شاهين أحمد
نعود من جديد لاستكمال الكتابة في الجانب السياسي بعد أن خصصنا حلقة استثنائية ( الجزء الخامس ) من هذه السلسلة لموضوع محدد في الجانب التنظيمي والذي سنعود إليه في وقت لاحق بعد الانتهاء من الجانب السياسي، و نلفت عناية الرفاق الأعزاء والمهتمين الأكارم إلى أننا سنخصص هذا الجزء حول التلازم بين مساري النضال القومي الكوردي والوطني السوري ،و من هم شركائنا ؟. وماهي رؤيتنا التي يجب أن تتقاطع وتتكامل مع رؤية هؤلاء الشركاء من مختلف المكونات حول شكل الحل للأزمة في سوريا ومستقبلها وهويتها وشكلها وطبيعة نظام الحكم فيها، والعلاقة بين الدين والدولة، والموقف من وجود وحقوق مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية وفي مقدمتها قضية الشعب الكوردي ؟.
مسألة التلازم بين مساري النضال القومي الكوردي والوطني السوري كان جزءاً أساسياً من عمل ورؤية ووثائق كافة الأحزاب الكوردية السورية منذ تأسيس التعبير السياسي – التنظيمي الكوردي الأول قبل ستة عقود ونيف وحتى اليوم . وكانت تلك الرؤية نابعة عن قناعة و قراءة واقعية لأوضاع المنطقة وموقعها الجيو – سياسي، وصعوبة التوجه نحو تغيير الخرائط التي وضعتها الدول العظمى بما تتوافق ومصالحها الاستراتيجية، بمعنى أن أي تحرك باتجاه تغيير الخرائط كان يعني إعلان المواجهة مع الدول العظمى قبل الانظمة التي تقتسم كوردستان، لذلك كانت مطالب الأحزاب الكوردية السورية موضوعية وواقعية وضمن وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها وحدودها السياسية والإدارية، وكان النضال الوطني الديمقراطي جزءاً أساسياً من نضالها. وبما أن الشعب الكوردي في سوريا مع جزء من وطنه كوردستان ألحقا بالدولة السورية نتيجة الاتفاقيات الدولية الموقعة بين المنتصرين في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وخاصةً سايكس – بيكو لعام 1916 ولوزان لعام 1923وأن الحقوق القومية المشروعة تتحقق وتبقى مصونة عند التخلص من الاستبداد والشوفينية وإقامة البديل الوطني الديمقراطي ، وبما أن القضية الكوردية في جوهرها قضية شعب مظلوم وهي قضية وطنية أساسية تخص كافة الوطنيين الشرفاء المؤمنين بالعيش الحر والمشترك لذلك ومن هذا المنطلق كان حزبنا وحركتنا التحررية جزءاً أساسياً من الحراك الوطني المعارض الذي ناضل ومازال من أجل التخلص من الاستبداد والشمولية وإقامة البديل الوطني الديمقراطي القائم على الشراكة والتوافق والمعبر عن طموحات كافة مكونات الشعب السوري، ولهذا الهدف انخرط في الحراك السلمي الثوري الذي انطلق في أواسط آذار 2011، ولنفس السبب إنضم حزبنا ومن خلال المجلس الوطني الكوردي في الإطار السياسي الرسمي والرئيسي للمعارضة الوطنية المتمثلة في الائتلاف المعارض والذي حظي في بداياته باعتراف دولي واقليمي واسع وبدعم شعبي كبير وذلك من خلال وثيقة موقعة بين الطرفين تم الإشارة إليها وخاصةً لفقراتها المتعلقة بالوجود الكوردي في سوريا واستحقاقاته القومية في حلقات سابقة من هذه السلسلة . ونود أن نكرر هنا رؤيتنا حول الأزمة السورية التي في جوهرها أزمة سياسية إنفجرت نتيجة سياسات البعث الشوفينية الإقصائية التي ظلمت شرائح واسعة من الشعب السوري وحرمت مكونات أساسية من حقوقها والمشاركة في إدارة بلدها، واعتمدت العنف في تعاملها مع مطالب الشعب المشروعة فتراكمت الأخطاء طوال ستة عقود وفقد الشعب أي أمل في إمكانية الإصلاح فخرج ليعبر عن رفضه لهذه المنظومة وسياساتها. لكن نظام البعث لم يغير سلوكه واعتمد الحل الأمني – العسكري في تعامله مع المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين الأمر الذي أدى إلى انزلاق البلد بكامله نحو مستنقع العنف والسلاح وساعده في ذلك غالبية أجنحة الأسلمة السياسية، وفتح الباب أمام التدخلات الدولية والاقليمية ، حيث تحولت الساحة السورية إلى ميدان لتصفية حسابات الدول على حساب الشعب السوري وممتلكاته ، وفُتحت أبواب سوريا على مصراعيها حيث دخلت إلى سوريا كل أنواع الميليشيات المعولمة العابرة للحدود الدولية ، وتحول الصراع من صراع بين الشعب ونظام البعث إلى صراعات طائفية ومكوناتية وحروب مناطقية وأهلية ، وصراعات بين مختلف الأدوات على الثروات والمعابر وتجارة الممنوعات على اختلاف انواعها الأمر الذي أدى إلى دمار الكثير من حواضر سوريا وبنيتها التحتية ، واستشهاد مئات الآلاف من السوريين ومن مختلف المكونات ، وكذلك عشرات آلاف المفقودين والمغيبين قسرياً ، وتهجير أكثر من نصف سكان سوريا بين نازحين في الداخل ولاجئين في المهاجر والشتات ،وتفاقمت الأوضاع يوماً بعد آخر ، وخاصةً بعد فشل كل المبادرات، وتوقفت العملية السياسية التي علق السوريين عليها آمالاً كبيرة وفق بيان جنيف1 لعام 2012 والقرارات الدولية ذات الصلة وخاصة القرار الأممي 2254 لعام 2015 وبإشراف ورعاية أممية. ونعلم جيداً أن سوريا ورثت عن الانتداب الفرنسي مؤسسات مدنية لنظام الحكم ، لكن تلك المؤسسات كانت ضعيفة في مواجهة مؤسسة عسكرية شغوفة ومتلهفة للسيطرة على الحكم والتحكم بكامل مقاليد السلطة في البلد. وبما أن نظام البعث كان ومازال يعتمد على جملة مرتكزات ايديولوجية – حزبية شوفينية وكذلك أمنية وعسكرية لحمايته والسيطرة على المفاصل الأساسية للمجتمع السوري حيث شكل البعث الواجهة السياسية – المدنية للنظام، بينما تولت المؤسسات العسكرية والأمنية مهمة حماية الحكم ، وتكررت هذه الازدواجية في الشأن الاقتصادي حيث اعتمد النظام على فرض سياسة إقتصادية شبه اشتراكية شكلاً على المجتمع السوري، وتبنى النهج الرأسمالي في تعامله مع السوق العالمية. وقد عمد البعث في مختلف مراحل حكمه على ذات النسق وعين الفلسفة ، ورسخ حافظ الأسد السيستم الذي ورثته سوريا عن مرحلة الانتداب الفرنسي من خلال حكم مدني ضعيف، وأحزاب سياسية شكلية لا تملك نظرية سياسية ناضجة ومختلفة عن رؤية البعث ، وبقيت تلك الأحزاب عاجزة عن تمثيل الشارع والتصدي لمطاليبه والوقوف في وجه المؤسسة الأمنية والعسكرية اللتين شكلتا المرتكز والقاعدة الأساسية لهرم السلطة لدرجة بدأت المؤسسات الأمنية والعسكرية تتغذى على المؤسسات المدنية للإدارة والحكم وتلتهمها واحدة واحدة. بعد رحيل الأسد الأب وانتقال السلطة والحكم إلى ابنه الشاب بشار الأسد ،توسمت شرائح واسعة من السوريين خيراً وأملاً في التغيير والديمقراطية، وعرفت سوريا في بداية عهد الأسد الإبن ربيعاً قصيراً جداً وحراكاً فكرياً من جانب بعض الشخصيات السياسية المعارضة والنخب الفكرية حيث أقيمت الندوات وتأسست المنتديات الأدبية – الفكرية ، إلا أن الربيع المذكور لم يدم طويلاً وسرعان ماتحول إلى شتاءٍ قارص حيث تمكن الحرس القديم من تطويق الانفتاح النسبي القصير ، وبدأت حملة اعتقالات في أيلول 2001 طالت العديد من تلك النخب ومرتادي المنتديات. ومعلوم أن سورية ظلت على مدار أكثر من نصف قرن تعاني من أحادية حزبية ( حزب البعث )، وتعددية مكذوبة ( الجبهة الوطنية التقدمية ) ولم يسمح ببروز قوى سياسية معارضة فضلا عن منع انتشار الوعي الوطني السياسي، وتعطيل عجلة التنمية الفكرية والثقافية والاجتماعية طوال ستة عقود في كامل مساحة البلد.وبعد انطلاقة الثورة وتأسيس عشرات المنصات المدنية الثقافية والمنابر والمواقع الإعلامية و عشرات التنسيقيات الشبابية التي قادت الحراك الثوري ورفعت شعارات وطنية كانت بمثابة بعث الروح من جديد في نفوس السوريين ،وعودة بعض الشخصيات الأكاديمية السورية التي كانت تعيش في المهاجر والشتات للمشاركة في تشكيل الأطر السياسية المعارضة ورفع الجميع شعارات مختلفة إلى حد ما عن تلك التي فرضها البعث على السوريين حيث تأملنا خيراً بحدوث تغيرات ربما تكون عفوية وغيرمدروسة في بدايتها ، لكنها جديرة بدعمها والوقوف إلى جانبها والمشاركة الفاعلة فيها أملاً في حدوث بعض الاختراقات في المنظومة المشوهة التي بناها البعث طوال حقبته .هذه الظاهرة الجديدة شكلت بارقة أمل لتشكيل لوحة سورية مستقبلية مختلفة عن حقبة البعث، إلا أن المشهد بدأ يتراجع ويشوبه الارتباك والتردد شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت ،بعد سيطرة التحالف الذي تشكل بين بعض أجنحة الأسلمة السياسية مع الوافدين من الأجهزة الأمنية لنظام البعث الحاكم وتسللها إلى جسد المعارضة ومؤسساتها المختلفة . لكن مازلنا نعلق آمالاً على النخب الواعية لشركائنا في تحمل مسؤولياتها الوطنية والعمل على تكوين تعبيرات حقيقية لمكوناتها وفق قيم ومواقف وطنية مختلفة عن المنظومتين القديمتين للبعث الشوفيني والأسلمة السياسية المتطرفة اللتين تسببتا في هدم البلاد وتهجير وتشويه العباد. و نعلم جميعاً أنه خلال حقبة البعث کانت الهوية الوطنية السورية بلونية أحادية يتيمة ومفروضة، ولاتمثل الطيف الوطني السوري الجامع وكان الغرض منها النيل من وحدة وتماسك النسيج الوطني السوري وهدماً لأسس التعايش والإستقرار . وبالتالي عندما نبحث في أسباب عدم الاستقرار في سوريا نجدها عديدة تاريخية واقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية …إلخ. وبالرغم من وجود قوی سورية مازالت تعادي التغيير الحقيقي وترید العیش في الماضي وتعمل على تلغيم مايمكن أن ينتجه حراك الشرفاء ، لكن سوف نستمر بالتعاون والنضال المشترك مع المؤمنين بضرورة التخلص من الاستبداد وإقامة البديل الوطني . وهنا نريد أن نؤكد لشركائنا بأن الهوية الوطنية السورية الموحدة والجامعة تتكون من القيم الإنسانية لجميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية، كالحرية والتنوع والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة و حقوق الإنسان والتعايش السلمي والخصوصيات المكوناتية. هنا وكي نكون واقعيين في قراءة المشهد السوري الذي بات يعاني التعقيد نتيجة التداخل الكبير بين الأجندات الاقليمية والدولية المختلفة ، وبعد أكثر من 12 عاماً من إنطلاقة الثورة والانحرافات التي حصلت في مسيرتها والانتكاسات التي أدت إلى كوارث دفع شعبنا ثمنها، والتراجع الكبير في شعبيتها، والانقسام الذي بات يعاني منه المجتمع السوري قومياً ودينياً ومذهبياً ومناطقياً وحتى عشائرياً وقبائلياً، أفقياً وعمودياً، وتراجع الدعم الدولي والإقليمي، بات من الضرورة بمكان الوقوف والتأكيد من جديد في هكذا محطة تنظيمية (المؤتمر) على القضايا الأساسية الهامة مثل هوية سوريا، وشكل الدولة وطبيعة نظام الحكم ووجود وحقوق المكونات ومساحة الحقوق والحريات والمشاركة الفعلية للمرأة ، والمسألة الدينية وخاصة في هذه المرحلة التي تشهد تعثراً تاماً للعملية السياسية . وبما أننا اليوم أمام لوحة واضحة تماماً وهي : سوريا منقسمة ومحتقنة وملتهبة ، لن يقبل فيها العربي السني بعد اليوم أن يعيش تحت حكم العلوي مهما كلفه ذلك من ثمن ، ولن يسلم العلوي السلطة للسني لأنه يدرك تماماً المصير الذي ينتظره، ولن يرضى الكوردي بعد اليوم أن يبقى مهمشاً محروماً من حقوقه كما كان خلال حقبة البعث وسيطرة الميليشيات المسلحة المنفلتة، ولن يسمح الدرزي ولا المسيحي ولا الآشوري بأن يتحكم فيهم الجهادي الإسلامي الراديكالي بإسم الدين ، وهكذا بالنسبة للتركماني وغيره . هنا يجد المرءُ نفسه في مواجهة سؤال كبير هو : هل نريد أن نعيش سوياً في سوريا موحدة من جديد؟. والجواب سيكون بالإيجاب قطعاً. إذاً ماهو شكل الحكم الذي يحافظ لسوريا وحدتها، وللمكونات حقوقها وخصوصياتها، ويقطع الطريق مستقبلاً أمام سيطرة مكون على مقاليد السلطة بإسم الدين أوالقومية أوالأكثرية العددية؟. بكل بساطة هناك خيار واحد ووحيد فقط يمكن أن يحقق للسوريين ماتم ذكره لجهة الحفاظ على سوريا موحدة وإعادة إنتاج الدولة السورية والمحافظة على وحدة أراضيها واستعادة سيادتها، وإنقاذ ماتبقى من شعبها من المعتقلات وإعادة المشردين والهاربين من أماكن اللجوء القسري، وتحريرها من الاحتلالات المباشرة والمقنعة، سوريا الجديدة المختلفة عن سوريا البعث ، كي تكون لجميع مكوناتها عرباً وكورداً وتركماناً وسرياناً آشوريين وأرمن وشركس…إلخ. هو خيار بناء دولة اتحادية مكونة من أقاليم جغرافية مرتبطة بالعاصمة الاتحادية دمشق ،ونظامها ديمقراطي تعددي على مسافة واحدة من كل تلك المكونات، وتعويض الشعب السوري عن كل ما قدمه من تضحيات ، وقطع الطريق على التطرف الديني والشوفينية القومية، والفصل بين الدين والدولة ، وتصفير المشاكل مع الجوار الاقليمي والمجتمع الدولي ، والفصل بين السلطات ، ويتكون برلمانها من مجلسين، الأول نيابي يعتمد مبدأ النسبية في تمثيل الشعب . والثاني مجلس ” توافقي ” للمكونات يعود إليه كافة القرارات السياسية والمصيرية الأساسية داخلياً وخارجياً .
خلاصة الجزء السادس
من أجل طي صفحة الماضي بالرغم من الجروح التي مازالت تنزف ، والسير نحو تحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري بمكوناته المختلفة ، ويقيناً منا بأن التاريخ لن يعود إلى الوراء، وأن سوريا مابعد منتصف آذار 2011 لن تكون سوريا قبل التاريخ المذكور ، وأن مصير مكونات سوريا واحد وأن الثورة السورية قامت للتخلص من الاستبداد والدكتاتورية والشمولية وإقامة البديل الوطني الديمقراطي المعبر عن وجود وحقوق كافة مكونات الشعب السوري، وبما أن مهمة التصدي لمشاكل شعبنا من واجب جميع الشرفاء والمخلصين، وبالرغم من الانقسام المجتمعي الذي يعاني منه السوريين، والتدخلات الدولية والاقليمية في ساحاتها، وإقراراً منا بأن بلدنا بات اليوم مقسماً فعلياً إلى ثلاث دويلات شبه مستقلة – متناحرة، لكل واحدة منها نظامها التعليمي والصحي والجمركي الخاص، وكذلك لكل دويلة جيشها وأمنها وإدارتها المستقلة الخاصة بها ، والانتقال من دويلة إلى أخرى أصعب بكثير من الانتقال بين الدول ذات السيادة، وغياب الأمان ، وانتشار السلاح والميليشيات المنفلتة التي حولت تلك الدويلات إلى إقطاعات ومزارع لأمرائها وقادتها وعناصرها، وغياب المحاكم المهنية المختصة في غالبيتها لذلك وجب علينا جميعاً البحث عن إيجاد صيغة يمكن من خلالها إعادة إنتاج الدولة السورية والمحافظة على وحدة أراضيها واستعادة سيادتها وإنقاذ شعبها من المعتقلات واللجوء القسري وتخليصها من براثن الاحتلالات المباشرة والمقنعة، وبناء دولة اتحادية تتكون من عدة أقاليم جغرافية مرتبطة بالعاصمة الاتحادية دمشق ونظام ديمقراطي على مسافة واحدة من جميع المكونات القومية والدينية والمذهبية للشعب السوري ،السيادة فيها للشعب ، تقوم على التعددية السياسية والتشاركية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون ومبدأ فصل السلطات والفصل بين الدين والدولة ومشاركة المرأة…إلخ، وحل قضايا كافة المكونات المذكورة وفي مقدمتها قضية الشعب الكوردي القومية وفق العهود والمواثيق الدولية وفي إطار سوريا .وهذه الأفكار يجب أن تتم صياغتها بالتعاون بين الشركاء من ممثلي كافة المكونات بصورة توافقية من خلال مشروع وطني سوري تغييري جامع وشامل صادر من توافق نخب سورية متنوعة لجهة الانتماء الديني والقومي والمذهبي وحتى المناطقي ممن عاشوا مراحل الثورة وعاصروا حقبة البعث ، ودفعوا ثمن أفكارهم ومواقفهم وتعرفوا عن قرب على مساوىء النظام الاستبدادي الدكتاتوري الشمولي ومشاكل الدولة المركزية ومساوئها، وخبرة ميدانية، ودراسة علمية لواقع سوريا وتركيبة شعبها ،وكذلك معرفة تاريخ سوريامن مصادرها النقية التي لم تصلها أيادي الشوفينيين والأقلام الأمنية ، والاطلاع على المناخات التي تمت في ظلها الاتفاقيات الدولية التي أنتجت سوريا بحدودها السياسية والإدارية. والنقطة الهامة التي يجب العمل عليها بكل جرأة هي أن يتم طرح المشروع على الكل السوري دون تردد . والمشروع يقوم على أساس تقسيم سوريا إدارياً إلى عدة أقاليم ، ترتبط بالعاصمة الاتحادية من خلال ضوابط دستورية ، ويتم توزيع السلطة والثروة وفق آليات تتناسب ومختلف المواقع الجغرافية والسكانية وكذلك الحاجات الاستثنائية جراء الغبن الذي لحق ببعض الأقاليم وتعويض المتضررين جراء سياسات نظام البعث . بمعنى آخر أن سوريا كدولة معروفة بحدودها الإدارية و السياسية المعروفة لم تعد موجودة. وكل دويلة من الدويلات الثلاث لاتعترف لا بل بالمركز ولا بالدويلات الأخرى، إضافة للشروخ الاجتماعية بين مكونات سوريا المختلفة ، مما يستوجب على النخب الوطنية المؤمنة بهذه الرؤية مواجهة الواقع بكل جرأة والإقرار بوجود جملة تحديات تم ذكرها أعلاه وخاصةً المتعلقة بـ”إعادة” بناء المواطن السوري الذي تعرض طوال حقبة البعث وكذلك في ظل حكم قوى مرحلة الأزمة من الميليشيات المختلفة التي تسيطر على مختلف المناطق كسلطات أمر واقع للتشوه ، وخاصة أن بلدنا تحول إلى مكب للنفايات البشرية الوافدة من مختلف أصقاع الأرض . ومن الأهمية التأكيد هنا بأنه لايمكن القيام بكل ماذكر دون القطيعة التامة مع البنى الفكرية والايديولوجية لمنظومتي البعث العنصري والأسلمة السياسية الراديكالية واجتثاث جذورهما .
يتبع ….