د. محمود عباس
تعرض شعبنا إلى إحدى أكبر الكوارث الطبيعية في تاريخ المنطقة، إذ تجاوز الدمار البشري وانهيارات البنية التحتية الوصف، المشاهد تمزق القلوب، وتدفع بالدمعة إلى الانهمار بلا إرادة، مؤلم ما تم إلى حد الانهيار. في كل زاوية تراجيديا، وتحت كل سقف متهدم قصص وقصص، أصوات زالت مع الزمن، ولم تصل إلى أصحابها رشفة ماء، وهناك من يحتضرون تحت الأنقاض أملين بمن يمد لهم يد العون، فمنهم من أستشهد والأمل لم يفارقهم، ومنهم لا يزال يصارع الحياة آملا النجاة.
كارثة تحتاج إلى جهود دول وإمكانيات منظمات عالمية هائلة، من الموارد والمعدات والخبراء، والمليارات من الدولارات، لإنقاذ الباقين على الحياة، ومن عدم الانتهاء في العراء تحت الصقيع. رفع الحطامات وأنقاض الأبنية المدمرة أو المعرضة للسقوط، أو تصليح الممكن احتضان العوائل المشردة مهمة تقع على عاتق البشرية جمعاء، والمؤسف أن الدول المعنية لا تزال تتحاور في الواقع السياسي العسكري السوري، فيصبح المعانون، والضحايا تحت أنقاض البنايات منسيين وبلا ثمن.
نحن الكورد ملامون تاريخيا مثلما الأن، ومن عدة أوجه؛ قبل أن تلام الدول والحكومات والمنظمات الإنسانية، وقبل هيئة الأمم المتحدة، غرقنا وأغرقنا ذاتنا في خلافاتنا الداخلية، وبقينا دون مستوى تقديم أبسط الاحتياجات لشعبنا في حالات مثل المأساة الجارية، ليس فقط لا نملك قوة وإدارة ودولة، بل إننا شبه معدومين في الإمكانات الاقتصادية، والوعي، إلى جانب الضحالة الدبلوماسية التي كان بإمكانها في حال توافرها ولو أنها وجدت أن تدفع بالدول على فتح المعابر وإرسال المساعدات إلى أهلنا في عفرين وجندريس وسرمدا وغيرها، مثلما ترسل إلى الولايات التركية المتضررة.
مقابل ذلك برز البعض من فضاحل حملة الأقلام! ممن يبيعون الوطنيات على صفحات التواصل الاجتماعي، وسياسيون مخضرمون يستغلون الفرصة لتمرير أجنداتهم، يهاجمون هذا التنظيم أو ذاك الحزب، هذا الشخص أو ذاك، ويا ليتهم نقدوا وأفادوا بنقدهم، وتمكنوا من تنوير الدروب، وتوجيه الناس إلى الأساليب المناسبة لمساعدة أهالينا، أو تقديم الأفضل، أو حتى عرض خدمة ما، علهم يصبحوا قدوة يقتدى بهم وبأسلوبهم وخدماتهم، لكنهم وللأسف يزيدون الطينة بلة، ويفاقمون الكارثة، بتفعيل كارثة التآكل الداخلي، الإشكالية التي لا يجيدون صناعة غيرها.
في جميع جغرافيات العالم، وبين أغلب الشعوب، حدوث الكوارث، الطبيعية بشكل خاص، يخلق نوعا من التصالح أو التنسيق بين القوى والشرائح المتصارعة، ويخمد الخلافات، وتدفع بالمنظمات السياسية والثقافية وغيرها إلى التكاتف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المجتمع المعاني.
لكننا نحن الكورد، لا زلنا نحتضن شريحة من الناس، يعيشون خارج الزمن، والطبيعة، والقوانين الإلهية والإنسانية الحضارية. فرغم ما يمر به شعبنا، وما حل بأمتنا، ورغم أن الجميع يتجه بما يملكه من الإمكانات، لخدمة أهله وشعبه، إن كانت مادية أو معنوية، فهو يسخر روحه وقلبه وقلمه، لخلق التآلف وتقديم ما يمكن من تقديمه، لتخفيف معاناة ذوي المعاناة من هول الكارثة، بينما تلتهي الشريحة العابثة بخلق أوجه جديدة من الشقاق، بدل النقد الموجه، والتهجم بدل البحث عن التآلف وتقديم الخدمات، وخلق الحجج، من التقاعس في تقديم المساعدات، إلى المتاجرة بدماء المعانون من الكارثة الزلزالية، إلى القول الخطأ والتأويلات الشاذة والساذجة، إما لغايات خاصة أو نتيجة مواقف سياسية أو نتيجة جهالة أو لإبراز الذات المريضة، متناسين أن أساليبهم هذه ليست أنها لا تفيد شعبنا المعاني بل تعرقل مسيرة المساعدات وتقلل من احتماليات إقناع الدول المعنية بتقديم الخدمات.
في الوقت الذي يحتاج فيه شعبنا المعاني من هول الكارثة، في منطقة عفرين وشيخ مقصود وما بينهما إلى كل أنواع المساعدات، المادية واللوجستية، إلى القول الحسن، كذلك نحن كحراك بأمس الحاجة إلى التلاحم، وتخميد الخلافات، والتكاتف، والابتعاد عن التشهير والتهجم العشوائي، لنتمكن معاً من فتح الدروب، كل حسب طاقاته، كالوصول إلى المنظمات الإنسانية وحكومات الدول لإقناعهم على إرسال المساعدات لهم كما يقدمونها إلى جنوب تركيا، فمن هم هناك ولا شك أيضا من أبناء شعبنا، وأمتنا لكن خلفهم تقف دولة ذات إمكانات، أما شعبنا في عفرين والمناطق الأخرى فتتحكم بمصائرهم منظمات تكفيرية تعيش خارج إطار الإنسانية، وقد وجدت ضالتها في جمع المزيد من الأموال، بعضهم يمنعون من وصول الخدمات والمساعدات، وبعضهم لا يوصلون إلا الفتات إلى الداخل، وبعضهم ينهب كل ما يتم إرساله. هناك شواهد عينية على تجاوزاتهم وقد وثقتها بعض منظمات حقوق الإنسان بشكل واضح، فبينت أساليبهم في نهب المساعدات التي أرسلت حتى الأن، والتي لم تصل منها سوى نسب ضئيلة. وقد اتهم كل من النظام في دمشق والمنظمات العسكرية المعارضة الموجودة في عفرين بعضهم بعضاً بكيفية سرقة الطرفين للمساعدات، أو عرضها على الإعلام وفيما بعد تبديلها بألبسة وبطانيات مستعملة وخرق بالية.
من أولوياتنا جميعا، كحراك كوردي بكل أطرافه، وبينهم الكتاب والإعلاميون، ومحركو وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرهم، التركيز على إيصال ما يمكن إيصاله إلى العائلات التي تعيش الآلام والمآسي، وترك الخلافات والتهجم العبثي والساذج حتى تلك المدرجة تحت منطق النقد المتعلقة بهذه الكارثة، فشعبنا اليوم لا تهمه تقييماتنا، بل ما نقدمه، ولا يهمه ما نحن عليه، بل ما سيصل إليهم من الدعم المادي والطبي، وغيره من الخدمات الضرورية وإيجاد الدعم والمساندة النفسية إعلاميا أو في مواقف سياسية.
من المؤسف، القول أننا نحن الشعب الكوردي، لا يمكن لنا التخلص من الشرائح المرعبة بيننا، كالنبتة السامة والتي تنبت كلما وجدت الفرصة الملائمة، والتي لا تقف حائرة أمام محاولات المجتمع والحراك من تجاوز أحد أخطر وأبشع السمات التي غرزت فينا طوال القرون المظلمة الماضية، فحتى في أحلك الظروف وأفظعها، كالتي يمر بها أهلنا في عفرين وغيرها من المناطق، ثمة من يبرزون خلافاتنا بأوجه تتلاءم والمآسي.
التكاتف، وإيقاف التهجم في هذا الوقت الحرج، مطلوبان منا، وإن كان لا بد من النقد فليكن في خدمة أهلنا في منطقة عفرين، فالكل يعاني وجميعنا نتمنى أن نخدم ونعمل قدر إمكاناتنا.
علينا أن نساعد بعضنا، لنتمكن من تحريك الدول والمنظمات الإنسانية العالمية لتقديم المساعدات والخدمات، والحد من فساد وبشائع المنظمات التكفيرية المدرجة تحت اسم المعارضة السورية، في منطقة عفرين، الذين يقفون كحاجز بين محاولات البعض من الكورد إيصال المساعدات لأهاليهم وسلب ما تم إرساله من منظمات كوردية أو عالمية إلى المنطقة.
الولايات المتحدة الأمريكية
9/2/2023م