لماذا ضرورة الكتابة عن عفرين وجنديرس؟

 إبراهيم محمود
أكتب عن عفرين وجنديرس، ليس لأنني كردي حصراً، وإنما لأنني حين أعيش ما هو إنساني، ويبرز حجم كرديتي لوناً وطعماً وصوتاً، إيقاعَ اعتبار، وطريقة تداول هنا وهناك، وفي الوقت الذي أعرّف بنفسي من خلال ما أكتب، أو تكون الكتابة في هذه الحالة في مواجهتي، ومساءلة عما أكتب وكيف أكتب، ولمن أكتب، تكون قضية الضمير وحقيقة أمره في واجهة المساءلة، وصلتها بالثقافة، وصلة الثقافة بما يجري، بمقدار ما تكون هناك أزمة، أو مشكلة مستفحلة.
ما المستجد هنا، وأنا أركّز منذ البداية على مسئولية الكتابة أو مديونية الثقافة الفعلية وصورة الكاتب التاريخية فيها على صعيد الواجب الأخلاقي، وبعيداً عن المراوغة هنا وهناك؟
ثمة مستجد مضاعف: أولاً ما يظهر كارثياً، بالمفهوم الإنساني المتعارف عليه، قبل النظر في دقة هذا المتعارف، ومحيط انتشاره، وكيفية التعامل معه، لحظة رؤية التفاوت الملحوظ، لا بل والصارخ، بين رقعة جغرافية وأخرى، كما هو المقرَّر سياسياً، وهنا تأتي تسمية زلزال ” قهرمان مرش: 5-6/شباط 2023 “، وهو ليس زلزال قهرمان مرش وحده في المحيط الجغرافي المرسوم، إنما ما يمتد إلى الجوار، كما هو معروف، وفي بؤر توتر كبرى، حيث لا تعود الجغرافية المنكوبة مجرد جسد مصاب سهواً بجرح خطير، وفي بعض منه، مميت، إنما محكومة بالإحداثيات الغاية في السياسة الموجهة، تتحول فيها الكارثة، بخاصيتها الطبيعية، وهي مأساة طبعاً، عند تفحص المسمّى الفعلي فيها، إلى مهزلة ، وصرخة استهجان ضد هذا التوجيه الضيق والمبتذل لها، وهو ما نتلمسه في التعامل الجاري اختزاله إنسانياً، بصورة مريعة، في التعامل مع الكارثة المضاعفة لعفرين وجنديرس، إنها مضاعفة، كما أفصحت عن ذلك في مقال سابق عن عفرين وجنديرس كنموذج مأساوي مركَّب، لأن هذه الجغرافية التي تتحدث الكردية، بأكثر من معنى، منجرحة بعمق، وبأكثر من معنى، إنه جرح سياسي طافح وسافح لازال يفعل فعله الموجع والمعزز بما هو معمول لأجله، تعبيراً عن عدم الاعتراف به، أو اختزاله إلى مجرد جسم ما دون إنساني، بين مطرقة السياسة التركية وتوجيهاتها، بعدم الاعتناء بكارثة موصولة بـ” داخلها ” وقد فعلت فعلها خارجاً، سياسياً، وها هي تتفعل طبيعياً، وتساق مرة أخرى سياسياً، إظهاراً لطورانيتها المترَّكة، وسندان المأمورين بها من مرتزقتها، ومأخوذين بدورهم بهذه السياسة في نفي الآخر، ولو أنهم بذلك يرهنون ” وطنهم السوري ” ولو أنهم بذلك يجرَّدون من كل ما هو وطني، قومي وإنساني، وفي المشهد الباعث على السخرية الجلية: التلبس بما هو ديني إسلامي.
تصبح الكتابة حقيقة، واجباً مصيرياً، فصلاً لا يمكن تجاهله، في المقال الحاسم ما بين السياسة المبتذلة والفاشية المحتوى والإنسانية الفعلية من اتصال، والديماغوجية المتلفزة في كل ذلك .
الكتابة عن عفرين وجنديرس، أبعد ما تكون عن استجرار العواطف وإثارتها، وتسخين المشاعر، إنما هي قضية ثقافية تتعدى حدود الانتماء الجغرافي والقومي الضيق، حين يجري تضييق مفهوم هذا الجاري، ويجري توجيه الأنظار والاهتمام إلى جملة نقاط بارزة على خريطة الحدث الكارثي تركياً، وأهمال ما تبقى خارجاً، وضمناً : الحيلولة ما أمكن دون وصول ما يلزم لإخراج العالقين تحت الأنقاض، وهم ليسوا في مجموعهم كرداً،  سوى أن تعاسة المقدور السياسي التركي هنا، ومن يوازيه في التعامل، تدرج المأمورين والمستاجرين ومن في خانتهم، مما أسكِنوا هناك، ليموتوا أو يدفَنوا أو يعانوا صنوف الوجع والألم مثلهم” أي الكرد “.
لا تعود الكارثة طبيعية، وقد أُخرِجت من سياقها، بغضّ النظر، وفي الحالة هذه، عما تحملها في بنية نشأتها، وعما ستكشفه الأيام القادمة من حقائق، وكيف يصبح مفهوم الكارثة الطبيعية، في حالة صادمة إلى نقلة نوعية مقيتة في بورصة السياسة المافياوية وغسيل أموالها الملوثة.
لهذا لا تعود الكارثة، وفي ضوء ما يجري حتى الآن، مجرد حدث، حادث طبيعي، إنما أكثر من ذلك، وفي ذلك تحد للذهنية الفعلية، للمعتبَر كاتباً، ولا يكف عن كونه يكتب بلغة الضمير، وحين يعيش هذا الإهمال والتهميش لأهله، لبني جلدته، ومن هم في النطاق الإنساني، والسفور الأخلاقي في كل ذلك، ومن قبل تكاثر الكتابات التي تضيق المفهوم، على وقع هذا التهميش، استجابة لما هو إيديولوجي صفيق، هنا وهناك، وبأكثر من لغة، تكون مسئولية الكاتب الكردي، ومن يزعم أنه كاتب، وباعتباره مثقفاً أكثر من كونها قضية انتماء، كما قلت، وفي هذه المعمعة ” اللوزانية ” النسب، نعم ” معمعة لوزان، ونحن على بوابة اكتمالها القرن، سطواً على تاريخ وجغرافيا، وما يُعمَل لأجله تركياً، لتعميق أثرها المدمر، والمقصي أكثر للكرد خاصة، وبالطريقة هذه، تستمد الكتابة، في حالة كهذه، من صميم مستجدات التاريخ، وفي متنها الجاري جغرافياً، حيث الكارثة تتكلم لغة أخرى لا يمكن للسياسة الإعلامية وغيرها حجب حقيقتها.
أكتب عن عفرين وجنديرس، وكيف تصلنا الكارثة الحادثة طبيعية، بما هو سياسي، أبعد من حدود الأمس وما قبل الأمس، وربما ذلك سيكون أبعد من حدود الغد وما بعد الغد.
تلك إمضاءة تجاور الحقيقة في ضوء ما هو مرئي وجار، جهة التعامل مع الكارثة وتوزع نقاط توترها ومتفرعاتها خارجاً، والقوى التي تعمل على الخط: محلياً، إقليمياً، ودولياً، وهي التي تحفّز على إيقاظ كل ما هو خاف من قوى المكاشفة والمساءلة عن الحجاب السياسي السلطوي المسموم في محتواه، وحين يشعر الكاتب، ومن موقعه المثقف ، في حدود معينة، أنه لا يملك سوى قلمه، وليس أي شيء آخر، كما في حال تقديم مساعدات مادية وغيرها، وفي الوقت الذي يكون التأكيد على رفع الصوت، من قلب الواقع المعاش، مطلباً تاريخياً، وإنسانياً وقومياً.
دون ذلك، لا تبرير، لا حجة مسوغة، تمنح المعتبَر كاتباً، وكاتباً كردياً في الصميم، انزواء، ونشدان الصمت، والانخراط في حسابات قطيعية، لا يعود في ضوء ذلك جديراً حتى بحمْل اسمه، أو جدارة ربط بينه وبين ما عرِف به من كتابات وغيرها، مما هو ثقافي يشار إليه به !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…