أخر أوضاع انتفاضة الشعب الإيراني وواجبات معارضة الدكتاتورية الدينية

 عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

  قام الشعب الإيراني قبل دخول العام الجديد بالتكريم وتجديد العهد أمام مئات شهداء إنتفاضة في العام الماضي وهم أكثر إصراراً من ذي قبل على مواصلة المسيرة وتحقيق مُثُل وأهداف الشهداء أي اسقاط الدكتاتورية وإحلال الحرية والإستقلال والسيادة الوطنية والشعبية، وكانت هذه هي خطوة الشعب الأولى لدخول العام الذي سنشهد فيه تحولات مهمة.
يشعر الشعب الإيراني الآن بعد مضي سبعة أشهر على تواصل تأجج الانتفاضة البطولية ضد الدكتاتورية بمزيد من القوة ويرون أن انتفاضتهم واعدة وأكثر قوة ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم قد تجاوزوا منتصف طريق الإنتصار على الدكتاتورية!
أما ما يتعلق بالرأي العام ووفقاً لوجهات انظر العالمية فإن الأمر على عكس مزاعم ومؤامرات الدكتاتورية في إيران وحُماتها الاستعماريين، وهناك اعتقاد راسخ بأن “انتفاضة الشعب” لم تنطفئ فحسب بل تؤسس لإقامة “احتفالاً بنصر الشعب” المرتقب قريباً على “أنقاض الدكتاتورية”.
وأما ما كان مُعلنا في الأشهر السبعة الأخيرة من انتفاضة الشعب الإيراني هو انعكاس صغير للحقائق الكبيرة الجارية في إيران، ذلك لأن لأن سياسات واستراتيجيات “الرجعية والاستعمار” كانت عقبة أمام الانعكاس الحقيقي لانتفاضة الشعب وكذلك أمام تسارع الانتفاضة ضد الدكتاتورية، وقد سعوا بمختلف الطرق وبإنفاق كلفة عالية ومبالغ طائلة ولا زالوا يسعون وبشكل خاص إلى (هندسة عملية رقابة) و (فلترة) حتى يوقفون تغيير الشعب المرتقب الهائل، ويفرضون دكتاتورية أخرى على الشعب في إيران!
وفي خضم هذه المعركة كانت ولا تزال هناك حرباً دامية بين جبهتي الشعب من جهة والدكتاتورية من جهة أخرى، ولم يتم “تشويه” الحدود في الساحة الحقيقية للمعركة  ولكن تم رسمها “بشكل أوضح” وتم كشف الأيادي الخفية للرجعية والإستعمار وفضحها للعيان، وفي هذه الساحة الحقيقية لم تعد هناك أكثر من جبهتين “جبهة الشعب” و “جبهة الدكتاتورية” ومن الخطأ جداً إقامة الإعتبار لـ فلول الدكتاتورية السابقة التي يعلنها الإستعمار الآن وحتى سلطة الرجعية الحاكمة ويحتسبها جزءاً من الشعب والمعارضة للدكتاتورية الدينية وذلك للوقوف ضد انتفاضة الشعب الإيراني! 
  نتذكر جميعنا أنه منذ بداية الانتفاضة العام الماضي كيف قامت الدكتاتورية “الحاكمة” وفلول دكتاتورية “الشاه” بالمحاولة  لتحويل المسار الحقيقي للانتفاضة بشعارات مختلفة، لقد أرادوا المساس بقيم الشعب والانتفاضة والمجتمع ومن خلال ذلك حرف مسار الانتفاضة ثم إخمادها، يريدون استخدام “القيادة المصطنعة” و “البدائل المصطنعة” المطلوبة لهم  من خلال  “الرقص في الشارع” و “قص الشعر” وشق صفوف الانتفاضة من خلال مصطلحات “الإسلام وغير الإسلام” و “المرأة والرجل” و “الحجاب والسفور” و “ارتداء العمامة” و “الخلافات القومية أو الدينية” وغير ذلك من المحاولات التي من شأنها أن تجعل مشهد الانتفاضة مشهداً”مُوحِلاً” مما يُحبِط الشعب ويُثنيه عن مواصلة انتفاضته ويُبقي على الدكتاتورية.
وقامت قوى الرجعية والاستعمار في بداية الانتفاضة باستخدام سياسة “المطرقة والسندان” وذلك لوضع الشعب الإيراني بين خياري “نظام الشاه” و “ولاية الفقيه” أو بعبارة أخرى “الدكتاتورية الشاهنشاهية المخلوعة” أو “الدكتاتورية الدينية الحالية” وجعل أمام خيار صعب ودفعه للإضطرار إلى القبول بأحد هذين الخيارين المعاديين للشعب، وقد أرادوا من وراء ذلك تهميش القوة الرئيسية في ميدان المعركة والانتفاضة، وفرض بديلهم المفضل على إيران والإيرانيين، وسرقة قيادة انتفاضة الشعب الإيراني مرة أخرى!
ووصف علي خامنئي ورؤوس أخرى في الدكتاتورية الحاكمة الانتفاضة بـ “الفوضى” والثوار المنتفضين بـ “مثيري الشغب” وقالوا إن الانتفاضة موجهة من طرف “الأجانب”.
وأما خارج الحدود فقد كانت الجهات الاستعمارية أيضا ومنذ بداية الانتفاضة مصممة وتحت عناوين مختلفة “اللاعنف” و “عدم الانتقام” وإحلال الانهيار الشكلي والانتقال السلمي محل”الإطاحة بالديكتاتورية” وإحقاق التغيير الفعلي، وبدلاً من مواجهة الدكتاتورية في الشوارع وساحات النضال دعوا أبناء الشعب إلى “البقاء في منازلهم” و “للحفاظ والإبقاء على وجود  الحرس الثوري وقوات القمع الحكومية!”
لكن الشعب وبـ ترسيمه للحدود القاطعة من خلال شعار “لا للشاه ولا للشيخ” واتساع أصداء شعاره الرئيسي “الموت للدكتاتور” و “الموت لخامنئي” و “الموت للطاغية سواء كان الشاه أو الملالي” يكون قد نحى جانبا جميع الشعارات والمؤامرات والعقبات الوضوعة في طريق الثورة وكسرها واحدة تلو الأخرى.
في نظرة واقعية إلى سبعة أشهر من انتفاضة الشعب الدامية في إيران نرى أنه تم قطع شوطا بعيداً طويلاً، وأنه قد تم كسر  العديد  من العقبات ومؤامرات الرجعية والاستعمار التي جرفت معها للأسف بـ”الخداع” و “الحيلة” بعض التيارات “النفعية الإنتهازية” “قصيرة النظر”، وها قد وصلت دكتاتورية الملالي إلى حافة هاوية السقوط، وما ليس له وجود في “الحقيقة” بمشهد الانتفاضة الشعبية الآن هم فلول دكتاتورية الشاه والشخصيات الانتهازية والتيارات الاستعمارية التي جيئ بها بواسطة الرجعية والاستعمار إلى مشهد الأحداث!
ومن هذا المنطلق فإن الشعب الإيراني باتساع انتفاضته وتأججها واحتدادها وخاصة بعد تقديم أكثر من 750 شهيداً دون الإعتماد على “قوىً عظمى” و “أجانب” بل بالإعتماد على قدراته الذاتية، وبشعار “الوحدة” و “التآخي” يريدون خلق “علاج مشترك” لـ “ألم مشترك”ذلك لأن “سر الانتصار على الدكتاتورية” في أيديهم ومرتبط بهذا الشعار “من زاهدان وكردستان إلى طهران روحي فداءاً لـ إيران” وهو الشعار الذي أصبح الآن أحد الشعارات الوطنية والشعبية السائدة في جميع أنحاء إيران.
ومن يومنا هذا، وبفضل وعي الشعب والمقاومة العميقة الجذور وسجلاتها وهياكلها العريقة تمت حماية انتفاضة الشعب الإيراني من الوقوع في المسارات المنحرفة والفخاخ المنشورة من قبل الدكتاتوريات وحماتها الدوليين والإقليميين، وتمكنوا من المحافظة على وحدتهم في الوصول إلى هدفهم الأساسي، وأن يختموا بـ ختم “لا” دون أي توقف أو دفع فدية أو الرضوخ لمساومة.
 درس مهم!
يتذكر الجيل الذي كان حاضراً في مشهد أحدث الانتفاضة المناهضة لنظام الشاه في عام 1979 جيدا كيف سُرِقت “قيادة الإنتفاضة” من قبل “خميني” و “الدكتاتورية الحاكمة” وتسلطت دكتاتوررية أكثر سوءا على حكم إيران، ويدركون أن انتفاضة الشعب ضد الدكتاتورية الدينية الحاكمة تقوم على مثل هذا الدرس العظيم من الانتفاضة المناهضة لنظام الشاه والتي تمكنت من تُبقي قيادة انتفاضة الشعب عام 2022/2023 مصانة من السرقة، وتمكنت من هزيمة مؤامرات الدكتاتورية، وترتبط الآن أجيال المجتمع الإيراني القوية رباطاً قويا بـ “التنظيم الجماعي لقيادة الانتفاضة” الذي استطاع أن يبقي شعلة الانتفاضة متأججة في إيران ويعمل على الإستعداد لمرحلة أخرى من الانتفاضة موجهة خصيصاً نحو إسقاط  وإزاحة الدكتاتورية من الوجود في إيران،  وبمثل هذا التنظيم يمكن ضمان انتصار انتفاضة الشعب الإيراني والثورة في إيران ضد الدكتاتورية.
وهنا يتوجب على الحركات الشعبية والتيارات والتنظيمات الإيرانية الأصيلة والقوى الحقيقية المعارضة للدكتاتورية العمل على  تسريع التطورات المتعلقة بإيران وتحرير إيران من نير الرجعية والاستعمار بشعار “لا للشاه ولا للملالي” بغض النظر عن أي خلافات واقعة أو متصورة ، وإعادة إيران إلى شعبها لإقرار حكومة وطنية وديمقراطية.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…