جدوى نظرية ( الإقليم – القاعدة ) في الحالة الكردية السورية.. قضية للنقاش (257)

صلاح بدرالدين

خلال خمسينات القرن الماضي، ازدهرت في الأوساط القومية العربية بالمنطقة، أطروحة، أو فرضية ( الإقليم – القاعدة ) وكان منظرها المفكر اللبناني – نديم البيطار – الذي ألف مجموعة من الكتب حول مفهوم، وتطور الفكر القومي العربي، من أبرزها :  من التجزئة …إلى الوحدة – حدود الهوية القومية – من النكسة الى الثورة – المثقفون والثورة – فكرة المجتمع الجديد – حدود الإقليمية الجديدة .
وقد استندت نظرية – البيطار – على الفرضية التالية : ”  توفر إقليم – قاعدة – أي إقليم ترتبط به وتتمحور حوله الجهود الوحدوية عبر المجتمع المجزأ، يمثل أحد الاتجاهات الأساسية الأولى التي كانت تسود هذه التجارب، مما يعني، بدوره، وجوب توفر إقليم من هذا النوع للعمل الوحدوي العربي إن أراد هذا العمل إن يكون فعالاً في نضاله نحو دولة الوحدة “، وكانت المراهنة الرئيسية حينها على مصر، أو دولة الوحدة المصرية السورية، بزعامة – جمال عبدالناصر – الذي استقطب الجمهور العربي الأوسع بالمشرق، والمغرب، وتحول ملهما للملايين الذين اعلنوا ولاءهم – للناصرية – واتخذوا منها أحزابا، ومنظمات جماهيرية – عقائدية كاحد الروافد القومية العربية الى جانب – البعث – وحركات القوميين العرب .
  وفي عملية الترويج لنظريته، اعتمد هذا المفكر على تجارب أممية اعتبرها أمثلة ناجحة تحققت  فيها فرضية ( الإقليم – القاعدة ) في مجال وحدة الشعوب، وانطلاقة الفكر القومي، ومن ابرز استشهاداته موضوعة تشكل، وتوحد الكيان القومي الفرنسي منذ القرون الوسطى، وتوسع، ورسم حدودها انطلاقا من مدينة – باريس – التي جسدت دور ( الأقليم – القاعدة ) في انبثاق الدولة الفرنسية الحديثة، ويسترسل في استنباط أمثلة تاريخية من اسبانيا، وبريطانيا، وسويسرا، وألمانيا، وحتى من تجارب وقعت في أمريكا اللاتينية، وآسيا .
       ماذا لو اردنا تطبيق هذه النظرية علىى الحالة الكردية السورية ؟
  الكرد السورييون يجتازون اًصعب المراحل بتاريخهم الحديث، منطقتهم مقسمة بين تحكم نظام الاستبداد، وتسلط إدارات الامر الواقع، ونير الاحتلالات الأجنبية، وحركتهم السياسية الوطنية مفككة، ومنقسمة، مثل حالة كل سوريا، فليس فيها من يمكن المراهنة عليه كقاعدة للدعم، أي ان فرضية ( الإقليم – القاعدة ) غير متوفرة علىى الصعيد الوطني، واذا كان للكرد السوريين انتماءان : وطني، وقومي، فماذا عن الانتماء الأخير ؟ وهل يمكن الاستنجاد به من اجل الإنقاذ ؟ .
  لسان حال الكرد السوريين وبشكل مبسط، وغير مدروس، وعفوي، وخاطئ  يتمترس وراء ( البارزانية والاوجلانية ) كطريقان – افتراضيان ! –  للانتماء، والخلاص، واذا كانت الاوجلانية قد انكشف امرها في تبعيتها منذ ايامها الأولى لآل الأسد ومنظومتهم الأمنية، ومنذ ان تحولت من قاعدتها في – قنديل – الى عامل هدم للحركة الكردية، وذراع للقوى الإقليمية المعادية للكرد وحقوقهم في حركات الردة المضادة في وجه التقدم الكردي، والنضال الديموقراطي الوحدوي، وتحقيق الانجازات على الأرض، فماذا عن مركز إقليم كردستان العراق في مجال نظرية ( الإقليم – القاعدة ) لانقاذ الكرد السوريين، وإعادة بناء حركتهم السياسية ؟ .
  وكما أرى ليس مطلوبا من الاشقاء ان يحلوا محل الكرد السوريين في أداء وظيفتهم، واذا كان – جمال عبد الناصر – قد اعلن جهارا ( ولو بشكل نظري ) تمسكه بالوحدة العربية من المحيط الى الخليج، والتزامه بإرادة الجماهير العربية في كل البلدان، واعتبار – حزبه الناصري – مسؤولا عن قيادة الامة نحو النصر والوحدة، فان الوضع الكردي يختلف، فليس هناك في كردستان العراق اية جهة سياسية حزبية او حكومية، او مدنية بمافيها الحزبان الحاكمان، تتبنى تحرير، وتوحيد كردستان التاريخية، او أي جزء منها، او اعتبار الحركات السياسية فيها فروعا لها بشكل رسمي، بل بالعكس من ذلك يتمتع الجميع بعلاقات حسنة وغير عدائية مع الأنظمة الحاكمة في الاجزاء الأخرى، لذلك – وكما أرى – فان نظرية ( الإقليم – القاعدة ) كمنطلق للتحرير، او حل القضية الكردية بالجوار، غير مناسبة للحالة الكردية عموما والسورية على وجه الخصوص في المرحلة التاريخية الراهنة، كل ماهو ممكن هو التنسيق، والعمل المشترك، والدعم السياسي لاعادة بناء حركتنا السياسية، والمساعدة في توفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع .
   والقضية تتطلب مشاركة الجميع بالنقاش 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…