جنديرس… عنوان العلاقة الكوردية – العربية في سوريا المستقبل .!

عنايت ديكو 

هنا أودّ أن أرسل رسالة واضحة الشكل والمعالم والأهداف الى الأطراف والأطر والأحزاب والتيارات والشخصيات الوطنية العربية في سوريا، والتي نرى فيهم والى اليوم، بأنهم سيكونون شركاء لنا في سوريا المستقبل .!
قبل كل شيء، علينا أن نعترف بأن ما حدث في جنديرس وبهذه الصورة الارهابية والعنصرية البشعة، من قتل أربعة شبان كورد بدمٍ بارد وبدوافعٍ  عنصرية واضحة المعالم والأركان، يعد فاصلاً مهماً ونقطة تحولٍ في بنية العلاقات بين الكورد والعرب حاضراً ومستقبلاً . وستلقي هذه الجريمة أيضاً بظلالها الثقيلة على كافة المناحي والعلاقات والشراكات الوطنية المستقبلية. 
لقد ترجمت لنا جريمة جنديرس الصورة الحقيقية لهرم العلاقة بين الكورد والعرب في سوريا حاضراً ومستقبلاً، وأوضحت لنا أيضاً كافة أشكال الصراع والعلاقات ومفاهيم الأخوة والجيرة والشراكة الوطنية الهشّة. وما ردّة الفعل الكوردي التي هاجت عقب الجريمة، إلا تأسيسٌ لأرضية أخرى لتلك العلاقة والشراكة وماهيتها، وتمهيدٌ خطير يحمل في طياته الكثير والكثير من الديناميات والارتدادات السياسية والمجتمعية، ولمقاومةٍ وصراعٍ طويل الأمد بين جميع الفرقاء والأطراف على الجغرافيا السورية، وإن ترجمة هدير الآلام والعذابات والقهر الذي شاهدنا تفاصيله في مسيرة عيد النوروز لهذا العام والذي تلطخت صوره بالقتل والرعب والدماء على أيدي العصابات العرواسلاموية في عفرين، ماهي إلا غيضٌ من فيض وحاملٌ كموني هائل وكبير لجدلية العلاقة بيننا ولضرورة وضع هذه الحقائق على الطاولة وعلى سكتها الوطنية المتوازية.!
فما تَرَكَتْهُ مقصلة العروبة والاسلام وممارساتها الارهابية من ألم ووشمٍ وعذابٍ تاريخي على أجساد أهلنا في عفرين … لا تمحوه المؤتمرات وجلسات المصالحة وبيانات الشجب والاستنكار والمواعظ الدينية والتكبير والآذان والابتسمات الثورجية أمام الشاشات والكاميرات.!
فما فعلته التيارات العرواسلاموية بالكورد خلال السنوات الخمس الماضية في عفرين … وبحسب التقارير الحقوقية والانسانية والدوريات الدولية، من ارهابٍ وقتلٍ وتعذيب وتهجير … لم يفعلها حتى الرسول العربي ” محمد القريشي ” باليهود .!
هنا لا أتكلم من منطق قومي أو مناطقي أو عرقي أو طائفي … فلدينا الأطنان من الوثائق والأوراق والاثباتات والتسجيلات التي تؤكد للعالم أجمع، ان ارهاب وجرائم هذه العصابات العروبوية المنفلتة وفصائلها ومعارضاتها وثورتها في عفرين، ترتقي الى مستوى جرائم حرب وبامتياز .!
لقد زيَّنَتْ الثورة السورية مفاتنها وجدائلها الجميلة بالعلم الكوردي ومنذ الشرارة الأولى… وخرج السوريين من درعا وحماة وحمص وحلب والسويداء والرقة ودير الزور وغيرها في جمعة وطنية عظيمة، جمعة التحدّي، وسمّوها بـ “جمعة آزادي” عربوناً لوفاء الكورد وشجاعتهم ولقيم الأخوة والحرّيات والانسانية، ولمقاومتهم الطويلة ضد الظلم وضد ديكتاتورية حزب البعث.
وتبنَّت الثورة السورية “العلم الكوردي” كأحد أضلاعها وأركانها الوطنية الرئيسية، ورُفِعَ هذا العلم في درعا وحمص وغيرها من المدن السورية، وبدورها رفعت التنسيقيات الكوردية والشارع الكوردي علم الثورة السورية عالياً، وتمخَّض الأمل من بين هذه الثنائية الثورية (علم الثورة والعلم الكوردي)، الى أن تحررت ثلاثة ارباع سوريا وبات الرعب يدكّ جدران وأبواب الديكتاتورية في دمشق .!
فالكورد … انضموا الى الثورة منذ بداية شرارتها الأولى ومن أوسع أبوابها، وكان الكورد كالصاعقة التي ألهبت و أشعلت القوى والديناميات الكامنة في المجتمع السوري برمته. ولا يستطيع أحد أو جهة سياسية أو طرف ما، من اعطاء الدروس في الوطنية للكورد ولحراكهم القومي والوطني داخل سوريا.!
لقد دفع الكورد مهر هذه الثورة غالياً من دماءٍ وشهداء وتضحيات، وما زالت أصداء تلك الطلقات التي أطلقوها على الشهيد “مشعل التمو” تتكلم وتصرخ عالياً في الشارع الكوردي.!
فمن ينكر العلم الكوردي وحقيقته كساندٍ وداعمٍ للحراك الثوري… ينكر الثورة السورية برمتها، بكلّها وكلّيتها، وبكل تفاصيلها وأوجاعها الانسانية والوطنية .! 
البارحة… في جنديرس، نظَّمَت جماعة “الاسلام السياسي” والتي تعمل بالوكالة وتحكم كورداغ بالحديد والنار، مظاهرة اسلامية شكلاً ومضموناً وروحاً، وسَمَّت المظاهرة بالعرس الثوري، ورفعت شعارات ذات طابع اسلاموي وعروبوي بحت، الى جانب أعلام الفصائل الارهابية المتطرفة من حمزاتٍ وسلطان شاهٍ ومرادٍ وعمشاتٍ وغيرها، وخَلَتْ المظاهرة من أي رمزٍ أو علمٍ يرمز الى الكورد وحقوقهم ووجودهم. ودون أي مشاركة أو احترام لنار ولليلة النوروز نفسها، ودون أدنى درجات الرادع الانساني والأخلاقي، علماً بأنهم يعتاشون ويعيشون على أرض الكورد وترابهم وبين أشجارهم وزيتونهم.
فالشارع الكوردي له باع طويل في مقاومة الذّل والاضطهاد ومقارعة الممارسات الارهابية والديكتاتورية، ويملك مكامن القوة والقدرة الكافية على المقاومة وادارة الأزمات. وتجربة حزب البعث العربي الاشتراكي مع الشعب الكوردي هي أكبر تجربة أمامنا. 
فالثورة التي لا تحترمنا ولا تحترم خصوصيتنا القومية وحقوقنا ولغتنا وعاداتنا وأعيادنا وأفراحنا وأتراحنا، لا ولم ولن نحترمها مطلقاً، بل سنكون ضدها وبكل الوسائل والطرق والأدوات المتاحة.
فخلال السنوات الخمس الماضية، شهدت كورداغ أفظع الجرائم والانتهاكات بحق الانسانية على يد هذه العصابات العرواسلاموية والتي تدعي الثورة وتتستر بظلال هذا العلم، ناهيك عن قيامها بالتغيير الديمغرافي ومصادرة الأملاك وحرق الغابات وقطع الأشجار وسرقة الآثار والسجن والاعتقالات والتعذيب الوحشي بحق الكورد. 
فكيف يطلبون منا أن نرفع ونحترم هذا العلم، في وقت انتُهكت أعراض الكورد طولاً وعرضاً في ظل هذا العلم وما زالت.
في ظل هذا العلم، تحولت الثورة السورية من ثورة الحرية والكرامة الى ثورة النهب والقتل والارهاب. وفي ظل هذا العلم هُجِّرَ وحُرِمَ نصف مليون كوردي من العودة الى بيوتهم ومنازلهم. وفي ظل هذا العلم أيضاً، استشهد العشرات والعشرات من خيرة شبابنا وبناتنا وأمهاتنا تحت التعذيب.
فماذا تفعل رموز الارهاب في مناطق ما تُسمّى بمناطق الثورة السورية اليوم والمصنفة على اللوائح والقوائم السوداء في العالم وتتستر بظل هذا العلم.؟
فلم يعد هذا العلم يمثل الشعب الكوردي في سوريا، فبدل من أن تخرج هذه الفصائل والمجموعات والتيارات السياسية البارحة في جنديرس الى التظاهر وإطلاق الهتافات وشعارات الله أكبر… كان عليها أن تذهب الى منزل الشهداء … منزل ” أوسمانى پيشمرگ ” وتطلب الاعتذار من الشعب الكوردي والدعوة الى محاكمة دولية لهذه الجريمة وتقديم المجرمين الى العدالة.
لقد سقطت الثورة الى غير رجعة، وكانت عفرين وحدودها هي محطتها الأخيرة، أي بمعنى آخر، أن الثورة سقطت على أسوار عفرين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…