في برنامجه(لنتحاور) أشعل كفاح سنجاري شموعا كثيرة أنارت واقعنا الثقافي وبددت عتمة الزمن، فأضاف بفعل ذلك بصمة أخرى إلى ما يتميز بها من بصمات إبداعية في الشعر، ومن قبله في ميادين التشكيل التي يعد فيها من الرواد الأوائل، يتحدث في كل حلقة من حلقات برنامجه بلغة العارف بفحوى الكلمات، المحترف في دروب السياسة، المرتكز على أرضية راسخة منحته القدرة على الأداء من خلال فهمه لبواطن الإحداث وحركة التاريخ المعاش، فجسد بذلك أحلى الصور لديمقراطية الخطاب الكوردي من خلال انفتاحه على الرأي والرأي الآخر.
لمناسبة انتهاء العام الثالث من عمر البرنامج وايقاد الشمعة الرابعة في مسيرته الإعلامية الحافلة بكل جديد، كان لنا هذا الحوار مع الشاعر الفنان والإعلامي المتجدد كفاح سنجاري، في مدينة دهوك التقيناه في الهواء الطلق بعيدا عن أجواء الأستوديو وبهرجة الإضاءة وعيون الكاميرات وتعليمات المخرج وقيود الزمن، فطرحنا عليه ما بجعبتنا من أسئلة هادئة تتناسب وهدوء البرنامج الذي نحن بصدد الحديث عنه، منطلقين معه من لحظة الشروع وانبثاق الفكرة لولادة البرنامج وتكوينه:
عرفناكم منذ زمن بعيد كفنان تشكيلي ومن ثم كشاعر ولكننا لم نعرف عنكم تلك الاهتمامات الإعلامية، حيث برزتم في السنوات الأخيرة في ساحة الإعلام من خلال برنامجكم السياسي ( لنتحاور ) الذي يقدم من فضائية كوردستان،، كيف تشكلت لديكم الفكرة لإعداد وتقديم هذا البرنامج؟
كانت البداية مع تلفزيون الموصل في مطلع السبعينات من القرن الماضي، حينما تقدمت للعمل كمذيع في تلك المحطة المحلية، وكانت النتيجة مؤلمة جدا حينما ابلغوني بأنه لكي أكون مذيعا فيجب أن أكون بعثيا وعربيا، ورفض طلبي.
وفي أواخر السبعينيات تقدمت إلى المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون في بغداد، وكان حينذاك مديرها العام أو رئيسها الشاعر حميد سعيد، الذي قبلني في معهد التدريب الإذاعي والتلفزيوني، لكن أعضاء اللجنة أوصوا بعدم قبولي كإعلامي أو مذيع في مؤسستهم لاعتبارات سياسية ضيقة جدا، لم تختلف عما كانت عليه حينما تقدمت إلى محطة الموصل في بداية السبعينات!.
عموما، ورغم ذلك السور القاسي والحصار الشديد إلا إنني بقيت اكتب بأسماء مستعارة في الصحافة المحلية والعربية لغاية سقوط بغداد وانهيار النظام الشمولي فيها، حيث تفتحت الآفاق وانهارت جدران الحصار الفكري والسياسي والإعلامي.
في تموز 2004 طرحتُ مجموعة من الأفكار حول إنشاء وتأسيس قناة كوردية ناطقة بالعربية للأستاذ كاروان ئاكريي المدير العام لفضائية كوردستان، مع دراسة لتطوير القسم العربي فيها، وحينذاك فاتحني المدير العام للفضائية بموضوع إعداد وتقديم برنامج حواري سياسي مباشر، تمت دراسة الفكرة وانجازها، بعدها بدأنا التحضيرات لتقديم الحلقة الأولى من البرنامج في 10 أيلول 2004 وبذلك ظهر برنامج لنتحاور لأول مرة.
لنتحاور: كلمة ذات أبعاد ديمقراطية واسعة وشاملة، فهل تحقق المفهوم الحقيقي لأبعاد هذا العنوان الحيوي والمهم من خلال حلقات البرنامج؟
مما لا شك فيه أن مؤسسة قناة كوردستان تتبنى الديمقراطية فكرا وسلوكا، ولعل أهم مايميز معظم برامج هذه القناة هي قبول الرأي الآخر والحوار معه بشكل حضاري وديمقراطي.
فالحوار هو الوسيلة الأنجع والأجدى للوصول إلى صيغ متقدمة من التعاطي المتحضر في السياسة والاقتصاد والمجتمع وتأسيس أنظمة اجتماعية وفكرية متطورة في إقليمنا وفي عراقنا الاتحادي، بعيدا عن الرؤية الأحادية الضيقة والتفكير الشمولي الذي دمر العراق وحرم سكانه من فرص حقيقية للنهوض واللحاق بالأمم المتقدمة.
ولا أبالغ إذا قلت لك إن البرنامج يقدم نموذجا للحوار الهادئ والمتحضر، بعيدا عن التشنجات وإثارة المحاورين بالشكل الذي يخرج البرنامج عن أهدافه التربوية، وهنا أقول التربوية لأنه أي البرنامج هو صيغة من الصيغ التربوية لفن الحوار مع الآخر، سواء كان موافقا لفكرة القناة أم متقاطعا معها.
اعتقد إن مجرد الإيمان بالحوار كأسلوب في التعامل مع الآخرين، هو نقلة نوعية في حياتنا، وعليه أرى إن البرنامج يحقق انتشار مفهوم الحوار في بعده الديمقراطي وإشاعة هذا النظام من التفكير والممارسة في المجتمع.
من الذي اختار عنوان البرنامج ومن هو المقصود بالحوار فيه؟
كانت هناك عدة عناوين للبرنامج وكان علينا أن نختار أحدها، ولعل اقتراح الأستاذ كاروان ئاكريي كان الأقرب إلى فكرة البرنامج الحواري، فكان رأيه أن يكون ( لنتحاور ) ليستفز الآخر في اعتماد مبدأ الحوار كأسلوب متحضر للحياة الجديدة في عراق ديمقراطي فدرالي تعددي.
شاهدنا بضع حلقات من البرنامج..
وجدنا إن المتحاور معه يكون دائما إيجابيا مع المحاور، ألا تجدون إن عنوان البرنامج ( لنتحاور ) يعني السلب والإيجاب معا، الرأي والرأي الآخر؟
ربما لأنكم شاهدتم الحلقات ذات الحوار الايجابي، وهنا دعني أقول لك أيضا ليس هناك في كل حلقات البرنامج ما أطلقت عليه بالحوار السلبي، هناك حوار هادئ بعيد عن الإثارة المصطنعة وأسلوب التشاجر والشتائم الذي اعتاد المتلقي والمشاهد عموما في مناطقنا أن يراه في الكثير من برامج الحوار على شاشات الفضائيات العربية.
ولذلك ترى إن هذا النمط من الحوارات ربما لا يشبع رغبات من تعود أسلوب الصراخ والتشاجر بدلا من الحوار المتزن.
وربما لو تابعت حلقات البرنامج أكثر سترى خلافا في كثير من طروحات المحاورين حول أي موضوع من المواضيع ولكنه خلاف تتم مناقشته بحوار هادئ ومتحضر، بهدف الوصول إلى حل حقيقي وتعليم الآخر فن الحوار الذي يقودنا إلى الحلول لكثير من المشكلات العالقة، وليس الحوار من أجل الحوار فقط.
متى ظهرت على الشاشة الفضائية الحلقة الأولى من البرنامج، وكم يكون عدد الحلقات المقدمة منه حتى أواخر أيلول 2007؟
كانت الحلقة الأولى في العاشر من أيلول 2004 وهو أيضا يوم مولدي، وليلة ذكرى ثورة أيلول الكبرى، والأجمل من كل ذلك إن كل هذه التواريخ لم يتم اختيارها لتكون كذلك بل كانت الصدفة الرائعة التي جمعت هذه الأحداث في يوم وليلة واحدة، وربما ستندهش إذا ما قلت لك أنني في العاشر من أيلول 1975 سافرت لأول مرة إلى خارج العراق، وفي ذات التاريخ أي العاشر من أيلول من عام 1973 تم إبعادي من قضاء سنجار إلى محافظة بابل.
أعود إلى الحلقة الأولى وكان ضيفي الأستاذ فوزي الأتروشي الكاتب والصحفي الكوردي المعروف، كان الحوار ساعتها عن ذكرى ثورة أيلول ومعطياتها ونتائجها، واذكر إنني كنت قاسيا مع الزميل الاتروشي في بعض المقاطعات أثناء حديثه المسهب!
من هم أبرز الشخصيات السياسية والفكرية التي استضافها البرنامج، وهل باعتقادكم إن تلك الشخصيات قد أجابت على أسئلة المحاور بصدق وصراحة تامتين؟
من أبرز ضيوف البرنامج كان الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل وأمين عام حزب التجمع المصري والصحفية الكبيرة فريدة النقاش والسيد عبدا لعزيز الحكيم والمفكر العربي المعروف سعد الدين إبراهيم والمخرج المصري علي بدرخان فضلا عن العشرات من المفكرين والسياسيين ورجال الصحافة والدولة والجامعات من الإقليم والعراق والدول العربية، حيث تجاوز عددهم المائة شخصية في 142 حلقة خلال ثلاث سنوات، وللعلم أيضا استمر البرنامج وبدون انقطاع طوال السنوات الثلاث باستثناء حلقتين الأولى صادفت مع أول أيام احد العيدين والثانية لخلل فني في الــ SNG في أستوديو دهوك.
في كل برنامج يقدم على الهواء ثمة مفاجآت ومواقف محرجة يمر بها مقدم البرنامج أو الشخصية المستضافة، فهل لنا أن نتعرف على أبرز المواقف الحرجة أو المفاجآت غير المتوقعة؟
في إحدى الحلقات نسيتُ ملف الحلقة بينما كنت منهمكا في غرفة السيطرة، والملف يحتوي كل ما يتعلق بالحلقة والحوار وخلفية الضيف، ولكنني استدركت الموضوع واستخدمت ما علق بالذاكرة لأبني عليه الحوار ثانية، وكانت حلقة متميزة جدا.
من خلال عملنا في الصحافة والإعلام، نجد أن هناك الكثير ممن يتشدقون بمعرفة كل شيء ويظهرون بطولات خارقة في أحاديثهم العادية مع الناس، ولكن الكثير من هؤلاء ينكشف زيف ادعاءاتهم في أول ظهور علني لهم على الشاشة، فهل حدث معكم أن التقيتم مثل الشخصيات السلبية، وكيف تمت معالجة المواقف معهم؟
إذا ما استثنينا تأثيرات أجواء الأستوديو والكاميرات والتي ربما تؤثر سلبا على أداء البعض من الضيوف والتي تظهر على شكل ارتباك، فان معظم ضيوفنا كانوا بمستوى لائق، باستثناء القلة القليلة التي فاجأتني بتواضع معلوماتها والتي ربما اضطررت فيها أن اسأل وأجيب في آن واحد ولكن بأسلوب لا يجرح ضيفي أو يستفز المتلقي.
معظم الشخصيات التي استضافها البرنامج ( وهي التي شاهدناها على الأقل ) كانت من إقليم كوردستان أو من الشخصيات العاملة في الإقليم… والبرنامج عنوانه لنتحاور، ألا تتفقون معي إن استضافة شخصيات من خارج الإقليم تصب في صميم عنوان وأهداف البرنامج؟
أعتقد إننا استضفنا عددا كبيرا من السياسيين والصحفيين والمفكرين والأكاديميين العراقيين والعرب ولم نشعر بخلل في هذا السياق، أما إذا كان المقصود بالسؤال أولئك الذين يرفضون التحاور معنا، فنحن لسنا مسؤولين عنهم وعلى الرغم من ذلك فلتكن دعوة من خلال الصوت الآخر إليهم جميعا لنتحاور معهم وان اختلفنا في أفكارنا ومقاصدنا وحتى في أجنداتنا !
معظم البرامج الإعلامية والسياسية تستنفذ أغراضها خلال مدة زمنية محددة، إلا إذا طرأ عليها ثمة تجديد في المضمون أو الهدف، فهل إن برنامجكم من هذا النوع من البرامج المحددة زمنيا؟
اعتقد إن لكل دورة تلفزيونية خطة جديدة تشمل معظم البرامج الفنية والسياسية والاجتماعية بما يقلل من الملل والنمطية، واستخدام أكثر الأساليب الحديثة فيها للوصول إلى المتلقي في هذا الفيض من الفضائيات، لكنني اعتقد انه هناك برامج نوعية لا يشملها التغيير بل التطوير وربما برنامجنا من ضمن هذه البرامج؟
النساء المثقفات في إقليم كوردستان كثيرات، هناك أكثر من اسم بارز أو متميز ظهر على ساحة العمل السياسي أو الثقافي، فيما نجد إن برنامجكم يفتقر إلى الوجوه التسوية المتحدثة؟
لقد ضيفنا معظمهن وربما تتذكر السياسية والبرلمانية بخشان زنكنة وزميلتها سوزان شهاب وسوزان عارف وسعاد الجزائري والكثيرات مما لا أتذكر اسماءهن الآن، إضافة إلى العديد من الأسماء العراقية والعربية الكبيرة من أمثال فريدة النقاش وشذى سالم ومي شوقي وأمل بورتر وغيرهن، ورغم ذلك فأنني ما زلت مؤمنا بالنوعية أكثر من الكمية؟
لنتحاور، هل هي تركيبة سياسية مطلقة، أم إنها قابلة للانفتاح على الآخر، من خلال الثقافة والفنون والبيئة والصحة وغيرها من الأمور؟
الحوار في كل شيء له علاقة بالإنسان ونشاطاته الحيوية، وان أصبح اليوم يعني السياسية منها فقط، ربما لأننا محرومون من هكذا نوع من الحوارات لأننا اعتدنا عبر تاريخنا التحدث بلغة السيوف والبنادق وفلسفة ” إما أنا أو أنت ” ؟ …
لقد آن الأوان كي ننفتح على الآخر تماما وندع لغة أضاعت علينا عبر تاريخنا نحن شعوب الشرق الأوسط فرصا ذهبية للتقدم والتحضر والازدهار، واعتقد إن الوقت قد حان لنحاور بعضنا البعض في كل ما يتعلق بحياتنا وفي كل المجالات والميادين، حتى وان اختلفنا في رؤانا وأفكارنا ، إذ لا بد من وجود محطات نلتقي فيها أو نتفق ربما على صيغة الحوار بما تتضمنه من أهداف تصب في خدمة الإنسان وتطلعاته المستقبلية.
هل تعتقدون إنكم حققتم شيئا ايجابيا للعراق الجديد في ظل فقرات وحلقات البرنامج؟
في كل الأحوال انا لا ازعم إننا حققنا شيئا كبيرا لكنني متأكد من أن رسالتنا قد وصلت إلى الآخر وإننا أفهمناه أن اللغة التي ربما كان يستخدمها سابقا قد فشلت في أداء مهمتها، وان لغتنا التي تتمثل في الحوار، هي الأنجع والأكثر تحضرا في الزمن الراهن الذي نعيشه الآن؟
ما لذي يميز برنامجكم بشكله المعلن عن بقية البرامج السياسية والحوارية التي نشاهدها على شاشات الفضائيات الأخرى؟
المتلقي من المشاهدين وأنت أولهم سيجيب على هذا السؤال ، ولكن بعد أن تشاهد برامج حوارية في قنوات فضائيات أخرى تدعي العالمية ويتم مقارنة ذلك مع ما نقدمه نحن في فضائية كوردستان.
هل استطاع الآخر أن يقول كلمته بحق وحقيقة من خلال برنامجكم؟
ليست هناك أمور مطلقة في أي شيء، لكنني مؤمن أيضا بان الفسحة المتاحة هنا في إقليم كوردستان ربما لا يجدها الآخر في مكان آخر من العراق إلا إذا استغنى عن رقبته؟
عموما لم يسجن أو يعتقل أو يحاسب حسب علمي أي ضيف من ضيوف البرنامج الذين كانوا يعترضون على كوردستانية كركوك مثلا؟
أو حتى على مبدأ العراق الاتحادي أو ألتعددي ، وهذه إشارة واضحة لاحترام حرية الآخر في الرأي والتعبير والإدلاء بمكنونات دواخله وما يؤمن به من دون خوف أو مساءلة.