مابعد خطبة جنديرس: الدعوة لإجهاض الانتفاضة تحت ستار العلم

إبراهيم اليوسف

ساعات قليلة، تفصلنا عن موعد الدعوة التي دعا إليها من سموا أنفسهم ب”ثوار سوريا” “لأجل إعلان الولاء لما سموه ب- علم الثورة السورية- وهو ما جاء بعد انتفاضة جنديرس/عفرين-بأيام جد قليلة، في محاولة لاستعادة هيبة الفصائل المجرمة التي ارتكبت آلاف الجرائم، بحق عفرين وأهلها. عفرين الطبيعة. التراث. التاريخ الجغرافيا، كما عفرين الإنسان، وهو- هنا- الإنسان الكردي، ضحية التاريخ والجغرافيا، في آن، وجاء الاحتلال التركي، والفصائل التابعة له، ليمارسوا سياسة الإبادة بحق المكان والكائن.
وإذا كانت انتفاضة أهلنا في جنديرس- قلب عفرين- قد جاءت رداً على مجزرة رهيبة، ارتكبت في محاولة إطفاء نار نوروز، وراح ضحيتها أربعة مواطنين كرد، لم يرتكبوا ذنباً، وحاول المسمى وزير دفاع في ما سميت ب” الحكومة المؤقتة” المسخرة، في خدمة أجندات تركيا، ورأس هذه الأجندة- إبادة الكرد- اعتبار المجزرة- مجرد خناقة بين جيران فحسب- فإن هذه الدعوة التي وقت لها، بعد صلاة خطبة جمعة غد”31 آذار 2023” لتكون- رسالة- رداً- محاولةَ ترهيب بحق الكرد الذين يجب أن يصفقوا للقتلة، لا أن يبكوا شهداءهم، ومكانهم، ومستقل أطفالهم، و وجودهم، بعد أن تم استهدافهم، بغرض إمحائهم، والإجهاز عليهم.
ما سمي ب- علم الثورة السورية- قبل به كل كردي منضو تحت جناحي-الثورة المغدورة- الثورة المجهضة- على نحو انفعالي، عند بدايتها، بلا تردد، لاعتبارات عدة، قبل الانقلاب على هذا العلم، ورسالته، من قبل محرفي الثورة عن مسارها، بعد أن بات يتستر به: قاطع الطريق- وغير معلن الداعشية أو الداعشي الباطني صميمياً- واللص والقاتل، ما جعل الكردي الذي تقبل هذا العلم يراجع نفسه، قائلاً:
من فرض هذا العلم؟ وماذا لي في هذا العلم كأحد مكونات سوريا كما هو رابط العلاقة الراهن بيننا؟ ولماذا سطا على العلم والثورةكل هؤلاء المارقين؟
إن علاقة محتلي عفرين بالعلم هي علاقة زائفة، إذ إن هذا العلم إنما هو شكلي، طالما يستظل بعلم المحتل التركي، وهم مسؤولون عن إعدامه. إعدام هذا العلم، والاعتداء على قيمته الرمزية المعول عليها، من قبل كل مناصري الثورة، في مطلعها. في أشهرها الأولى، وإن لم يؤخذ رأي كردي البتة في اعتماده، إلا إن اعتباره- علامة فارقة- عن علم النظام، ناهيك عن استفزازه للنظام، دعا جميع هؤلاء لتقبله، من دون تردد.
ولو سلمنا جدلاً، أن هذه الفصائل الإرهابية غير موجودة، الآن، أو أنها ستطرد، ولا مستقبل لها حقاً في ظل أداء المتحكمين بالأسرة الدولية مهماتهم على أكمل وجه، فإن هذا العلم لا يلغي خصوصية: ابن المكان، في رفع علمه، حتى في ظل سوريا تعددية، كما كان ذلك مطلب الكرد، قبل الثورة، وعند بدئها، من دون أن ننسى البتة أن الكردي موجود فوق أرضه التاريخية، و هو حر في تقريره مصيره:
مع شركائه- وهم غير طفيليات المعارضة التي ظهرت إلى سطح المستنقع الآسن- أو أن يعيش في الإطار الخاص به، كما يريده، إذ إن علينا ألا ننسى الحق التاريخي/القانوني لهذا الشعب، حتى وإن كان هناك حديث عن- الحدود الدنيا- التي يراد لها أن تأتي على حساب إرادة ابن المكان الذي جزئت جغرافياه، وفق صفقات واتفاقات دولية ظالمة ومشينة، آن الأوان لإعادة النظر فيها!
إن الدعوة المزعومة لفرض مجرد علم واحد، هو ما سمي بعلم الثورة السورية، محض أكذوبة، إذ إن العلم- في الأصل- ليس واحداً، لطالما هو تحت رحمة علم آخر، ولطالما مرتزقته يعتاشون بفضل أولي علم آخر- محتل، فهي نتاج العصبية، وروح معاداة الكرد، من أجل قوننة وشرعنة تكفير وتأثيم: العلم الكردي الذي ظهر عقب- زلزال جنديرس- ووصول قوافل مساعدات- مؤسسة البارزاني الخيرية- ولذلك، فإن أهلنا في جنديرس أمام خطر محدق، في ظل استكلاب. استذئاب. استوحاش هؤلاء القتلة الذين ينتظرون ردهم على روح انتفاضة الأيام العشر الماضية، في سبيل وأدها، تحت ستار دعوى مزورة. مزيفة. لا علاقة لها بعلم الثورة، كما حاول النظام أن يفعل ذلك مع انتفاضة آذار2004، زاعماً مواجهة العلم الكردي، بل حتى علم أمريكا، وهذا ما يضع الكرد- أية كانت مواقعهم- أن يكونوا في درجة استنفار قصوى، لأن هذه الدعوة هي الوجه الفعلي لوعيد، لنذير شؤم. لتهديد، ولابد من التحرك، على الميادين كلها، فقد حان دور من هم خارج جنديرس/عفرين، بعد أن أشعلت عفرين نارها. شعلة كاوا، عالياً، على امتداد جيايي كورمينج: جبلاً، وسهلاً، وهضاباً، بل على امتداد كردستان. سوريا، كلها، من دون أن ننسى أصدقاءنا الحقيقيين- من السوريين- الذين يقفون معنا. مع الحق في مواجهة الاستبداد ويؤمنون بشراكة الكردي وخصوصيته!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…

نظام مير محمدي* في الغالب، فإن النظام الإيراني يبدو في حالة لا تمکنه من أن يصر على إن أوضاعه على ما يرام وإن ما حدث خلال العامين الماضيين الى جانب ما يحدث له حاليا على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية، لم يٶثر عليه سلبا، ذلك إن الامر قد تعدى وتجاوز ذلك بکثير ولاسيما بعد أن تناقلت…