إبراهيم محمود
كارثة زلزالية، زلزال غير مسبوق،شيء غير معقول…! وماذا بعد ذلك؟ كما لو أن الذين يأتون على ذكر الزلزال الذي باغت الناس هؤلاء في بواكير فجر الاثنين ” 6-2-2023 ” منطقة جغرافية مترامية الأطراف شملت دولاً عديداً، بدءاً من الأخطر حدوثاً: تركيا، سوريا وإيران والعراق…إلخ، وكان الحصاد بداية: الكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وبتفاوت من منطقة إلى أخرى، كما لو أن الذين عبَّروا عن رعبهم الداخلي لِما جرى، كما لو أن الطبيعة تتبع رغباتهم أو حساباتهم الخاصة واقعاً، وهو ما يدل دلالة قاطعة على مدى جهلهم وتجاهلهم لموقعهم في الطبيعة، وهو أنهم داخلون في حساب الطبيعة بدايةً ونهاية، وليس العكس.
وأن هذا الذي جرى لم يجر بغتة، بمقدار ما جرى استناداً إلى حسابات خاصة بالطبيعة، ويستحيل فك رموزها، إلا عبْر الرجوع إليها، والاعتراف بأنهم ينتمون إليها، وبالتالي، فإن الجاري، وكل واقعة تنتمي إلى المعتبَر من كوارث الطبيعة: زلازل، حرائق غابات، انحسار مياه وجفاف ينابيع…إلخ، عائد إلى الطبيعة، وفي جزء كبير منه، يكون مترجماً لهذا الابتعاد عن المسئولية التاريخية، الاجتماعية والأخلاقية تجاه الطبيعة المعتبَرة: أمَّاً، وما في ذلك من رصيد تراكمي، يرينا فظاعات جنايات الإنسان الذي لا يدّخر جهداً في الاستغلال المريع للطبيعة هذه ظاهراً وباطناً، ومن هنا كانت دعوات أنصار البيئة، ومحبّي الطبيعة، في الآونة الأخيرة تتضاعف، وترتفع أصواتها في مناطق متفرقة من العالم، وتحديداً في البلاد التي تسعى جاهدة إلى الاعتراف المتنامي بمدى أهمية الطبيعة، ولزوم الاعتناء بها، وما ذلك من تأكيد على أن الإبقاء على حياة أكثر سمواً يتمثل في الحد من الاستثمار العشوائي ودون ردع للطبيعة بالذات .
وحين أكتب هذه الكلمات، كما لو أننا أكتب موضوعاً في العلاقة بين الإنسان والبيئة، والطبيعة ضمناً، فليس بغرض نسيان ما جرى، وما يمكن أن يترتب على هذه” الكارثة الزلزالية ” بامتياز، من تبعات ومن تهديدات لا يمكن تبرئة ” الداب على اثنين منها، وإنما للنظر عميقاً في الذي جرى في بؤر التوتر التي أظهرت إلى أي مدى كان لإنسان ” جزوعاً ” وقد مسه ” الشر “، وليس في الحادث شر، وإنما حصيلة حسابات قائمة وفي الأسلوب الخلط في سياسة التعامل مع الطبيعة.
وأسمع لنفسي بالحديث قليلاً عما هو سياسي، وأنا أشدد على أن إمكان الرابط القويم، وفي أكثر من زاوية بين تلك السياسات الجائرة والطاغية في مركزيتها الجانبية، وتحت شعارات تعزّز إجراءاتها وتثمّن حتى نتائجها وهي ليست مميتة فحسب، وإنما تحيل الإنسان المخطط لذلك والمنفذ لذلك، إلى الكائن الأكثر تمثيلاً للخراب الذي يحفّز على إحداث بؤر توتر، أو تنشيطها، أو الإسهام فيها. وعلى نفسه جنى هذا النوع من الإنسان السياسي في موقع المسئولية الكبرى، ومواجهة تماديه فيها.
وإذا كان لنا أن نقيم علاقة بين كل من السياسة المعتمدة هذه في المنطقة وخاصيتها الأخلاقية، فهي تتمثل في تجاهل ما هو قيمي من النوع المبصّر للقائم بذلك، وما في ذلك من تسريع الخطى في طريق ممارسة العنف، والقتل، وإحالة الآخرين ممن يتم تجريدهم مما هو إنسان.
أوليست تركيا، قبل غيرها ممثّلة لهذا النوع من التمادي؟ وخصوصاً حين نواجهها بما تنسب إلى نفسها بمفهومها السلطوي ما هو ديني: إسلامي، لتكون الطامة كبرى؟!
ترى لو روعيت علاقات معتدلة في العلاقات بين شعوب المنطقة، وبعيداً عن النزوع الإمبراطوري المدمر، والفضيلة المزيفة لهذه القومية المستبِدة، ووجهت تلك المبالغ القياسية من المال والخبرات في استثمار ما هو طبيعي معقول، وبشري مدروس ومن زاوية كاملة،بعيداً عن التهديد بالقتل وخلافه، أكنا نشهد ” كارثة ” كهذه؟ أكنّا نتفاعل مع أي كارثة محتملة، وبشكل مختلف، كما هو وضعنا اليوم، حيث ليس من الأحقاد المنفجرة حروباً تصفوية، واشتهاء للمزيد منها، وما في ذلك من أهوال لها عمر مديد بمفهومها النوعي، وللكرد نصيب وافر منها؟
تُرى، هل فكّر هؤلاء الذين يمارسون تخريباً للطبيعة وإتلافاً لغناها النباتي، كما في الجينوسايد البيئي ” أليس لجوء من تدعمهم تركيا، ممن يشكلون مرتزقة وراهني أنفسهم لمن تستبد بهم، على طريقتها، كما تستبد بالجغرافية الطبيعية، من تغيير جغرافي فيها، ومن قطع لأشجارها الشديدة الأهمية: أشجارالزيتون، ربما لأنها لا تكف عن التكلم بالكردية، واعتبارها إرهابية كأهليها، إلى ما يعرَف عنها، ومنذ ” الزلزال السياسي ” السوري، وكيف تفرق الملايين من أهل سوريا، والكرد في نسبة كبرى منهم، أيدي سبأ، والاستهتار بكل ما يخص القوانين البيئية، تعبيراً عن هذا الانحراف، أي الخروج عن جادة صواب الطبيعة بامتياز ؟”
نعم، إنها حقاً لكارثة طبيعية رهيبة، لأن ليس هناك من نظَر في أمرها كما هي في مرجعيتها الطبيعية، ولكنها أبعد ما تكون، وفي نسبة كبرى من واقعتها، عما هو كارثي، جرى هذا الاستفاف بحق الطبيعة بالذات، وانتشاء لافتاً بالخراب المستحدث، تعبيراً عن عقد قوموية وغيرها.
نعم، لكم أرثي، وبمرارة خاصة بي، وهناك من يشاركونني في هذا التنسيب الوجداني، وأكثر هنا وهناك، كل الذين صاروا ضحايا ما يجري، وأرقام الضحايا في ازدياد، وما ألحق بالناس، في تفاوت مواقعهم، وجلهم من الناس ” الغلابة ” من خسائر، وواجهوا وسيواجهونه من مآس، وليس ما هو مرئي تلفازياً، بصورة مركَّزة، في وجوه تظهِر علامات تأثر حزناً وشجناً وقلقاً من ” أولي أمر البلد ” هنا وهناك، وهي حالة مؤقتة بالتأكيد، فليس في مقدور أي كان تعويض من ” هلكوا لأسباب لا يد لأي من هؤلاء الغلابة في الجاري، وإنما من استخفوا ويستخفون بهم في الدفع بالطبيعة لأن تظهر هكذا، وفي أبنية لا تراعة فيها تلك الشروط الصحية والعلمية بالمقابل .
إنما مرارتي مضاعفة، وهي تترجم قهري، وضعف حيلتي تجاه ما يجري، وما يمكنني القيام به، فكان هذا الذي أكتبه وملء روحي شعور موجه إلى الخاري وتسقّط الأخبار، والتمني ألا تكون خسائر أخرى في الأرواح والممتلكات، وإلى الذين يبكون في صمت، تعبيراً عن قهر موغل في القدم !
دهوك، مطلع النص الثاني من ليل الثلاثاء 7-2-2023 .