القبول بالنباش الأول

ماجد ع  محمد

في مقابلةٍ مع العضو السابق في الحرس الثوري الإيراني “محسن سازكارا” الذي ساهم في إنشاء تلك القوة العسكرية الضاربة والتي تشكل اليوم العمود الفقري لنظام الملالي في إيران، أكد سازكارا خلالها على أنه لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء لما ساهم في الثورة ضد الشاه محمد رضا بهلوي، رغم إيمانه بالثورة التي أسقطته، مشيراً إلى أن نظام الشاه كان أقل فساداً من النظام الحالي في إيران، وجاء هذا الكلام بعد مضي عقود على الثورة الإسلامية في إيران، والشيء اللافت للانتباه بخصوص الثورات وما آلت إليه أحوالها بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها الجوهرية هو أن ثمة مشاعر مماثلة تنتاب بعض السوريين الآن بالرغم من أنه لم يمضي سوى عشر سنوات على بداية انطلاق الحراك الشعبي المناهض لنظام حزب البعث الحاكم في سورية.
وبما أن السوري لم يحظى في أقاليم الحكم السورية الأربعة بشيء من حرية التعبير في المواضيع السياسية أو الدينية، لذا تراه متحفظاً وخائفاً من الكشف عما يجول بخاطره، وهذا المناخ القسري والإكراهي لا يخص أرض الواقع وحده إنما نقله السوريون معهم إلى الخارج أيضاً، لذا حتى الذين يعيشون في أوروبا أو أمريكا أو تركيا غير قادرين على أن يطرحوا وجهات نظرهم بجرأة، وذلك لأن مئات الأشخاص من السوريين لديهم الجاهزية الدائمة للانقاض على أيّ شخص لا يفكر مثلهم أو لا يرى سورية على طريقتهم، ولكن بعيداً عن أجواء النفاق والمزاودات الوطنية أو الثورية وخاصة في سهرات الأنس والود ترى واحدهم يتحدث بخلاف ما يبوح به في الإعلام أو يبثه ويطرحه في السوشال ميديا، باعتبار أن السوشال ميديا أكثر مكان لتجمع الحشود العدوانية والتكفيرية من السوريين. 
إذ بالرغم من كل الاحتراس والحذر في الفضاء المفترض استوقفتني مؤخراً فلاشة مختصرة للصديق (م . ج) على صفحته الشخصية يقول فيها:” كيف تنتصر القضية إذا كان الحرامي بطل قومي فيها وفوقها يتبوأ أرفع مواقع المسؤولية”، وهذا الكلام المختصر لا يشير البتة إلى فقر المعلومات لدى الرجل المقيم في الشمال السوري أو شُحٍ في لغة الإسهاب لدى قائلها، إنما هو بمثابة الاكسير الذي يكفي الانطلاق من نثرته الصغيرة نحو عشرات القصص والحكايا والوقائع المؤلمة، فهو يختزل واقع السلطات الحاكمة في الشمال السوري برمته وبالأخص في الشريط الممتد من عفرين مروراً باعزاز وصولاً إلى الباب وتل أبيض ورأس العين.
كما أن جملة الرجل لم تكتفي برسم ملامح اللصوص وقطاع الطرق والفالحين بالنهب والسلب والسطو باسم الثورة أو القضية، إنما ذكرني كذلك الأمر ببداية الشوق العام للانعتاق من دكتاتورية الحزب الواحد في سورية، وكذلك الأمر ببعض نشطاء الثورة السورية في المنطقة بداية الحراك الجماهيري في سورية ككل، وكيف كانوا حينئذٍ يتحدون الأجهزة الأمنية للنظام الشمولي، وكانوا على استعدادٍ دائم لرمي أنفسهم كرمى التغيير المرجو في قلب المهالك، والمساهمة بالمال والنفس في الحراك الجماهيري الساعي للتغيير في الوطن لأجل غدٍ أفضل لهم ولعوائلهم ولكل معارفهم وجميع أبناء البلد، وذلك في أن ترى هؤلاء الذين كانوا أمس في قمة حماسهم الثوري بينما في الوقت الراهن فهم غير الذين كانوا عليه في ٢٠١١.
وفي التواصل مع أبناء المنطقة المنتشرين في أرجاء أوروبا وخاصة ممن كانوا مع التغيير الجذري للنظام الحاكم والسلطة الاستبدادية في البلد، قال معظمهم بأنهم لن يعودوا إلى منطقتهم مع بقاء المافيات وقطاع الطرق فيها، معتبرين أن من يحكمون قبضتهم على منطقة عفرين وقراها مجرد لصوص وقطاع طرق ينفذون أجندة دولة مجاورة لا علاقة لها ولا رغبة لديها بإحداث أي تغيير إيجابي في البلد، مؤكدين أن هؤلاء اللصوص المتحكمين برقاب الأهالي كانوا عند نظام الأسد من بطانته واليوم هم من بطانة النظام الحاكم في دولة مجاورة؛ مؤكدين بأن الدولة التي تشغلهم  استعانت بأصحاب السوابق والمجرمين ومنتهكي الحرمات حتى تحقق مآربها في الشمال السوري، وذلك بعد أن قامت بإبعاد الشرفاء والمخلصين وأصحاب الرأي والموقف إضافة إلى حجز الضبابط المختصين في مخيمات خاصة بهم، ومن ثم سلَّمت أرفع المواقع القيادية في الجيش والشرطة والأمن لمجموعة من الأميين والجهلاء وأصحاب السوابق.
ولا شك أن حنين هؤلاء الشباب للماضي أي لزمن حكم النظام هو ليس حباً بالأسد ولا حباً بأجهزته الأمنية ولا حباً بمؤسسات النظام المشهورة بعسفها وفسادها، إنما كرهاً بهؤلاء الذين أثبتوا بأنهم “حسب أقوال المغتربين” أسوأ من النظام مؤسساته وجلاوزته الأمنية في كل المجالات، وهو ما يجعلهم ينفرون من الحاضر النتن ويتمنون عودة مؤسسات الدولة حتى يعودوا إليها.
وفي المحادثات اليومية عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من شهر شباط مع مجموعة من أبناء المنطقة المقيمين في الخارج، لسمنا وبكل أسف حالة تشبه حالة المعارض الإيراني محسن سازكارا، فثمة شيء من الندم على الماضي وإجماع على أن الأدوات الحالية في المنطقة تذكّرهم على الدوام بقصة النباش الأول والقبول به على مضض، لأنه على الأقل حسب تصورهم كان يكتفي بسرقة الأكفان، بينما بدائله أو الذين أتوا من بعده وادعوا بأنهم سيخلصون الناس من شره، أظهروا لكل من له بصر وبصيرة في المنطقة على مدارخمسة أعوام بأنهم كانوا أردأ من النباش الأول، وذلك لأنهم لم يكتفوا بسرقة أكفان الموتى والتطاول على أجسادهم فحسب، إنما طال ضررهم وأذاهم الجسدي والنفسي البشر والشجر والحجر.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…

صديق ملا   إن قراءة سريعة ومتفحصة للتاريخ المعاصر في الشرق الأوسط يستنتج : أن هذا الشرق مقبل على تحولات كبرى ، فالدول التي أنتجتها إتفاقية (سايكس_بيكو)ستتفكك لا محالة ليس فقط بتأثير النظام العالمي الجديد ، بل بتأثير يقظة الوعي القومي للشعوب المستعمَرة أيضا… فالتطورات التي حدثت بعد ثورات الربيع العربي ابتداءاً بتونس ومصر وليبيا وأخيراً سورية قد أرعبت الدول…

خالد بهلوي   تُعَدّ العلاقات الاجتماعية جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، إذ تلعب دورًا جوهريًا في بناء شخصيته وتشكيل نظرته إلى الحياة. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، مما يجعل هذه العلاقات ضرورية لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي. ورغم دورها الإيجابي، فإن للعلاقات الاجتماعية جوانب سلبية قد تؤثر على الأفراد والمجتمعات بطرق مختلفة. في سوريا، تتميز…

عُقد يوم الثلاثاء الموافق ٢٢ نيسان ٢٠٢٥ لقاءٌ مشترك بين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا برئاسة سكرتيره الدكتور صلاح درويش، ووفد من المكتب التنفيذي لحركة الإصلاح الكردي – سوريا برئاسة المنسق العام الأستاذ فيصل يوسف، وذلك في مقر الحزب بمدينة القامشلي. تناول اللقاء عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكان أبرزها: ١. مناقشة آخر المستجدات على الساحة…