معاهدة سيفر 10 آب 1920 الوثيقة الضامنة للدولة الكردية مستقبلا

صديق شرنخي

على اثر مؤتمر الصلح في باريس ٢١ آذار ١٩١٩ والذي تلى الحرب العالمية الاولى التي خسرت فيها دول المحور فتقدم ممثلو الدول والقوميات المحكومة من قبل الإمبراطورية العثمانية بطلباتهم الى المؤتمر المذكور عبر ممثليهم المنتدبين الى باريس وكان الجنرال شريف باشا من احد رجالات الكرد في الإمبراطورية العثمانية وسفيرها في السويد سابقا وفي دول اخرى قبلها وكان ينتمي الى عائلة عريقة في إدارة الدولة العثمانية ،
ولكونه استشف الوضع الجديد في مآلات الإمبراطورية قيد الانهيار وكونه طرف في الجمعيات القومية  الكردية التي انشئت حديثا على غرار تركيا الفتاة ،وجد في نفسه ممثلا للمطالب الكردية في باريس ولكنه على ابوب المؤتمر الذي لم يشارك فيه بفعالية تعرض لضغوطات من قبل الحلفاء حيث اكدوا للجنرال شريف باشا بان اخلاد الكرد الى السكينة والهدوء ضروري لحصول الآمال القومية الكردية .وان اي محاولة  للإخلال  بالسكون  تعرض المطاليب الوطنية الكردية للخطر ،اي سارت الدول العظمى على خط تهدئه الكرد بما يخدم مصالحها العليا .
وقد وعد بالتوازي ايضا قائد القوات الانكليزية في كردستان حين ذاك بان مؤتمر الصلح سوف يحقق الاماني القومية الكردية ويجب على الكورد ان يلتزموابالهدوء، وهكذا تأزمت القضية بعد مؤتمر الصلح في غياب الارادة الدولية  لحل هذه المشكلة بسبب التنافس الاوربي وسياسة التوازن  التي انقذت تركيا مرة اخرى من الاضمحلال .
وعلى جانب هذا المؤتمر المهم الذي طبخ التقسيم والتفتيت لتركيا في باريس بعد سايكس بيكو .
كان الجانب التركي مقابل هذا الفعل  يعقد مؤتمر سيواس وارضروم ١٩١٩ من قبل القوميين الترك العلمانيين (لحزب الميثاق الوطني) الذي كان يقارع سياسة الحلفاء مما دفع الاخير اي الحلفاء الى التسريع في حل مجلس المبعوثان التركي وسارعوا الى التحضير لمعاهدة سيفر التي انعقدت في ١٠آب ١٩٢٠ في فرنسا ،
ولان الكورد كانوا اكبر عنصر بشري في الدولة العثمانية وعلى جغرافية واسعة منها مما شكل التهديد الاكبر لوجود الدولة العثمانية والتركية الحديثة حيث وضعت هذه المعاهدة في اعتبارها شروط اتفاقية سايكس بيكو وقرارات مؤتمر سان ريمو ونصت على إقامة كيان كردي في الولايات الجنوبية الشرقية بشرط ان تصوت اغلبية الكورد على ذلك بعدسنة من الاتفاقية وتضم اليها اقسام اخرى من كردستان في احتمال تاسيسس دولة كوردية مستقلة.
وذلك اسنادا على مبادئ الرئيس الامريكي ويلسون الاربعة عشر والتي وضعت اساس (عصبة الامم المتحدة)
وفي الفصل الخاص بموضوع الانتداب ذكر اسميا كردستان بانها بلاد غير تركية يجب سلخها من الإمبراطورية  العثمانية المنهارة وكان المقصود بها حاليا (كردستان سوريا وتركيا والعراق) دون كردستان الايرانية وعلى هذا جاءت معاهدة سيفر موضوع حديثنا الان اعترفا بحق البلاد الكوردية (العثمانية سابقا) في الاستقلال وذلك في (الباب الثالث : كوردستان بنود ٦٤،٦٣،٦٢) من اساس وثيقة كبيرة تتألف من ١٣ جزئ و٤٣٣ مادة ولقد كرست هذه المعاهدة تمزيق  الإمبراطورية العثمانية وابقائها مختزلة في دولة صغيرة في الاناضول بين ارمينيا واليونان .
ولوعدنا للخرائط  الجغرافية المرفقة مع هذه المعاهدة التي صاغها الحلفاء المنتصرون بالحرب لوجدنا ان مساحة كوردستان مقتضبة وصغيرة بالمقارنة مع  اراضي ارمينيا  واليونان والعرب وغيرها مما يعتبر بعض الساسة انه لو قدر لهذه  المعاهدة التطبيق لوقعنا في مطب اعتراف دولي ناقص بأراضي كوردستان ولكن بالمقابل كان الاعتراف الدولي ضروريا مهما يكن من اجل النضال التالي  لإنشاء وطن قومي كردي بحدوده الكاملة.
ولكن هل توقف الكماليون في هذا الوقت عن حبك الدسائس والمؤامرات لا،  فالقمع اشتد ضد جميع فآت المجتمع الكوردي ومنع وصولهم الى مؤتمر شعوب الشرق الذي عقد في باكو ايلول  ١٩٢٠ بل وارسلوا وفد مصطنع باسم الاكراد الى المؤتمر وكان من مصلحة الدولة السوفياتية ارضاء الجارة تركيا على حساب الكورد وحتى لينين نفسه لم يذكر الكرد في كتابه شعوب الشرق الاوسط في وقت ذكر حماية اقوام عددها ٧٠٠ شخص.
  ونجح مصطفى كمال بألاعيبه في تفتيت الوحدة الكردية  واستمالة قسم كبير من الكرد الى جانبه باسم الاسلام ووحدة الوطن وتسفيه اتفاقية سيفر التي قال هو نفسه عنها سابقا بانها حكم بالإعدام  على تركيا في البداية ولكنه جعلها ميتة في مهدها   حين نجح في تفكيك عوامل تطبيق الاتفاقية داخليا واقليميا ودوليا وعسكريا على الارض والتي سنعود الى تفصيلها فيما يلي .
ان الحرب التركية من اجل الاستقلال التي بدأت ما بين ١٩٢٠-١٩٢٢ والتي تمثلت في عقد عدة مؤتمرات تركية مع الحلفاء وتحقيق انتصارات عسكرية في اليونان (موقعة ساقاريا ٨-٣١ أيلول ١٩٢١ (ونجحوا في استمالة الفرنسيين تارة على حساب الانكليز وتارة قدموا تنازلات للإنكليز كما في مؤتمر لندن بين ٢١  شباط  حتى ١٤ آذار ١٩٢١ حيث تنازلوا عن لواء الموصل واضطرت فرنسا بذلك الى تعديل بنود سيفر .
كما وقع كمال اتاتورك معاهدة الصداقة بين السوفيات والترك آذار ١٩٢١ التي كسب فيها سكوت الجبهة الشمالية الشرقية وهدد بها دول الحلفاء بتحوله الى الاشتراكية ،فوقع الفرنسيون في انقرة اتفاقية اكتوبر ١٩٢١ واتفاقية انقرة الثانية ٢٠ تشرين الاول ١٩٢١ وجميعها كانت تحتوي على بنود تعديل وتأجيل اتفاقية سيفر رغم التزام تركيا بأخذ حل المسألة الكردية جديا ولكن كمسالة داخلية ،بعد ان نجحت بأحداث خلاف  وتباين وجهات النظر بين الحلفاء وذلك بالتنافس بين فرنسا وبريطانيا والتي ادت الى سقوط معاهدة سيفر .
ومن الملاحظ في كل المناورات التركية كان يهمها في المقام الاول الاحتفاظ بالعنصر الكوردي في حين ان اهمية الارض كانت في المقام الثاني باعتبار ان الخطر المستقبلي عليها كان يتمثل بالمجتمع الكردي نفسه الذي يجب تطويقه واقناعه واجباره على ضرورة التمسك بالرداء التركي ،وما تزال هذه السياسة قائمة حتى الان .
المواد التي تناولت القضية الكردية في معاهدة سيفر 
وهي تلك المواد من الفصل الثالث التي تناولت وضع الشعب الكوردي في كردستان آن ذاك باختصار.
المادة : ٦٢ تتولى هيئه من ثلاث اعضاء من كل من فرنسا وبريطانيا وايطاليا مقرها اسطنبول تحضر خلال ستة اشهر لتنفيذ الاتفاقية ووضع خطة لمنح حكم محلي للمناطق التي يسكنها غالبية من الاكراد تقع الى شرق الفرات وجنوب الحدود الارمنية وشمال الحدود بين تركيا وسورية .ينبغي ان توفر الخطة ضمانة كاملة لحماية الاشوريين والكلدان والجماعات العرقية الاخرى ،ولهذا الغرض ستزور المنطقة هيئة مكونة من ممثلي بريطانيا وفرنسا وايطاليا وبلاد فارس والاكراد لكي تتولى تحديد الحدود التركية اينما تلتقي مع الفارسية على النحو الموضح في المعاهدة .
المادة :٦٣ توافق الحكومة العثمانية من الان على قبول وتنفيذ القرارات التي تتخذها الهيئتان المقرر تشكيلهما في المادة ٦٢ اعلاه خلا ثلاثة اشهر .
المادة : ٦٤ اذا ما طالب السكان الاكراد في المناطق المحددة في المادة ٦٢ في غضون سنة واحدة من تاريخ تنفيذ هذه الاتفاقية من مجلس عصبة الامم واعربت غالبية السكان لتلك المناطق عن رغبتها في الاستقلال عن تركيا …توافق تركيا من الان على قبول مثل هذه التوصية. وتتنازل  عن جميع حقوقها وامتيازاتها في تلك المنطقة…. واذا ما تم التنازل لن تعترض الدول الحليفة  الكبرى اذا ما سعى الاكراد الذين يقطنون ذلك الجزيء من كوردستان والذي يقع حاليا ضمن ولاية الموصل لان يصبحوا مواطنين في الدولة المستقلة حديثا .
نلاحظ  انه في اول مرة تستعمل فيها دولة كردستان وجغرافية كردستان ورعايا كردستان دوليا في العصر الحديث، فلو قيض لهذه المعاهدة ان تخرج الى النور لتغير المسار الوجودي لقضية شعبنا ولكن هناك 
عدة اسباب ادت الى فشل هذه المعاهدة:
واهمها 
١-في الجانب الاوربي اولا تأكد فرنسا من اصرار الانكليزلامتلاك زمام الامور في المنطقة وخاصة ولاية الموصل والتي اعلنتها خط احمر بعد تدخلها المستمر في سياسات كل من تركياوايران وترك المخزون النفطي بالمقابل لها في منقار البطة بالجزيرة لفرنسا .
ثانيا الاهتمام الفرنسي بالمسألة الكوردية عموما لم يكن مركزا حيث كان الحال عند الانكليز بل كان اهتمامهم سطحيا لتعزيز سلطتها في منطقة الانتداب وحماية الاقليات المسيحية كما في لبنان .
ثالثا رغبة فرنسا في التفرغ لتصفية الاوضاع العالقة بينها وبين المانيا وحدودهما في الالزاس واللورين  لذلك ارتأت فرنسا تصفية الامور مع تركيا والاكتفاء بما حصلت عليه في معاهدة فرنكلين بوييون بينهما . ولذلك  اوردت الصحافة الفرنسية خيانة فرنسا للاكراد ضد السلطة التركية  .ولذلك باتت ظروف تركيا افضل مما كانت عليه قبل سنتين او اكثر من الاتفاقية التالية .  
٢- في الجانب التركي : كانت اهم اسباب فشل معاهدة سيفر ومنع تطبيقها ،اولا مكر والاعيب كمال اتاتورك وفهمه لبنية المجتمع الكوردي  ونجح  بالتاثيرعلى الغالبية بضرورة الكفاح المشترك بين الامتين الكوردية والتركية وقطعه للوعود باستقلال كوردستان .
ثانيا الانتصارات العسكرية كماذكرنا للقوات التركية في الجبهة اليونانية ١٩٢١ وطرد القوات الاجنبية من تركيا واسقاطها للسلطنة العثمانية ١ تشرين ١٩٢٢ ،
ثالثا ضعف وتشتت الحركة الكوردية وفقدان التنظيم السياسي والعشائرية وقله الكوادر داخل المجتمع الكردي المؤهلين للقيادة ،
رابعا عدم الاهتمام الاوربي وتناقص مصلحة الحلفاء الذي استغلهالاتراك آن ذاك وعدم اقتناع الحلفاء  بقدره الاكراد في ادارة دولتهم  .
خامسا خروج روسيا من الصراع السياسي  والعسكري وانسحاب القوات السوفياتية من المناطق التركية ونجاح الترك في تهديد الغرب بالتوجه نحو الاشتراكية . 
سادسا وعموما ان الحرب التركية من اجل الاستقلال غيرت موازين القوى ما بين الدولة التركية من جهة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا حيث هددت بالمباشر مصالحها في تركيا وخارجها .
وهكذا ستبقى معاهدة سيفر وثيقة دولية ومرجعية قانونية ودولية في جميع المؤتمرات والحوارات المتعلقة بالحقوق والمسألة الكوردية تاريخيا وجغرافيا ،وللعلم تظل هذه الاتفاقية ذات قيمة عبر التاريخ مهما خلقت الظروف لمحوها.
المصادر :
– عصمت شريف وانلي حول الاستراتيجية السياسة والعسكرية للحركة الوطنية الكوردية .
– بله ج شيركو 
– م .س لازاريف 
– د. كمال احمد مظهر انتفاضة ١٩٢٥ 
– د. سماعيل حصاف كردستان 
– الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي في سوريا البارتي
– د. عبد الباسط  سيدا  المسألة الكردية في سوريا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…