ما العمل بعد كل الذي حصل؟

 جان كورد

في كل عام، عندما يطل علينا شهر آذار، نكاد نصاب بالصدمة من كثرة ما يأتي لنا معه بالأحزان والآلام، كما يأتينا بالأفراح والسرور، فإن أغلب ذكريات وانتصارات وإنكسارات الأمة الكوردية في هذا الشهر، ولا حاجة لنا بالتفصيل هنا، فالكوردي يعلم مدى أهمية هذا الشهر الذي له جذور قوية في عمق وعيه السياسي وفي تاريخه المخضّب بدماء شهدائه. 
وإن آخر جوقةٍ من شهداء هذه الأمة المغدورة هم أربعة إخوةٍ شهداءٍ سقطوا برصاص الحقد والكراهية والعنصرية والإرهاب الديني أمام خيمتهم التي لجأوا إليها على أثر الزلزال الذي دمّر منزلهم المتواضع في بلدة جنديرس الكوردية في غرب كوردستان. 
وعلى الرغم من شدة الطغيان الذي تمارسه الفصائل المسلحة، مرتزقة الإحتلال التركي البغيض ضد شعبنا لدرجة أن بعض المراقبين يجدون إنتهاكات هؤلاء المجرمين المتدثرين بالدين أشنع مما فعله المغول والتتار عندما غزو العراق وسوريا، فإن شعبنا في منطقة جبل الكورد / عفرين لم يعد يتحمّل كل الجرائم المتتالية الواقعة على أفراده، فانتفض إنتفاضة حقيقية أظهر عبرها الوجه القبيح لسلطة الإحتلال التركي التي حاولت وتحاول التستّر على إجرام مرتزقتها، وذلك بهدف الإمعان في إضطهاد الكورد بغية تهجير من تبقّى منهم في المنطقة وتشبّث بمنزله وأرض آبائه وأجداده، وتعمل على تصوير إرهاب هذه المجاميع المتحاربة فيما بينها والقادمة من مناطق بعيدة عن جبل الكورد بهدف السلب والنهب وطرد المواطنين الكورد من ممتلكاتهم على أن إنتهاكاتهم اليومية ما هي إلاّ “أعمال فردية غير مقبولة!” من دون إجراءاتٍ حاسمة ضد طغيانهم الذي يستهدف الوجود الكوردي.
ومع الأسف، برز بعض الكورد ممن باعوا أنفسهم للشيطان وتشربوا نزعة الولاء للمحتل الطوراني، ليأخذوا موقعهم ضمن جوقة “التمييع!” لما جرى للضحايا الشباب من عائلة (بيشمرك) الذين لم تكن في أيديهم أسلحة ليدافعوا بها عن أنفسهم لدى الهجوم الإرهابي العنصري الحقير عليهم في ليلة نوروز، حيث لم يتوقعوا ذلك العدوان وهم يسعون للإحتفال بعيدهم القومي نوروز.
بدأ الكورد في شتى أنحاء العالم، وفي منطقة عفرين قبل الجميع، بالتظاهر والإحتجاج والإستنكار لتلك الجريمة الدموية الوحشية، ولا زالوا بتظاهرون هنا وهناك ويرفعون المذكرات التي تفضح انتهاكات الفصائل الإرهابية في عفرين وقراها لحقوق الإنسان والتي تحدث تحت مظلة سلطة الإحتلال التي لا تقوم بواجبها المنصوص عليه في القانون الدولي، وأوصلوا صوت شعبهم إلى مختلف المنظمات الدولية المهتمة بقضية حقوق الإنسان وجرائم الحرب واضطهاد الأقليات وكذلك المتعلقة بالمرأة والأطفال. ولكن يبدو أن هذه المنظمات الدولية تغمض عيونها عما يتعرّض له شعبنا الكوردي في حين تساهم في تقديم رؤساء دول للمحاكم الدولية بسبب جرائم ارتكبوها في بلدانٍ ذات شأنٍ أهم لها من كوردستان وشعبها.
فماذا علينا القيام به حتى تتوقف الهجمة الشرسة على شعبنا في منطقة جبل الكورد بعد أن علمت الدنيا بما حدث ويحدث فيها على أيدي قوى الشر والإرهاب؟
– هل يكفي القول بأن شعبنا ذو وعيٍ وإدراك ويعلم ماذا يجري حوله وسيتصرّف لدفع الظلم والعدوان بجرأةٍ وواقعية؟ 
– وهل على هذا الكم الهائل من جالياتنا الكوردية في شتى أنحاء العالم أن نجلس في بيوتنا وجمعياتنا ونقول: شعبنا هو الأساس وعلى قواه في الداخل نبني سياستنا؟ 
– أم نستمر في مشاحناتنا وشجاراتنا ونزاعاتنا التنظيمية وطرح نظرياتنا وإلقاء عبء مهمتنا القومية والإنسانية على غيرنا، ونحن أقرب الناس إلى أهلنا في عفرين المحتلة؟ بل نحن من أبنائها وبناتها الذين ولدوا واللواتي ولدن فيها؟
إن كل المشاحنات بين هياكلنا الحزبية وتجمعاتنا المدنية ومواقعنا الكلامية في عالم الديغيتال لن تقدّم شيئاً ملموساً لشعبنا، وإنما التوقّف عن كل ما يعيق وحدتنا الوطنية من فوق جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وذلك لأن وجودنا القومي في منطقة عفرين في خطر. 
ولكن كيف نحقق هذه الوحدة المنشودة؟
هذا يمكن تحقيقه عندما نؤمن فعلاً بأهمية واجبنا القومي، نحن الذين نعيش في عالم الحرية والديموقراطية، ونحرر أنفسنا من ربقة التنظيمات التي صارت للبعض منا أقفاصاً نفسية لا يستطيعون التحرر منها، ونبدأ بتجميع قوانا في بوتقة نضالية واحدة بعيداً عن حياة الأسرى في  السجون الحزبية الضيقة. فالمشاركة – كمثال بسيط- في مظاهرة لا تحتاج إلى إذن من العائلة ولا من المسؤول التنظيمي، ومنظّمو المظاهرة إن أرادوا بندائهم للكورد تعزيز مراكزهم الحزبية وتقوية مرابضهم التنظيمية أو الشخصية فإنهم يرتكبون “خيانة!” إن استمروا على نهجهم الانتهازي الأناني. 
فهيا إلى العمل المشترك أيها المناضلون ولا تهتموا بالفلاسفة كثيرا…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…