أحمد مرعان
أخوان، ضاق بهما الحال، وصدرت عنهم الآهات والأنات، تشاورا بالأمر مرات ومرات، للبحث عن سبل تنتشلهما من الفقر والجوع والعوز ، توالت لقاءاتهما على أمل إيجاد بصيص أمل ينقذهما مما هما عليه ، وأخيرا توصلا إلى قرار لا رجعة فيه الا وهو الانتشار في أرض الله الواسعة للبحث عن عمل يقيهما الجوح والحاجة والسؤال، فأصبحا يتنقلان بين القرى المجاورة بحثا عن أي عمل، لكنهما هيهات أن يحظيا بشيء من هذا ، إلى وصلا إلى تخوم قرية ، وهنا استوقفت شعيط فكرة ، بألا يكونا ضيفين ثقيلين على البيت الواحد نفسه من أهل القرية المزارة ، وقررا أن يفترقا من الآن كلّ منهما في حال سبيله على أمل أن يلتقيا فيما إذا تحسن حال أحدهما أو كليهما بعد فترة من الزمن ويكونا عونا لبعضهما بعضا ..
فطال بهما الضياع ، وفي أحد الأيام وصل شعيط إلى قرية كبيرة تبدو على منظر بيوتها ملامح الترف وحسن الحال لوجود ملك يداري رعيته بعناية ودراية..
وللعلم شعيط رجل عريض المنكبين، ضخم الحجم:
طول وعرض متناسقان ، شارباه كثيفان يدلان على رجولته ، فأخذه الفضول بأن يقف على باب قصر الملك يسأل ضالته بغرض البحث عن عمل مأمول ، استوقفه حراس القصر ، و كان الملك ينظر من نافذة قصره في الدور الثاني متعجبا من ضخامة هذا الرجل الغريب، فصاح بهم الملك، من هذا الذي يقف بالباب وعما يبحث وماذا يريد ، فأجابه أحد الحراس بأنه يبحث عن عمل ، فأجاز له الملك بالدخول والمثول أمامه ، فتقدم برفقة الحراس نحو الملك منحنيا مبديا الطاعة ، فسأله الملك أسئلة عدة ، وعما يستطيع القيام به من عمل ، وهنا أجابه شعيط أنه ليس من عمل معين يمتهنه ، إنما هو رهن طلب الملك بما شاء ويريد ، ونظرا لطول قامته وضخامة جسمه، قرر الملك أن يعينه مرافقا له ومن ضمن طاقم حمايته الشخصية ..
مرت الأيام والسنون وشعيط يخلص للملك وأحيانا يرشده برأيه المتواضع إلى أن عينه الملك مستشارا لإعجابه بصدقه وحسن نواياه الطيبة..
مرض الملك وأحس بقرب أجله ، فناداه الملك وأمام حاشيته قائلا: ربما دنا الأجل، أريد أن أوصيك بالزواج من ابنتي الوحيدة والحفاظ عليها، وعلى أن تكون الملك من بعدي..
وبعد رحيل الملك إلى جوار ربه، أصبح شعيط يصدر القرارات بما يراه ويناسبه للحفاظ على كرسي الملك الموروث ..
أما معيط فلم تتحسن به الحال نهائيا، فقرر أن يسأل عن أخيه شعيط الذي غاب عنه سنوات طويلة، ولا يدري بأي حال يكون الآن ، وبدأ يسأل ويتنقل من قرية إلى أخرى لعله يحظى برؤية أخيه الغائب إلى أن وصل ديار ملك الغفلة ، فوصف شكل أخيه واسمه ، فاجابوه بأن هذه المواصفات التي يتحدث بها تنطبق على ملكنا، ولكن لا ندري ما اسمه، فأصر معيط على مقابلة الملك، وعندما تقابلا تعرفا على بعضهما وراحا يحتضنان ويتبادلان القُبلات ، وقرر الملك شعيط أن يكافئ معيط بوزارة الدفاع، فبكى معيط ، فنادى الملك على رئيس ديوانه بأن يسند إلى معيط وزارة المالية بالوكالة إضافة لمهام وزارة الدفاع ، فكان بكاء معيط أكثر مرارة مما سبق ، فظن شعيط بأن معيطا يرغب بمهام أكبر كونه أخا الملك ، فأردف قائلا لرئيس ديوانه بأن يسند إليه أيضا مهام وزراة الزراعة ، فأشتد به البكاء والنحيب والعويل ، فتقدم جلالته من وزيره المستحدث ، لماذا كل هذا البكاء أخي ، أيها الوزير الموقر ، فأجابه معيط ، والله ياأخي أنا لا أبكي على الوزارات ، لكني أبكي على أناس يقودهما شعيط ومعيط ..
هذا حال الشعوب المضطهدة والمقهورة والمغلوب على أمرها بملوك وسلاطين وأمراء ورؤساء وقيادات تصدر قراراتها وفق ما يحلو لها وتخدم مصالحها على حساب دم وقوت الشعوب، وتدعي بطولات وهمية بعد أن كانت وبالا وسببا في الوصول إلى هذه الحالة المزرية ../ ..
( مستوحاة من حكايا قديمة ذات معنى )