جان كورد
ستة أحزاب تركية بخلفيات فكرية وطموحات سياسية مختلفة واستراتيجيات محددة في مجالات الإقتصاد والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة وموضوع الفساد والعلاقة بين الدين والحوكمة تواجه حزب العدالة والتنمية للسيد أردوغان الذي بدأ يفقد بريقه على أثر تحويله النظام البرلماني التركي إلى نظامٍ رئاسي ويمررالكثير من الإجراءات والسياسات من دون العودة إلى البرلمان، ويأمربغلق الصحف والمواقع الانترنتية المعارضة دون وجه حق ويرمي بالصحافيين وبنوابٍ منتخبين من قبل الشعب في السجون ويجعل من اقتصاد البلاد في قبضة العائلة والمقربين منه…
كما يقوم بمغامراتٍ عسكرية متتالية خارج حدود البلاد، ويدعم مختلف التنظيمات المتطرفة دينياً في حين يشدد قبضته العنصرية على الشعب الكوردي وممثليه، بحيث لم يجد حزب الشعوب الديموقراطية وسيلةً لمقارعة هذا الرئيس الذي ينتهج السياسة التي يمليها عليه حليفه الطوراني الفاشي باغجلي فلا يدفع بمرشحٍ خاصٍ له للرئاسة ويدعم حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كليجدارأوغلو الذي تعرّض عدة مراتٍ لمحاولات إغتيال فاشلة والذي يترأس تحالف الأحزاب الستة وهوالآن مرشحها للرئاسة على الرغم من كونه كوردي ومن الطائفة العلوية التي تواجه منذ تأسيس الجمهورية غبناً واضطهاداً في ظل الأكثرية المسلمة، على أمل إنهاء النظام الأردوغاني الإسلامي شكلاً والمتحالف مع الطورانيين الفاشيين عملياً، و على الرغم من أن الحزب الكوردي الذي لا يعتبر ذاته ممثلاً للكورد فقط وإنما لكل البلاد وهو حزبٌ قوي، بل أقوى من كل أحزاب المعارضة على انفراد، ومع ذلك لم تتم دعوته إلى التحالف السداسي، كما لم تتم دعوة الأحزاب الكوردية الأخرى مثل الديموقراطي الكوردستاني وآزادي الكوردستاني وحزب الحق والحزب الاشتراكي الكوردستاني، المؤمنة بتركيا ديموقراطية وحرّة ينال فيها الشعب الكوردي حقوقه القومية المشروعة دستورياً وفعلياً، وهي غير مؤيدة لسياسات أردوغان.
يرى المراقبون الرئيس التركي أردوغان وكأنه يعتقد بأن له الحق في ترشيح نفسه للرئاسة مرةً أخرى رغم أنه سبق ونال منصبه هذا لدورتين منذ عام 2014، ولا يسمح الدستورالتركي لدورة رئاسية ثالثة، ويزعم أنصاره أنه بتغييرالدستورالذي سمح له بجعل النظام رئاسياً، هي الدورة الأولى من قبل تغييرالدستور في خبركان في حين أن معارضيه يجدون ذلك محاولة استغباء للشعب، ولا يحق لأردوغان أن يرشّح نفسه من جديد، ويتهمونه بأنه نسبب بسياساته المضطربة، كما هي واضحة في علاقاته مع الدول العربية ومع ثورة الشعب السوري، وفي المجال الإقتصادي وموضوع اللاجئين السوريين وانهيارالعملة التركية وتعامله الفظ مع المعارضين وفشله الذريع في التعامل مع كارثة الزلزال المدمّر في تعريض البلاد الى أزمة خانقة وشبه إفلاس، في حين ينسب لنفسه النموالهائل لاقتصاد تركيا منذ توليه الحكم كرئيس بلدية استانبول أولاً وبعدها كرئيس وزراء ومن ثم كرئيس للبلاد، بحيث أصبحت تركيا ذات مكانةٍ مرموقة بين الدول الثرية، وأنه استطاع إيجاد موقع قدم للأتراك في ليبيا وسوريا وتمكّن من إنتاج الطائرات المسيرة (بيرقدار) المذهلة والتوسط في موضوع بيع القمح الأوكراني وتصديره عبر البحر الأسود بموافقة روسية وتمكنه من دعم الآذريين إخوته في العنصرأثناء الحرب بينهم وبين الأرمن أعداء تركيا التقليديين.
وفي الوقت الذي يضرب أردوغان على أوتار الطورانية في غرب البلاد، فإنه يستخدم الدين الإسلامي بين الكورد في شرق البلاد ويشق صفوف الكورد بخزعبلاته التي هي مزيج من الزعم بالكفاح العقيدي من أجل تحرير القدس والمساعي لدخول الاتحاد الأوربي (النادي الصليبي – كما سماه معلمه نجم الدين أربكان) حيث طموحاته في مزيدٍ من الرفاه والثراء وفرص العمل للأتراك، ومن الكلام المعسول عن أخوة الأتراك والكورد، الذي لم يطبّق منه أي شيء منذ أن انتزع الرئاسة بتغييردسنوري، إذ لا زالت القضية الكوردية في درج الإهمال والنسيان ولا مانع من ذكر أسم “كوردستان” في بعض الخطب التي يلقيها أمام نواب حزبه أو لدى زياراته للمدن الكوردية حيث تنتظره الملايين من الأصوات الإنتخابية للكورد المسلمين، وإنكار وجود منطقة اسمها كوردستان في تركيا في اليوم التالي بسخرية صارخة، تماماً مثلما صرّح الرئيس الإيراني قبيل إنتخابه مرةً في مدينة سنندج الكوردية “عاصمة شرق كوردستان” تصريحاً نارياً أمام عشرات الألوف من المواطنين الكورد بأنه مع حقوقهم ويجدهم أهل الثقافة والحضارة والثراء الإجتماعي، ثم استأذن الجماهيرالحاضرة أمام كاميرات التصويرليقول بصوتٍ جهوري باللغة الكوردية : “إسمحوا لي بأن أقول بژي كوردستان – عاشت كوردستان!!!”، فياله من نفاق رئاسي رصين!
المشكلة الآن في تركيا تكمن في أن السياسة التركية كالإيرانية قد فشلت في إيجاد حلٍ سياسي للقضية الكوردية التي صارت مع الأيام قضية هامة على الصعيد الدولي، تماماً مثلما الجيش التركي الذي هوالجيش الثاني في حلف النيتو، كما فشل الإرهاب الإيراني (الباسداران) في القضاء على جذوة الكفاح التحرري الكوردستاني، واتقادها على أثر قنل الآنسة جينا أميني وتحول الإنتفاضة إلى ثورة إيرانية كبرى بدأت من كوردستان، وهذا يضر باقتصاد الدولتين إيران وتركيا وباستقرارهما وأمنهما، في حين أن العراق يتقدّم بخطواتٍ هامة وحثيثة على طريق إزالة العراقيل أمام حل عادلٍ وصحيح للقضية الكوردية، رغم التدخلات الخطيرة السياسية والعسكرية لتركيا وإيران في الشؤون العراقية، وخاصةً بعد استفتاء الإستقلال في اقليم جنوب كوردستان،. بهدف منع الكورد من الوصول إلى حقهم القومي التام ضمن وحدة العراق وفي ظل سيادته الوطنية.
أما أن يستطيع التحالف السداسي في تركيا الجلوس مع ممثلي الكورد بهدف التوصل إلى نقطة البداية للسلام والاستقرار في البلاد من خلال منح الكورد ما يطالبون به ضمن حدود الدولة التركية ديموقراطياً وفيدرالياً، فهذا غيرمتوّقع لأن أهم حزبٍ فيه هو حزب الشعب الجمهوري حزب الطورانيين وزعيمهم الشهير مصطفى كمال الذي خلّف وراءه المجازرفي كوردستان بعد أن غدر بنواب الشعب الكوردي وأعدمهم جميعاً، والأحزاب الأخرى في التحالف، منها العنصري (الحزب الجيد للسيدة آغجنار) والأخرى من تشكيلات حزب الرئيس أردوغان المنشقة عنه مثل أحمد داوود أوغلو الذي كان رئيس وزرائه وعلي باباجان وزيرإقتصاده الناجح سابقاً… وما علينا سوى الانتظار لنرى هل سيتفق الكورد فيما بينهم ليشكلوا بيضة القبان في هذه الانتخابات التركية القادمة، كما لهم وزنٌ الآن في العراق!