  فانه لا يناهض الإسلام كدين بل يحاول إقناع  الكوردي المسلم بأن لا (يضع قوميته تحت نعله من اجل دينه) بل عليه ان يقتدي بالجيران و(يضع دينه تحت نعله من اجل قوميته) ولكن للأسف فان الاحزاب الكوردستانية الكلاسيكية بمختلف مشاربها الايديولوجية بما فيها الحاملة للماركسية ـ اللينينية تجنبت مناقشة مسائل دينية لها علاقة مهمة بالفكر القومي الكوردي، تملقا إلى الرأي العام المسلم الذي لا يتقبل فكرة جعل الإسلام مادة للبحث والدراسة، لهذا لم نجد في ادبيات هذه الاحزاب دراسات تتناول مدى تأثير الفكر الديني سلبا او ايجابا على  الفكر القومي الكوردي، بل الاسوأ من ذلك اننا نجد الاسلامويين الكورد يملكون الشجاعة  كي يعلنوا بلا مجاملة انهم يفضلون دينهم على قوميتهم وتراهم ينجحون في نشر هذه الثقافة السامة، بالمقابل لم نجد حزب كوردستاني يرد على هؤلاء ويبين لهم بالحجة والمنطق ان القومية اعلى واقدس من الدين, والادهى من ذلك ان السلطات الكوردية حذت حذو الاحزاب بتجنب طرح مسائل دينية، مخافة خدش معتقدات المؤمنين او المساس بمقدساتهم، هذا الحذر في التعامل مع المسائل المتعلقة بالدين يعود إلى رغبة الساسة الكورد في كسب رضا الجمهور ورجال الدين او تجنب غضبهم، والشيء الخطير هو ان صاحب الامر لا يكتفي بمجاملة سواد الكورد المتعبدين او جماعات الإسلام التصوفي التقليدية، بل يبدو انه ارخى الحبل لتيارات الإسلام السياسي المتطرفة من اخوان مسلمين وسلفيين وغيرهم، وهذا لا يبشر بالخير، لان إيديولوجية الإسلام السياسي إيديولوجيا اصولية ـ سلفية ممزوجة بالشوفينية والعنصرية تقف مع المعسكر المعادي لحركة التحرر الوطني الكوردستاني،  و ترفض كليا حق كوردستان في السيادة والاستقلال، ما معناه لا يوجد إسلام سياسي يخدم قضية كوردستان حتى لو وجدت تنظيمات اخوانية  او جهادية محسوبة على الكورد لان هذه التنظيمات لها تأثيرات سلبية على عملية بناء دولة كردية مستقلة، كونها اي التنظيمات مرتبطة عضويا بالقيادة العالمية للإسلام السياسي ولا يظننن البعض بان القيادة العالمية هي مجرد مجموعة من كبار الشيوخ والدعاة ورجال الدين بل هي فريق متكامل يتألف من مسؤولين سياسيين وخبراء  واستخبارات يعملون وفق تعليمات عواصم عالمية وإقليمية مناوئة للكورد. 
ـ آفة تنتشر:
خلال متابعتي لحسابات كوردية على منصات التواصل الاجتماعي للوقوف على محتوياتها ومضامينها لفت انتباهي ظاهرة جديدة غريبة عن ذهنية الكورد، حيث التقى مجموعة اشخاص في حساب على تيك ـ توك  لمناقشة اختيار إسلام سياسي مناسب للكورد، ولم يجد المشاركون حرجا في التعبير عن آرائهم، إذ طالب بعضهم بالإسلام السلفي، و بعضهم بالإسلام الاخوانجي، غرابة هذه الظاهرة بالنسبة لي لم تكن في طرح بعض الكورد الإسلام السياسي بديلا عن احزاب حركة التحرر الكوردستاني فحسب بل كذلك ايضا لان مثل هذا الطلب سابقة في تاريخ الحركة الكوردستانية التي رغم تنوع وكثرة احزابها واختلاف ايديولوجياتها لم يحدث ان حصل خلاف فيما بينها لأسباب دينية، او دخلت في مجادلة طائفية بل حرصت هذه الاحزاب على الامتناع عن استخدام خطاب الطائفية ـ المذهبية في ادبياتها، وحين تطرح منصات مجهولة المصدر الاسلام السياسي بديلا عن الحركة الكوردية  فإنها ترمي إلى ترسيخ ثقافة اصولية تمزق المجتمع الكوردي وتنسف حركته التحررية،  ولا اظن ان مثل هذه المنصات مجرد مبادرات فردية او جماعية يأتي بها نشطاء عاديون، بل من خلال المتابعة الدقيقة لاحاديث المشاركين وطريقة طرحهم لأفكارهم او الدعوة إلى هذا التيار او ذاك التيار، يصل المرء إلى قناعة بأن هذه المنصات تعود إلى الجيش الالكتروني الخاص بالإسلام السياسي الذي تديره استخبارات دولة مسيطرة على كوردستان، من هنا وجب مكافحة هذه التحركات سواء جاءت من ملالي ودعاة او من تنظيمات او مؤسسات إعلامية، لأنها كلها تنبع من مصدر واحد هو تنظيم عالمي متكامل يحمل مشروع استراتيجي مستمد من ايديولوجيا شمولية متطرفة تتطلع إلى بناء خلافة سلفية، ناهيك عن ان الاسلام السياسي مشروع دخيل يستهدف القضية الكوردستانية، وصهر الكورد في بوتقة القوميات الغالبة، نحن امام آفة خطيرة تزحف وتنتشر بأريحية دون ان تجد من يتصدى لها، ولا بد من فعل شيء فهل من علاج.
ـ وداوها بالتي كانت الداء:
ان العلاج الناجع لاجتثاث فكر الإسلام  السياسي هو اجتثاث الفكر الديني من جذوره، ولكن ذكرت في موضع سابق صعوبة انعتاق الكورد من الإسلام، في هذه الحالة لا يبقى امامنا سوى الاسلام الشعبي لنضعه في مواجهة الاسلام السياسي عملا بمقولة ( وداوها بالتي كانت الداء ) كما هو معروف فان الإسلام التقليدي ـ التصوفي ـ شائع بين الكورد، والذي يوفر لجمهور المتعبدين اجواء مثالية لإداء طقوسهم وعبادتهم للوصول إلى إشباع روحي ربما يحصن المتعبدين ضد مرض الاسلام السياسي، صحيح ان الفكر الديني عموما يناقض الفكر القومي الكوردي ولكن مرض الإسلام التقليدي اهون من وباء الإسلام السياسي، إذ ليس افضل من إسلام خال من الايديولوجيا بعيد عن السياسة، فإذا كان الكوردي المسلم يريد وجه ربه فان ابواب التكايا والمساجد مفتوحة امامه ليصلي ويتعبد قدر ما يشاء، ربما هذه الطريقة تلبي حاجة المتعبد الروحية فلا يجد نفسه بحاجة للبحث عن طرق اخرى تفوح منها رائحة السياسة.  
واذا كان الإسلام التقليدي منبعا يروي المتعبدين فانه كذلك يكون ملجأ للكورد المسلمين غير المتدينين إذ بمقدورهم عبر الإسلام الشعبي التعبير عن إيمانهم، ان الواقعية تقتضي تشجيع الكوردي غير المتدين على  التزود بالفكر العلمي، ونصح الكوردي المتدين بالابتعاد عن التزمت وممارسة إسلامه التقليدي الذي يفصل الدين عن السياسة، و ان الكوردي الذي يستطيع حقا التمسك بقوميته واسلامه معا، هو الكوردي الذي ينبذ الفكر الاخوانجي والسلفي، اما الكوردي الارهابي فهو من يطالب تحت مسمى الحرية الدينية بإفلات لجام تنظيمات سلفية جهادية تقتل خيرة بنات وابناء الكورد من مقاتلين ومدنيين، وتتحالف مع الدول المحتلة و تنظيم داعش لتهديد امن اقليم كوردستان ـ باشور، وزعزعة الاستقرار الهش في كوردستان روزئافا، فان كان الإسلام يبيح قتل الكوردي للكوردي ويسمح للكوردي ان يلغي دين كوردي آخر فانه إسلام مرفوض، اجل ان دين الكوردي الذي وصل به الامر إلى رفض الرموز المقدسة للامة الكوردية دين ارهاب، اي اسلام هذا الذي يفتح ابواب كوردستان الاربعة للإرهابيين لتكرار جرائهم الشنيعة في شنكال كوباني وعفرين، هل الكوردي الذي يحمل شريعة داعش يحمل الخلاص للكورد، لا لا هذا إسلام لا يناسب الكورد، وان كانوا يريدون اسلاما اهلا وسهلا ليصنعوا اسلاما كورديا يناسب نظرتنا وفهمنا للحياة ويخدم الامة الكوردية،  نقول للساسة الكورد ضعوا حدا لهذه الاصوات الكريهة المنبعثة من بعض الجوامع لأننا لا نريد إسلام عربي او تركي او فارسي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…