اكتمال دورة الكوارث: عندما قال الزلزال: ها أنا!

 

إبراهيم اليوسف
 
في الزلزال الذي داهم ليلاً:
لم أكن أدري أن ما كتبه إلينا أحد الأصدقاء الشعراء في الوطن*، في إحدى مجموعات” الواتس آب” التي تضمنا، في منتصف ليلة السادس من شباط 2023  حول حدوث زلزال خفيف، في” قامشلي” مرَّ بخير، كما علمنا، وكما علَّق آخرون من داخل الوطن  ومن خارجه، أن هذا الزلزال لن يكون مجرَّد مداعبة من الطبيعة، كما تلك الزلازل التي طالما عايشنا طقوسها، وحدثت، في طفولاتنا ومراحل شبابنا، لتبقى مجرد ذكريات، وإن كنت سأشهد وأعايش-بعد ذلك- أكثر من زلزال خفيف- غير مخيف- في دولة الإمارات، بعد أن علمت هناك عن حصانة العمارات ضد الزلازل، لكنها جميعاً: زلازل دعتني أن أتعرف على أحد مصطلحات الطبيعة المرعبة: الزلازل- البراكين- الخسوف- كما أنواء البحار، وجنون العواصف، بأنواعها. 
 من اتصلت بهم في الوطن طمأنوني أن ما تم كان عابراً، وليس ثمة خوف عليهم، كي أخلد تلك الليلة إلى- سلطان النوم- متوقعاً أن  أثر هذا الزلزال، لن يعدو آثار ما عرفتها من زلازل خلال عقود حياتي، وإن كانت هناك آثار حكايات في الذاكرة، أرومتها تمتدُّ إلى سنوات الطفولة عن زلازل وبراكين تعرفت عليها شعوب واقوام عاشت قبلنا، واندثرت، وهو ما سنقرأ عنه في بعض مرويات التاريخ، وكأنها لن تتكرر البتة!
بعد بضع ساعات من النوم، في تلك الليلة السوداء، استيقظت صباحاً، كي أعرف من خلال من سبقني في الاستيقاظ من أهل البيت أن كارثة كبيرة قد وقعت، في المنطقة، وأن أجزاء من الوطن: فوق الخط، وتحت الخط كانت ضمن نطاقها، لأتلقى أنباء التفاصيل عبر جهاز التلفزيون الذي التف حوله بعض أفراد العائلة، بعد أن أجروا اتصالاتهم مع الأهل والمعارف، ومن بينهم من هو في مناطق ضمن مجال هذا الزلزال.
رغم اللقطات الأولى التي وقعت عليها عيناي، في وسائل الإعلام: المرئية والمقروءة- بعد أن بات المقروء ضمن كوكب الفضاء الأزرق الافتراضي- لم أتوقع هول الكارثة، إذ رحت أتداول و الزملاء في- الاتحاد العام للكتاب والصحفيين- من  معلومات أولى عن الزلزال أولى، على ضوء أول الأخبار الواردة في تواتر، على أن الضحايا بالمئات هكذا، و أن الجرحى بالآلاف- لا أكثر- وكان كل منا يريد لو أن العدد أقل، إلى درجة أن يكون ما حدث مزحة طبيعية، لا أكثر، وذلك لأن زلزال الإعلام كان لايزال بطيء العصف، ولربما كانت أمنيتي أن تضيق دائرة الأثر، ضمن نطاق جد ضيق، وأغمض عيني عن اللقطات الأولى الأليمة: العمارات المتهدمة. الناس الهلعين. نوم الأهلين في سياراتهم، أو لجوء بعضهم إلى المساجد. إنها رؤوس أقلام في مجلدات الكارثة، كما بدت لي، في اللحظات الأولى، كي أرى الصدمة عظيمة، على ضوء الرقم الصغير الذي أردت ألا تتعدى الكارثة حدودها من ضحايا و أضحيات، من دون أن أعلم أن مثلي- هنا- كما مثل حال الطفل الصغير الذي يغمض عينيه عما لا يريد رؤيته، بيد أن هذا لا يمنع هذا المكروه من الوقوع!
لحظات، فحسب، وبأصابع مرتبكة نقرت أزرار- الريمونت كونترول- عساي أجد من يقول لي: المشاهد المرعبة التي وقعت عليها عيناك إنما هي جزء من كابوس، لا أكثر، بيد أن- جرس إنذار- العمارات أوقظ الناس من نومهم، فهرعوا هاربين من بيوتهم، أو أن مهندسي عمارات خط سير الزلزال جميعها قد شددوا، أثناء إشرافهم على إشادة العمارات التي كلفوا بإنجازها، على تحصينها ضد الزلازل، وهنا ثمة مسؤولية عامة، تقع أولاً وأخيراً، على كواهل أولي الأمر الذين لا يفتؤون، يتحدثون عن الزلازل، على ضوء ما يتناهى إلى مسامعهم من صفير إنذار علمي، ينبعث من شاشات كمبيوترات خبراء الزلازل والكوارث الطبيعية، وما يصدر عن- مراكز الدراسات المختصة- بعد أن توجه العالم برمته، إلى ضفة الوعي- كما ينبغي- وأن من أول شروط من يتنطع لأن يكون حاكم بلد ما أن يوفر أمن وأمان رعيته، ضمن نطاق خريطته، إذ ثمة راع مسؤول عن كل بلد، في ربوع هذه الخريطة، ناهيك عن وجود رعاة كبار يزعمون أنهم- قادة العالم- لم يكلف هؤلاء أنفسهم بالسؤال: لا عن لقمة المواطن الكوني، ولا عن أمنه، أو أمان مسكنه، ووطنه، بل ربما إن هناك- حقاً- من يعول على كوارث الطبيعة- الطبيعية- كما الكوارث المصطنعة- لزوال ثلثي البشر، كي يعيش على سطح البسيطة الثلث. نصف الإلهي، وهو ما يتم عبر آلة الحرب. آلة الأوبئة، وآلة الكوارث، وما: كورونا، وحروب العالم، إلا بعض متنها.
ثمَّة أسئلة كثيرة، رحت أطرحها على نفسي، وأنا أتلقى أسماء قوافل من ضحايا الزلزال العظيم، ومن بين هؤلاء أسر صديقة. معارف. مبدعون. إعلاميون. كتاب. عوام: ترى، لماذا وقتت الطبيعة زلزالها، في هذه اللحظة ما قبل الفجر، أو ما بعدها؟ ولو كان الزلزال قد تم في الصباح. في الظهيرة. في العصرونية، أما كان عدد الضحايا أقل؟ ماذا عن أجهزة الاستشعار؟ ماذا عن ثقافة مواجهة الكوارث الطبيعية؟
لم نمت في تلك الليلة؟ رحت أطرح السؤال على نفسي؟ لم أكتب على صفحتي- كما فعل كثيرون- ثمة زلزال تم في المنطقة الفلانية؟ رحت أسأل نفسي، طوال اليوم الأول، عساي أنبه أحداً ما، وكأني بهذا أقول: كل منا مواطن كوني وعليه أداء دوره. أعرف أن التفكير على هذا النحو جد عاطفي. جد ساذج، لكنه جزء من هواجس ربما شاعرية انتابتني، معتبراً أن كل امرىء منا  إنما هو حارس كوني. هو راع للكون، وإن كان صوت أحد منا لا يسمع خارج حدود فمه، وسط هذا الهياج، من اللغط المتواصل، على امتداد ثواني الدقيقة. دقائق الساعة. ساعات اليوم، أو لأقل: أيام الأسبوع. أسابيع الشهر. أشهر السنة، سنوات العقد، عقود القرن، قرون الألفية، تلو الأخرى!
 
*الشاعر عبدالحميد جمو
 
يتبع……..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…