الأسد… إذا رغب؟!

عبدالوهاب بدرخان
أكثر من استشعر الخذلان في عودة أو إعادة النظام السوري الى الجامعة العربية هو الشعب السوري، بل لعله خذلان للشعوب كافةً. يحاول ديبلوماسيون كثر التقليل من الحدث بالقول إن العودة الى الجامعة مسألة “رمزية”، مضمرين أن هناك الكثير مما يجب فعله كي تصبح “طبيعية”. آخرون يذكّرون بأن الجامعة كانت ولا تزال ملتقى للتسويات بين أنظمة الحكم، ولا جديد في ذلك، أي أنه ليس للشعوب أن تتوقّع منها حلولاً لصراعاتها مع أنظمتها، فهذه “شأن داخلي”. 
إشارات عدة أثيرت هنا وهناك الى أن نظام بشار الأسد كان يفضّل نهج التطبيع الثنائي مع الدول، خصوصاً السعودية، ولم يكن متحمّساً للعودة الى الجامعة، لكن إيران شجّعته على ذلك إذ إن الانفتاح عليه كان من بين أبرز التفاهمات في خلفية تطبيعها مع السعودية. قلائل جداً هم الذين يعتقدون جدّياً بأن النظام سيلبّي أو يطبّق “شروط” العرب، كما وردت في “ورقة عمّان”، فبعد حصوله على اعتراف الجامعة بـ”شرعيته” أصبحت كل المسائل الأخرى مجرّد تفاصيل.
قبل استرجاع “الشرعية” – عربياً – نفّذ الأسد ما أبلغه الى جميع زائريه العرب، وما أجرى في شأنه تشاوراً أخيراً مع الجزائر، حين وقّع مع الرئيس الايراني على تفاهم يؤكّد أن نظامه اختار العلاقة الاستراتيجية مع نظام الملالي. ما الذي ستكون عليه العلاقة مع المحيط العربي، إذاً؟ هذا ما سيتحدّد بين دمشق وطهران. أواخر 2008 – أوائل 2009 اشتعلت الحرب “الأولى” بين غزّة وإسرائيل، وحصل انقسام عربي في تقويمها امتداداً للانقسام حول حرب 2006 بين “حزب إيران/ حزب الله” وإسرائيل، وصادف انعقاد القمة الاقتصادية العربية في الكويت (20/1/2009) التي شهدت مبادرة العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز الى خطاب تصالحي أعقبه لقاء مع الأسد لتبديد انطباع أشاعه “محور الممانعة” بأن هناك عرباً مع غزّة وعرباً ضدّها. بعد شهرين عُقدت قمة مصغّرة في الرياض لتفعيل “المصالحة”، وفيها دعا الأسد السعودية ومصر الى الأخذ بنموذج “العلاقة الاستراتيجية” التي يقيمها مع إيران. هذا ما يُفهم من “التفاهم” بين الأسد وابرهيم رئيسي، وقد تكون هذه رسالته الى القمة العربية التي سيشارك فيها “إذا رغب”!..
فهل يرغب؟ إذا شاور الإيرانيين سيشجعونه على الذهاب ليكون رأس الحربة ورجل العلاقات العامة لـ “لوبي الممانعة” في القمة، إذ لا يستطيع ممثلو الجزائر أو العراق أو لبنان تأدية هذا الدور. وإذا شاور الحلقة الضيّقة للنظام سيصل الى التقدير نفسه ولو من زوايا أخرى، فحضوره تزكية اضافية لفكرة استعادته “الشرعية” وفرصة لتحدّي الاميركيين والاوروبيين ومناسبة لحثّ دول الخليج على تمويل إعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام. لكن العبارة الزئبقية (“إذا رغب”)، كما أطلقها الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، تحتمل التأويل، إما بأنها بديهية وتعني ببساطة أن الأمر يعود الى الأسد، أو بأنها تفترض التساؤل عما إذا كان من المبكر أن يجلس الأسد في مقعد سوريا ويخاطب العالم متناسياً كعادته أكثر من مليون سوري بين قتيل ومصاب ومعتقل ومفقود، ومئات الآلاف من السوريين يعيشون في مخيمات في دول الجوار، ونصف الشعب السوري الذي تواطأ النظام مع حليفيه الإيراني والروسي على اقتلاعه وتشريده. كان الأفضل جعل عودة سوريا الى الجامعة تدريجية ومواكبة لخطوات إعادة اللاجئين ولانخراط النظام في حل سياسي حقيقي وفقاً لروح القرار 2254 وليس للاستنسابات الروسية والإيرانية.
————— 
المصدر: جريدة النهار

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…