من ذاكرة نوروز 1962

صلاح بدرالدين

  في البدايات لم يكن نوروز معروفا لدى جيلنا الكردي السوري، وبعد مطالعتنا للكتب المتعلقة بتاريخ الكرد، وآدابهم، وديوان الشاعر جكرخوين الأول – ثورة الحرية – وملحمة – مم وزين – بالكردية والعربية ( وجميعها كانت ممنوعة التداول في المكتبات ) وبفضل تلك المصادر السالفة ذكرها، وأدبيات الحركة الكردية في العراق، عرفنا عن مناسبة – نوروز – وقيمتها في تاريخ الكرد، وحتى ذلك الوقت لم يكن الاحتفاء بهذه المناسبة معمولا به لدى الكرد السوريين الا في حالات فردية نادرة، وفي احدى اجتماعات لجنتنا الفرعية تم طرح موضوع نوروز واتفق الرأي على اخذ موافقة القيادة للسماح لنا باحياء المناسبة في البيوت وليس بشكل جماهيري لاسباب أمنية بالدرجة الأولى، وجاء الجواب بالموافقة .
  هناك شعوب أخرى بالمنطقة تحتفل بنوروز وكل شعب على طريقته، واحيانا بتواريخ مختلفة، وبمناسبات دينية واجتماعية، او لاستقبال فصل الربيع، اما لدى الكرد فنوروز – ومعناه بالكردية اليوم الجديد – عيد قومي مسكون بالحرية، يرتبط بانتفاضة الأسطورة كاوا الحداد ضد الملك الظالم المستبد – ازدهاك –  قبل ميلاد المسيح بمئات السنين، إضافة الى تزامن المناسبة مع بداية فصل الربيع في مناطق كردستان التاريخية، ولكن اعود وأقول فلتتشارك الشعوب جميعها بالاحتفاء بهذه المناسبة التي لن تزيدها الا معاني إنسانية، وقيما تاريخية اصيلة .
    سبق لي ونشرت في مذكراتي انني كنت العضو الأصغر في الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا قبل تغيير اسمه الى الكردي، بشهادة مسؤولينا الأوائل، حيث انتسبت لصفوف الحزب بعد أشهر من تأسيسه عام ١٩٥٧ وكنت في المرحلة الابتدائية بمدرسة صلاح الدين، وقد كان للتنشئة العائلية، ومعلمي المربي  السيد ملا رمضان برزنجي الدور الأساسي في مراكمة الوعي الذاتي لدي، وبعد الانتقال للمرحلة الإعدادية بمدرسة العروبة، قررت اللجنة المنطقية للحزب بالجزيرة تشكيل لجنة فرعية لادارة تنظيم الطلاب بالقامشلي وكنت من بين أعضائها ولم يكن عمري قد تجاوز السادسة عشرة عاما، وبالمناسبة كان تنظيمنا الحزبي الأكبر، والانشط بين صفوف الطلبة حينذاك .
   وفي عام ١٩٦٢ وللمرة الأولى تكلفت والمرحوم – نوري حاجي – رفيقي وزميلي في اللجنة الفرعية بالاشراف على احياء – نوروز – في مدينة القامشلي بعدة منازل، وان لايتجاوز عدد المشاركين عشرة في كل بيت بين رفاق وانصار الحزب، وقد تم ذلك في عدة أماكن، وكان البرنامج اشعال الشموع، وشرح تاريخي لهذه المناسبة كعيد قومي للشعب الكردي في كل مكان، لا أتذكر أسماء الحضور فقط أتذكر انني دعوت الأخ د محمد عزيز ظاظا الى احد تلك الأماكن وكنا معا في المدرسة كصديق للحزب حينذاك .
  لم اكن مطلعا على المناطق الأخرى، ولم اعلم هل حصل فيها كما حصل بالقامشلي ام لا، ولكن مااعرفه ان طريقة الاحتفال بنوروز تطورت في الأعوام التالية، ووقعت أحداث دامية، وقدم الكرد السورييون شهداء من اجل الاحتفال بهذا العيد، وفرضه بالرغم من كل الوسائل الاجرامية القمعية من جانب نظام البعث الاسدي، وكان الشهيد – سليمان ادي – في مقدمتهم، الى ان تحولت الى عيد شعبي كما نراه الان .
  وهكذا فقد كان الاحتفال بنوروز بالبدايات في عداد المهام النضالية المحفوفة بالمخاطر، ونوعا من أنواع المواجهة السياسية مع نظام الاستبداد، والفضل يعود في ذلك  الى المناضلين الأوائل  أما الآن فقد اصبح مظهرا احتفاليا يكاد يفرغ من مضمونه التاريخي العميق بعد استغلاله من جانب بعض الأحزاب  والمقاولين، خصوصا بين أوساط كرد الشتات . 
  وفي العام الحالي وبعد كارثة الزلزال، طالب البعض بعدم احياء المناسبة وذلك احتراما للضحايا، مقابل مطالبات بالاستمرار في إقامة الاحتفالات، وكما اعتقد وبما ان الكرد يعيشون على الدوام في ظروف قاسية، ويواجهون النكبات السياسية، والكوارث الطبيعية، الا ان الحياة لن تتوقف بل يجب ان تستمر، ويمكن الاحتفاء بنوروز وسائر المناسبات القومية، والوطنية بالطرق المختلفة، وخصوصا في أحضان الطبيعة، بحيث يراعى الظروف المحيطة، والمشاعر العامة .
  وكل نوروز وشعبنا الكردي وكل السوريين بخير وسلام 
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…