من سرق الكُرة و اين ذهب يوم المباراة (على خلفية التوتر الراهن بين تركيا و إقليم كُردستان)

ڤـَــدان آدم

لابد من إعادة الكُرة إلى ملعب الفُرقاء الإقليميين (الكُرد، التُرك، العرب و الفرس) وإلا إنفجر الملعب على رؤوس الجمهور و اللاعبين على حدٍ سواء .
ان المراقب للحراك السياسي الصامت على مدى الأربع سنوات الأخيرة في المنطقة بصورة عامة و ذات العلاقة بالعراق و مستقبله السياسي بصورة خاصة، لا يحتاج للكثير من التحليل، ليدرك بان الدول الإقليمية من جيران العراق (باستثناء الجنوبيين منهم) متفقة على هدف مشترك يحتل أهمية بالنسبة لتلك الدول الثلاث، و هو منع تطور مكاسب الكُرد الحاصلة كأمر واقع بالنسبة لها.
لا يخفى على المتابع في هذا الشأن بأن امكانات كبيرة و مميزة تخصصها الدول المذكورة في هذا المجال و تستثمرها على مختلف الأصعدة السياسية و الأمنية بشكل خاص، بغية تأخير نمو و تطور الكُرد في العراق ما بعد صدام حسين، لحين إنهاء الشؤون و المسائل الداخلية العالقة في تلك الدول، و هي بالطبع الكُرد و مطاليبهم المتمحورة حول الحرية القومية و حقوقهم كشعب مُضطَهد و محروم من كافة الحقوق القومية العادلة و التي لا تزال تُمارس بحقه سياسات الإبادة و الإنصهار و أشكال التهجير القسري.
من يملك المفاتيح ؟
 لا يمكن لأية أنظمة إقليمية أو دولية تجاوز البارزاني في اية خطوة مُنتهجة بحق الكُرد نظراُ للثقل الروحي و السياسي الذي تمثله، و المُتفق عليه  بين الكُرد بصورة عامة، فالبارزانيون، الذين لم و لا يستطيعون اليوم القفز من فوق التراث المُثقل بقيم الأصالة و النخوة الكُردية، اللتان تتجهان في إنزياحهما لتغدوا رديفا آخر  لهم، في الذاكرة الكُردية، التراث الذي ورثوه عبر أجيال متعاقبة عن اسلافهم شيوخ النقشبندية منذ قرنين، و المبادىء المُستلة من تراث العائلة و قيم الكُردايَتي الحقيقية، التي ارسى دعائمها البارزاني الخالد (الأب الروحي في التاريخ و الصيرورة الكُردية) و تجاربه الكبيرة في اكثر من منعطف تاريخي على مدى عقود من الزمن، إضافة إلى التاريخ الثقيل لنضال العائلة في الساحة القومية الكُردية و الذي لا يقبل أو يسمح بالمساومة، المرفوضة قطعياً من لدن الكُرد، على حقوق الكُرد القومية و العادلة.


 إدراك هذه الحقيقة يساهم في تجلي الأبعاد التي يمكن ان يطالها، البُعبُع الكُردي  بحسب غير المُعلن للأنظمة الثلاثة، فهي تدرك و تشعر كذلك بالتهديد الذي يمثله، البارزانيون، على جهود أكثر من ثمانية عقود من سياسات الإمحاء و الإقصاء و الدمج القسري التي تمارسها،بل حقيقةً ببداية إنهيار ما تم بنائه بالضد من الطموحات الكُردية، بسبب التأثير القومي لإقليم كُردستان العراق على العمق الكُردي الذي يمتد في تلك الدول.
 من يُخفي الأقفال ؟
 في تركيا كان قد تم القضاء على الفكرة القومية الكُردية (بحسب مخططي السياسة الأتراك) منذ العام (1938) بُعيد القضاء على أخر الثورات الكُردية في (ديرسم – تونجَلي)، و تم تحوير الفكرة القومية لدى الكُرد إلى أفكار تنحو نحو الديمقراطية للبلاد و المساواة و العدالة الإجتماعية، ليغدو الكُرد تربةً خصبة للأفكار اليسارية و المدّ الشيوعي، و الذي يسهل التعامل معه بكافة الأشكال القمعية و بدون تدخل المنظمات الدولية في هذا الشأن الداخلي و الذي يلقى الدعم و الرضى التام من لدن المعسكر الغربي، الذي تنتمي تركيا إليه، و المؤثر في الساحة و السياسة العالمية حينها و اليوم أيضاً.
 إن حزب العمال الكُردستاني الذي ينحدر بجذوره الفكرية الأيديولوجية من التربة اليسارية والذي حمل شعاراتها ولا يزال في كثير من مفاصل الحزب الاساسية، بالرغم من القاعدة الجماهيرية الواسعة و التي لا تفقه حتى أسماء و رموز الفكر اليساري أو الماركسية و اللينينية، هذه القاعدة التي لا تحمل و تحلم سوى بحقها في تقرير المصير و العيش بسلام على أرضها التاريخية كُردستان، هي أيضاً تتصرف بناءً على قاعدة ردّ الفعل كما حزب العمال الكُردستاني المُتأسس بالأساس على هذه القاعدة، هذه القاعدة التي كانت و لاتزال رغبة عسكرية تركية بحتة، بل و صناعة عسكرية مُسجلة بإسمها (بالمعنى السياسي للفكرة)، لا تخدم اليوم و مستقبلاً سوى الهدف العسكري التركي المُتمثل في تجريد الكُرد من السمات الحضارية و المدنية و الديمقراطية و كذلك من العطف و المساندة الدولية لقضيتهم، من خلال السعي لإظهارهم كهمجيين و إرهابيين، مما يُسهل من مهمة آلة الإمحاء التركية، لا و بل إظهارها كحامية للديمقراطية و مُثلها أيضاً.
 إن الأمثلة و التجارب الكُردية مع الآلة الفاشية التركية كثيرة، فتارة بإسم الدين و تارة بإسم الأفكار الماركسية اللينينية، كان و لايزال الكُرد سبب بقاء القوة العسكرية التركية بهذه العنجهية، ففي الوقت الذي تمارس منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الديمقراطية الدولية ضغطاً كبيراً على تركيا تبرز القضية الكُردية التي يسهل إختصارها حالياً بحزب العمال الكُردستاني حلاً سحرياً  للفاشيين الأتراك،و ذلك بسبب إمكانات الماكنة الإعلامية و العلاقات الدولية و الإقليمية للدولة التركية.
 إن بقاء حزب العمال الكُردستاني بصورته و ممارساته الراهنة و التي تقود الأحداث لصالح الفاشية التركية و أداتها العسكرية المتمثلة في ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، والذي لا يوفر الأخير أية وسيلة ممكنة من أجل التخلص من أعباء جيش بهذا الحجم في حلف إستنفذ الكثير من مبررات بقاءه التقليدي، يفرض الكثير من التساؤلات و أدوات الإستفهام المُبهمة بشان حقيقة دور حزب العمال الكُردستاني و أولوياته السياسية أو القومية التي ينادي بها.
 فالحزب الذي كان ينادي حتى الأمس القريب بدولة كُردية مُستقلة بحدود كانت غامضة لدى قيادته السياسية، يعاني منذ أكثر من ثماني سنوات من إنعدام الوضوح و طغيان الضبابية و الزئبقية حيال الأهداف التي يناضل من أجلها.
 مما لاشك فيه ان قوات الأنصار(الكريلا) المُنتشرة في جبال كُردستان و التي تتحمل حتى اليوم ظروف و أوضاع قاسية و هائلة جداً، لا تهتم بشكل النظام السياسي الذي يجب ان يكون عليه الكُرد في دولته المستقبلية التي يحارب اليوم من أجلها، من أجلها فقط، و لكن في أطار رد الفعل المُستنمي لديه.
 ان دما ء شهداء كُردستان، و لا أقول شهداء الحزب، بات ثقيلاً جداً و يبحث في مُستحقاته على صعيد سياسة الحزب القومية و اهمية تلبية تلك السياسة المنشودة لحجم التضحيات الكبيرة التي قدمها شعب كُردستان و ضرورة نبذ الدوغمائية السياسية في أفكار و مفاصل الحزب الذي تغدو حاجته اليوم لسياسة قومية وطنية واضحة أكثر من أي وقت مضى.
 إنَّ تجربة جنوب كُردستان (إقليم كُردستان – العراق) بسنواتها الطويلة و نضالها الذي يُعتبر الأشرس، نظراً لشكل النظام السياسي الذي كان يحاربه و مصالح و علاقات ذلك النظام الدولية و الإقليمية، تُشكل تجربة غنية و هامة على صعيد النضال التحرري القومي و الوطني.
 إن الإستفادة من هذه التجربة و علاقاتها الدولية و الإقليمية الراهنة و المناخ العام العالمي يشكل أولى الخطوات الحقيقية في طريق حل القضية القومية الكُردية في إطارها الوطني و الإقليمي السليم.
 إن لعبة القط و الفأر و سياسات التهديد المتبادلة لا يمكن ان تؤدي سوى إلى نتائج مأساوية يدفع شعب كُردستان حصة الأسد من فاتورتها، و تتحمل المنطقة عموماً، للسنوات اللاحقة، الأثار التي ستترتب على أية مبادرات طائشة لا تأخذ العقلانية و الواقعية في حساباتها السياسية.
 إن تحمل حزب العمال الكُردستاني لمسؤلياته التاريخية في هذه  الظروف والمرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة، كقوة سياسية تدعي تمثيلها للمصالح القومية لشعب كُردستان، ضرورة مصيرية حتى بالنسبة لبقاء ومستقبل الحزب على أكثر من صعيد، كذلك يفرض القيام بهذه المسؤليات على الحزب (قياداته) التضحية بما كان يُعتبر حتى الأمس القريب من المحرمات، فقيام الحزب بدوره القومي و الوطني الشعبي و إحترافه العمل السياسي على الصعيدين الداخلي و الخارجي سوف يلغي الكثير من الخطوط الحمراء على المستويين القومي و الدولي مما يكسبه قوة سياسية فاعلة أكثر على الساحة التركية، ان الكفاح المسلح الذي لا يزال يتمسك به حزب العمال الكُردستاني هو العمل الأسهل بالنسبة للعديد من حركات التحرر القومية الوطنية في العالم، إن الجزء الأصعب من النضال القومي، يتمثل في العمل السياسي، و هو ما يدركه الجميع اليوم.
 لا تأتي الرياح بما تشتهيه السفن !
  القارىء الحصيف لمستقبل المنطقة السياسي، يُدرك اليوم، حجم الإنزلاق التركي في متاهة الشرق الأوسط الجديد، سياسياً في الظرف الراهن، و تتبادر إلى الأذهان المُغامرة العراقية بإجتياح الكويت بالرغم من الفارق الظاهري الكبير بين شكلي النظام العراقي، حينها، و التركي الحالي، إلا أن الفارق الحقيقي، و بالإستناد للقراءة السياسية في مجمل الوقائع و الأفاق الملموسة، هو إستعداد الأوربيين و الأمريكيين و الروس و العديد من الدول الإقليمية للتنازل عن الأتراك فيما إذا بدا أن الصراع سيتخذ منحىً قومياً، و كذلك الإستعداد لديهم لقبول حل يبدو للجميع حينها أخلاقياً في جانبه الإنساني، أي القبول بتشكيل كيان كُردي مستقل أو شبه مستقل و تحت مظلة شرعية دولية، و ضرورياً في جانبه السياسي و الإقتصادي سواء للكيان الكُردي و مستقبله أو للمصالح الدولية و الإقليمية الإستراتيجية في المنطقة.
 إن مقولات ” سعيدٌ من يولد تُركياً” أو “يولد التُركي جُنديا” لم تعد تلائم عصر ما بعد جدار برلين و إعادة هيكلة العالم و فق المصالح الإستراتيجية للقوى العظمى، كما يُدرك الساسة و القادة العسكريون الأتراك بأنه لم يعُد ملائماً أيضاً إستجداءهم المتكرر و الأشبه بإستجداء العاهرة المعمرة و الوحيدة في الماخور القديم، إن الشعور بالإهمال الذي يسيطر اليوم على القادة الأتراك و مخططي السياسة التركية، نتيجة تضاءل أهمية الدور التركي في المنطقة  بالمقارنة مع كلفته السياسية و الإقتصادية، قد يدفع بالساسة الأتراك إلى إتخاذ خطوات إستباقية لخلق الفوضى العامة في المنطقة، إنطلاقاً من الإعتقاد بأن إعادة ترتيب الأوضاع سيفرض أهمية بقاء الدور و العامل التركي في المنطقة.
 الدولة التركية التي، فشلت، و لم تستطع على مدى ثمانية عقود و نَيّف من إقناع جميع الأتراك بالأتاتوركية، ناهيكم عن القوميات العديدة من الكُرد و العرب و الشركس و الشيشان و غيرها و التي عانت الأمرّين من الأتاتوركية و تراثها الثقيل الوطأة، الذي حرص العسكر على إلزاميته في كافة مناحي الحياة، تصارع اليوم من أجل الحفاظ على ما يمكن إنقاذه في المستقبل الذي يبدو كئيباً لتركيا الراهنة، و هو صراع شرس يبدو ان العسكر قد حسموا مسألة المضي فيه.
 من الغباء السياسي عدم إدراك المتغيرات الكبيرة التي تحدث كل يوم في المنطقة، كما أنه من الغباء أيضاً تناسي معرفة و إدراك الساسة الأتراك للحقائق و النتائج التي قد تؤدي اليها السياسة الحالية و المتمثلة في وضع العصا في العجلة التي تقودها أمريكا، كما يدرك السياسيون أن سياسة الهرب إلى الأمام ” التركية ” أيضا لا تؤدي سوى إلى نتيجتين لا ثالث لهما، فإما إعادة تركيا إلى الحقبة التي تلت الحرب العالمية الأولى و القيام بعمليات فرز جديدة بحسب المصالح الناشئة حينها، أو إعطائها فرصة زمنية أخرى لا تقل عن خمسة عقود من الزمن، و ذلك لإتمام وصية أتاتورك في صنع و صيانة تركيا التركية (علم واحد، شعب واحد و لغة واحدة).
 الجميع يعلم بأن تركيا ليست بهذه الدرجة من الغباء للقيام بهذا العمل المتهور و من أجل أية أهداف كانت، فلا الخلافات السياسية الداخلية أو مطالبتها بنسبة من واردات البترول العراقي و لا القضية الكُردية التي تتطور يوماً إثر أخر و تشكل الخنجر الحقيقي المغروز في خاصرتها، يمكن ان تدفع تركيا الى القيام بهذه الخطوة التي لا يستطيع أحد التكهن بأثارها  أو تَبعِاتها .
 كما يُخطىء من يظن بأن تركيا توشك على الإنتحار بتنفيذها لتهديداتها المُتمثلة في إجتياح إقليم كُردستان – العراق، فالأمر أشبه بمقامرة بصورته الصحيحة، تضع تركيا فيه كافة حساباتها و توقعاتها بعين الإعتبار و المتمثلة في:
 1-  فتح جبهة عسكرية مع الكُرد على مساحة جغرافية تربو على الثلاثمئة ألف كيلومتر مربع و بطول ألاف الكيلومترات .
 2-  تأجيل فكرة إنضمام تركيا الى الإتحاد الأوربي إلى أمد غير معلوم .
 3- وضع علاقاتها الدولية على المحك و بصورة خاصة مع حُلفائها .
 4-  إشعال فتيل حرب إقليمية أو عالمية لا يستطيع أحد التكهن بنهايتها أو نتائجها .
 5- إغراق تركيا و إقتصادها في المديونية الخارجية.
 و القيام بعملية مزايدة، تحترفها تركيا، مع المصالح الدولية في المنطقة بصورة عامة و العراق بشكل خاص، بغية إستحصال مكاسب سياسية و إقتصادية ترى بأنها تستحقها، من موقعها الراهن كحليف للقوى التي تمثل تلك المصالح في المنطقة.
 من يزرع الرياح تجنيه العاصفة:
 الجميع في الدول الثلاث المُقتسمة لكُردستان تستشعر خطورة تطور الكُرد في العراق و تجربتهم السياسية و تاثير هذا التطور و إنعكاساته على الأمن و الإستقرار الداخلي للبلدان الثلاث، بإضافة هذا العامل إلى الأهداف و النوايا الأمريكية في المنطقة، يبدو تحالف الأعداء و سعيهم لتهديد التوازنات الدولية الراهنة أمراً منطقياً، خاصة إذا كان سيمنح التوازنات الإقليمية الراهنة قوة إضافية لإستمراريتها.
 فإضافة إلى تركيا تعاني كل من إيران و سوريا إنقسامات و معارضة داخلية كبيرة و ضغوطات دولية هائلة تتمحور حول نقاط أساسية في الرؤية الأمريكية و الدولية، و هي قضايا إيواء و دعم المنظمات الإرهابية و الإغتيالات، الأسلحة النووية و الكيماوية، التدخل الغير قانوني في الشؤون الداخلية لدول تملك مواصفات الحساسية الدولية مثل لبنان و فلسطين و العراق، ملف حقوق الإنسان و الحريات و الديمقراطية و تهديد الإقتصاد العالمي.
 بحسب مخططي السياسة في الدول الثلاث، يبدو عامل التدخل الدولي أو إستحضار حرب أو مواجهة عسكرية مباشرة مع كل واحدة منها و بغطاء دولي، أمراً صعباً للغاية لا يمكن تحقيقه على المدى القريب في ظل سياسة الإحتواء الخجولة أو الكرّ و الفرّ السياسي المُتبعة بينها و بين المجتمع الدولي الذي يقوده التحالف العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، المتردد أصلاً،  مخافة إنفلاش الإصوليين الإسلاميين و التكلفة الباهظة التي ستنجم عن عمليت محاربتهم و تحييدهم.
 لذلك فإن نقطة الضعف المشتركة لخلخلة تماسك و توازن الدول الثلاث هم الكُرد الذين يشتهرون عبر التاريخ ببصماتهم على الأحداث الحاسمة في تاريخ المنطقة و كذلك لسهولة إنقيادهم للعمل مع القوى الخارجية ضد تلك البلدان بسبب تاريخ القمع و الإضطهاد و المجازر و سياسات الإبادة التي يتعرضون لها في هذه الدول.
 بما أن كُرد العراق يملكون علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية و عدد من حلفائها من جهة، و يملكون القدرة السياسية و الإجتماعية على تحريك الكُرد في الدول الثلاث متى ما إقتضت الظروف من جهة أخرى، إضافة الى مكانتهم في العراق الحالي و قدرتهم من خلال هذه المكانة من إقامة العلاقات الدولية و كسب الحلفاء لقضية الكُرد القومية و السياسية، فإن مسألة تعريض هذه الدول الثلاث لمخاطر الإنقسام على الشاكلة العراقية، أو غيرها، بات مسألة وقت لا أكثر بنظر الساسة في تلك الدول.
 مُداعبات الشياطين ….

أم تغليب الأهون:
 الملفت لنظر متابعي السياسة ان تقوم كل من سوريا و أيران بمباركة الخطوة التركية المزمعة لغزو إقليم كُردستان – العراق، فالحسابات العالقة و الصراع التاريخي بين كلتا الدولتين مع تركيا لم ينتهي بعد أو بالصورة المرضية لهما على الأقل، فأن تعلق تركيا في الفخ الكُردي و أن تسوء علاقاتها مع حلفائها و في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، هو غاية هاتين الدولتين، ذلك لما يمكن أن تشكله تركيا فيما إذا أُتخذت أية إجراءات دولية أو فردية من قبل أطراف حليفة لتركيا ضد هاتين الدولتين، المرشحتين لذلك وفق الرؤية السياسية الدولية.
 تكمن غرابة هذه المباركة من الوضع الدولي الحرج الذي تعانيه كل من سوريا و أيران، كما و أنه يبدو غباءً سياسياً بحتاً، فأن تباركا تدخل دولة في شؤون دولة أخرى، و الأنكى أنه تدخل عسكري، يعني التوقيع على صك الإعدام لنظاميهما المُثقل بالإتهامات و القرائن الدولية حول دعم المنظمات الإرهابية و تصديرها و تنفيذ الإغتيالات السياسية و تهديد السلم العام في المنطقة بصورة خاصة، فتوسيع دائرة المستنقع العراقي بالنسبة للأمريكيين و زجّ حليفتها تركيا فيه، عملية حسابية خاطئة لم يتقنها ساسة أيران و دمشق، وذلك لإمكانيات المجتمع الدولي و الولايات المتحدة في الضغط على تركيا لإيجاد حلول سياسية للقضية الكُردية فيها أو تحجيم العملية العسكرية التركية ضد مقاتلي العمال الكُردستاني بصورة لا تسبب أية أضرار سياسية لكُرد العراق و في أقصى الحالات العمل على إحتواء كُرد العراق لهذه الأزمة من خلال القيام بتلك العمليات العسكرية تحت إشراف الجانبين الأمريكي و العراقي.
 هل ستغزو تركيا إقليم كُردستان ؟
 من المستبعد قيام الحكومة و المؤسسة العسكرية التركية  تنفيذ أية عمليات إجتياح للجانب العراقي بدون تلقي الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية و قبول السلطة السياسية في إقليم كُردستان – العراق، التي يبدو إقناعها محالاً، و ذلك للغموض الذي يكتنف الأهداف التركية في إقليم كُردستان و الغايات السياسية الحقيقية وراء هذا التصعيد التركي و الذي لا يشكل العمال الكُردستاني و مسألة ملاحقته و إبادته سوى فقرته المُعلنة إعلامياً، كما أن تجاوز هذين الطرفين سوف يقود العلاقات الأمريكية و التركية إلى أفاق مُعتمة على الأصعدة السياسية بأقل التقديرات من جهة، و يفتح باب الصراع القومي بين الشعبين الكُردي و التركي و هو صراع لا يمكن لأحد التكهن بزمن و شكل نهايته أو النتائج التي ستترتب عليه.
 كما أن فصل الشتاء الذي يُعدّ أحد أصدقاء الكُرد إلى جانب جباله، على الأبواب، و هو عدوٌ أشرس بكثير من المقاتلين الكُرد بالنسبة للأتراك.
 الوحدة السياسية الكُردية التي ستنجم عن مثل هذا الإجتياح سوف تكون لها مردودات سلبية أكثر من المكانة التي يحتلها إقليم كُردستان – العراق، أو الخطر الذي يمثله العمال الكُردستاني، على تركيا و مستقبلها .
 من البديهي القول بأن الساسة الأتراك يدركون ما تم ذكره أنفاً فلماذا الإصرار التركي على الغزو، و ما هي الأهداف التي يمكن أن تحققها تركيا بهذا الغزو و تضاهي الخسائر المباشرة و غير المباشرة التي ستتكبدها الدولة التركية جراء هذا الإجتياح ؟
 تركيا تدرك المخفي وراء الأكمة منذ الإنهيار السوفييتي، و تدرك بأن دورها كشرطي لم يعد بالأهمية المتفقة، و الأهم أنها تدرك بأن عجلات و مقص  الشرق الأوسط الجديد سيمّر من منتصف جغرافيتها، و هو ما دفعها لإعداد الذهنية التركية منذ أكثر من عقد و نَيّف على ضرورة التصدي لكل من تسول له نفسه الإضرار بتركيا، بما فيهم أهم حلفائها، الولايات المتحدة الأمريكية .
 هل تتخلى أمريكا عن تركيا و لصالح من ؟
 المُعلن عن مشروع الشرق الأوسط الجديد في السياسة الأمريكية، لا يترك أي مجال للتشكيك بأن تركيا بوضعها الحالي هي عقبة مزعجة أمام إنجاز ذلك المشروع، و لكن تركيا هي ثاني أهم حليف للولايات المتحدة الأمريكية بعد إسرائيل، كما أنها في نفس الوقت، أهم مبررات عدم تفكك دول مثل أيران و العائق الرئيسي أمام الدخول إلى الأسواق الجديدة في الجمهوريات السوفيتية السابقة و ربطها المباشر مع المصالح الأمريكية، كما أن سياساتها الإقليمية و الداخلية أصبحت أكثر من مزعجة للعديد من حلفائها بما فيهم أمريكا.
 الجانبان الكُردي و التركي يدركان بصورة جيدة الأبعاد الحقيقية للمصالح الدولية بشكل عام و الأمريكية بشكل خاص في المنطقة، و يدركان بأنه لا مفرّ من المواجهة بينهما مهما جرى تأخيرها.
  الصبغة القومية للصراع التركي – الكُردي و السمعة الدولية لمأساة الكُرد في مقابل السمعة الدولية للدول المُقتسمة لأرضهم و وطنهم، يؤمنان مساحة كبيرة من المراوغة السياسية و إبداء الدعم بأشكاله من قبل الولايات المتحدة و حلفائها للكُرد، و إجبار تركيا على القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية في الداخل التركي و ذلك بعد تقليص دور المؤسسة العسكرية فيها.
 متى يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تبادر إلى إتخاذ مثل هذه الخطوات ؟
 الولايات المتحدة الأمريكية لا تساعد من لا يساعد نفسه، ليس شعاراً و انما نهج تسير عليه البلاد منذ تأسيسها، فالكُرد هم من يملك زمام المسألة و هم من يقررون في حقيقة الأمر دورهم المستقبلي في المنطقة و تبعاً لتصرفهم تملك الولايات المتحدة مساحة تحركها و البدائل المُتاحة في سياستها الدولية تجاه التطورات التي ستشهدها المنطقة حينها، فهي في النهاية لن تدافع عن الكُرد إلى ما لا نهاية إذا لم يكُن الكُرد جاهزين للدفاع عن قضاياهم و مصالحهم قبل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما في ظل العروض الكثيرة التي تتلقاها بهذا الشأن، فإدراك الكُرد لمعادلات القوة في المنطقة و مكانتهم فيها كفيل اليوم بصياغة مستقبلهم غداً.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…