بين تحبيب الناس بالدين وتنفيرهم منه

ماجد ع  محمد

بديهي أن المرء من خلال تعامله الراقي وحسن التصرف يمكن أن يكون خير من يمثل دين أو مذهب أو حزب أو نظرية، وذلك من دون أن ينطق حتى بكلمةٍ أو جملةٍ واحدة، باعتبار أن الناس في عصرنا هذا أكثر تأثراً بالأفعال والسلوكيات التي يرونها بأم العين من الأقوال المنطوقة أو المنقولة على الألسن،  لذا فإن الإمام  الجزائري  وليد مهساس بتصرفه السامي  مع قطةٍ اعتلت كتفه أثناء صلاة التراويح ـ سواء أكانت القطة له ومتعودة عليه أم كانت القطة من الشارع ـ فقد حبّب حتى غير المسلمين بهذا السلوك الصادر عن إمامٍ مسلم، بينما في الوقت نفسه فإن تصرفات بعض الهمج في الشمال السوري تنفِّر أتباع الدين الحنيف أنفسهم من الدين؛
 والسؤال الذي يطرح نفسه يا ترى مثلما تفاعل ملايين المسلمين حول العالم مع فيديو الإمام الجزائري الذي نشرته كبريات القنوات العالمية مثل قناة السي إِن إِن الأمريكية التي نشرته على موقعها في إنستغرام، فهل كان التفاعل سيكون مماثلاً إن سمحت سلطات الشمال السوري بدخول وسائل الإعلام الحر إلى المنطقة ونقلت صورة الأشخاص الذين تعرضوا للضرب والإهانة والشتم والابتزاز بسبب إفطارهم؟ علماً أن هؤلاء من معشر البشر وليسوا من معشر البهائم كما هو حال قطة الإمام الجزائري!
على كل حال فعدا عن التصرف الراقي الذي حظي بإعجاب الملايين حول العالم، وعدا عن التعليقات الطويلة التي أشادت بالسلوك الحضاري للإمام، ما كان لافتاً للانتباه من بين كل ما كُتب عنه هو منشور للدكتور “علاء رجب تباب” عن الموضوع ذاته، ولكن الدكتور علاء لم يسهب كغيره في الموضوع، ولا عبأ صفحته بالمدائح، إنما اكتفى بنشر صورة القطة وهي تقبّل خد الإمام، ووضع فوق الصورة فقط كلمة “الدين” أي أن (الدين سلام، الدين طمأنينة،  الدين رحمة) وبديهي أن الذي يتميز بتلك الخصال في تعاطيه مع البهائم أن يكون أكثر تقدماً ورقيا في تعاطيه مع الأوادم، باعتبار أن الأديان السماوية فضّلت البشر على باقي الكائنات، وما يعني بأن اسلوب التعاطي مع الإنسان ينبغي أن يكون أكثر رفعةً من اسلوب التعاطي مع الدواب. 
كما أظهرت نتائج التعاطي مع الفيديو بأن أبناء المجتمع الاسلامي على أهبة الاستعداد للتفاعل مع المحمودات ومع الأخبار التي تدغدغ المشاعر الدينية في كل الأوقات والأماكن، بينما الممارسات التي تكرِّه الأوادم في أماكن أخرى بالدين فلا يتم الإلتفات إليها، علماً أن من كان حريصاً على الصورة المحببة لدينه، عليه أن يزيد اهتمامه بالسلوكيات الشاذة، وتسليط الأضواء عليها، ليس بهدف التشهير بأصحابها، إنما من أجل محاربتها أو التقليل قدر الإمكان من تلك النماذج التي تسيء للدين ومعتنقي ذلك الدين.
إذ كما تلقف المسلمون خبر الإمام وقطته كم سيكون الأمر جميلاً لو التفتت نفس الحاضنة إلى الممارسات التي تسيء للدين في البلاد الإسلامية نفسها وخاصة في شهر رمضان، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر ففي وقت احتفاء الناس بالإمام الجزائري تعرض ثلاثة مواطنين للضرب والشتم والإهانة أمام جميع معارفهم في منطقة عفرين السورية المتاخمة للحدود التركية وتم نقل المواطنين الثلاثة وهم: (مصطفى زنكي، آزاد بيرم، فاروق كرك) حسب نشطاء المنطقة إلى المقر الأمني بحجة الإفطار، حيث بقيوا محتجزين لمدة ثلاثة أيام مع تعذيبهم واتهامهم بالكفر، وعقب مسلسل الضرب والإهانة والتنكيل بهم أُفرج عن المواطنين الثلاثة بعد أن قام ذوي كل واحد منهم  بدفع مبلغ 200 دولار أمريكي لقاء الإفراج عنهم، كما أن التنفير من الدين عبر فرض شعائره بالإكراه يتم العمل به على قدم وساق في منطقة عفرين منذ خمس سنوات، لأنه قبل هذه الحادثة بفترة وجيزة كان قد تم إجبار شخصين إيزيديين من أبناء قرية “قيبار” في المنطقة على ترك دينهم واعتناق الدين الإسلامي، وذلك بعد تعرض أفراد تلك العائلة إلى المضايقات المتكررة والابتزاز والخطف والتعذيب البدني، وفي الأخير ومن  أجل رفع البلاء أُجبر اثنان من أفراد العائلة على إعلان إسلامهم أي “إشهار إستسلامهم” خوفاً على حياتهم وحياة عوائلهم من براثن المسلطين على رقاب الناس في المنطقة وليس حباً بالدين الإسلامي والمسلمين!
ويبقى الغريب في أمر المتسلطين هناك هو أن معظم حراس الدين والمدافعين عن الله وعن الدين وفارضي شعائره في الشمال السوري هم من مريدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن المعجبين بتجربة الحكم بتركيا في كل نواحي الحياة، والسؤال الذي يخطر بالبال إبان المقارنة هو يا ترى ألم يرى أو يسمع هؤلاء الأتباع بأن في الدولة التركية التي يدينون لها بالولاء التام ممنوع أن يسأل مواطن مواطناً آخر فيها لماذا لا تصوم؟ يا ترى ألا تسمع هذه الفئات البشرية المسلطة على رقاب الأهالي هناك بأنه في أهم مراكز المدن التركية والساحات الرئيسية نسبة من يتناولون الطعام على الملأ في شهر رمضان لا تقل عن نسبة من يتناولونه في الشهور الأخرى من السنة؟ ويا ترى أما سمع هؤلاء المصرّين على تنفير الناس بأنه حتى المشروبات الروحية تقدم للزبائن في شارع تقسيم باسطنبول ومعظم الشوارع المماثلة في تركيا؟ أم أن جملة “لا إكراه في الدين” الواردة في سورة البقرة بالنسبة إليهم هي فقط للحفظ والتحنيط في الذاكرة، وليس لها أي نصيب من التطبيق العملي في الشمال السوري المفخّخ بثقافة الإرغام والأفكار القروسطية؟ 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…