إرادةُ الشَّعبِ الكُرديِّ تُحطِّمُ الصَّخورَ ، و تُحرِّكُ الجِبالَ في مُواجهةِ الظُّلمِ .

أمـل حـســن

لقد عِرِفَ الشعبُ الكردي منذُ العصور الأولى من تاريخه القديم بإرادته القوية ، و عزيمته الصارمة المستمدة من صخور جباله الشمَّاء ، لذا نراه يعيش حالة الكفاح طيلة حياته ، و لا يتوقف عن مُقارعة الظلم و الطغيان المفروض عليه .
لقد شهدتْ كُردستان بأجزائها الأربعة انتفاضات و ثورات عظيمة ضدَّ المحتلين لها ، و كان عماد صمود الشعب الكردي في تلك الثورات هو الإرادة الصلبة و العزيمة الصارمة ، فقد ناضل و استبسل في النضال ضد قُوى الظلم و الظلام ، حتى نال حريته في عدة ممالك كردية قديماً ، و إلى يومنا هذا فقد تجسدت إرادته القوية في انتزاع حريته و حقوقه من أيدي الظالمين في جنوب كردستان ، حيث تمَّ تأسيس إدارة شبه مستقلة في إقليم كُردستان ، و باتَ الشعب الكردي اليوم يتمتع بكامل حقوقه هناك .
و في كل سنة ، و مع بداية الربيع ، يحلُّ على الشعب الكردي شهر آذار الذي يُعتبر شهر الحزن و الفرح معاً لدى الكُرد ، حيث حدثت الكثير من الجرائم و الانتهاكات بحق الكرد في هذا الشهر ، كإبادات الأنفال و مجزرة حلپچة و غيرها ، إضافة إلى بعض المناسبات و الأعياد الهامة لدى الكرد كعيد النوروز المبارك ، لذا نرى هذا الشهر مزيجاً من الفرح و الحزن لدى الكرد .
أما نوروز هذا العام 2023 ، فقد اصطدمَ كالكثير من السنوات السابقة بانتهاكات حقوق الكرد و ارتكاب الجرائم بحقهم ، ففي منطقة جبل الأكراد المحتلة من قِبل تركيا و مرتزقتها السوريين (عفرين) ، و تحديداً في مدينة جنديرس الأبية التي دمرت كارثة الزلزال الكثير من معالم المدينة السكنية ، و أدت إلى موت و جرح الكثير من أهلها تحت الأنقاض ، وقعت جريمة نكراء بحق أهلها المدنيين ، حيث قام شباب من أهل جنديرس ليلة عيد النوروز بإشعال النار احتفالاً بعيدهم القومي ، فقام عدد من عناصر مرتزقة فصيل عسكري تابع للاحتلال التركي ، يُسمى جيش الشرقية بفتح نيران الرشاشات على المدنيين العُزَّل الذي كانوا يوقدون شُعلة نوروز المباركة ، فسقط أربعة شهداء ، و عدد من الجرحى ، من عائلة الپشمرك الوطنية ، و اختلطت أضواء شموع نوروز بدماء شهداء جنديرس .
في صبيحة يوم نوروز الحادي و العشرين من آذار هذا العام 2023 ، انتفض الشعب الكردي في جنديرس و عفرين على وقع هذه الجريمة النكراء ، فخرجوا بالآلاف الى الشوارع كاسرين جدران الخوف التي عاشوا خلفها منذ خمس سنوات من احتلال عفرين ، و واجهوا بأيديهم العارية جبروت الفصائل المرتزقة ، و قاموا بتشييع جثامين شهدائهم الملفوفة بعلم كردستان ، رافعين عشرات الأعلام الكردستانية في مسيرة التشييع ، و مطلقين شعارات التنديد بالظلم الواقع عليهم منذ خمس سنوات ، داعين إلى انسحاب تلك الفصائل من المدن و القرى الكردية في عفرين و ريفها ، و في اليوم الثاني و الثالث بعد يوم نوروز تابع أهل عفرين و جنديرس مسيرتهم النضالية ضد المرتزقة من خلال التظاهرات العارمة التي شارك فيها الأهالي نساء و رجالاً ، شيباً و شباباً ، داعين المجتمع الدولي إلى فرض حماية دولية على منطقة عفرين الكردستانية .
و كان للمرأة العفرينية مشاركة واسعة في هذه الاحتجاجات ، فقد رفعت صوتها عالية متحدية الظلم و الطغيان ، و أثبتت المرأة العفرينية وطنيتها و إخلاصها لدماء الشهداء ، و أنها لا تقل شأناً عن الرجل العفريني المناضل .
حقاً ، إنها قصة إرادة الشعب الكردي البطل ، تلك الإرادة المسلوخة من صخور جبال كردستان ، و تلك العزيمة المستمدة من قمم جبال كردستان .
تحية إكبار لأروح شهداء إنتفاضة جنديرس ضد الطغاة المجرمين .
النصر لقضية العفرينيين للتخلص من ظلم المحتلين .
النصر لقضية الشعب الكردي العادلة في الحرية و الاستقلال .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…