التغيير الديمغرافي في عفرين. هل هو مؤقت أم دائم؟ا

د. عبدالحكيم بشار

نشر مجلس محافظة حلب الحرة بتاريخ 11-12-2022 إحصائية تحت عنوان” الإحصائية السكانية مع المساحة الجغرافية للمناطق المحررة” ومصدرها في ذلك” وحدة تنسيق الدعم، حيث تظهر الإحصائية أعداد من تبقّى من سكان عفرين، ويبلغ تعدادهم  نحو 132 ألف نسمة من أصل حوالي 800 ألف نسمة، ويبلغ عدد الوافدين 415 ألف نسمة، أي أن نسبة الوافدين تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف من تبقى من أهل مدينة عفرين، وهي أعلى  نسبة للوافدين في جميع المناطق التي تقع تحت سيطرة الائتلاف، ولو نظرياً، ولكن هل هذا التغيير مؤقت نتيجة الانزياح السكاني، بسبب  العمليات العسكرية التي شنّها النظام السوري على المدنيين، بما في ذلك استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وبالتالي اضطرار الناس إلى الهرب والبحث عن مناطق أكثر أمناً
هذا التغبير الذي حصل اضطرارياً،  هل سيصبح دائماً؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال، علينا القول: إن هذا يتوقف على عوامل عدة منها: سياسات المجلس الوطني  الكردي،  ومدى نجاحه في تجنيب التغيير الدائم، ومدى ارتباط الأخوة الوافدين بأماكن سكناهم الأصلية، وإصرارهم على العودة والتمسك بديارهم الأولى في نهاية المأساة السورية، وهذا يتوقف على مدى قدرة السوريين على التعاون مع المجتمع الدولي  لتحقيق الانتقال الديمقراطي في سوريا والذي يوفّر البيئة الآمنة لعملية العودة الطوعية، وبالتالي يمنع التغيير الديمغرافي، ولكن ثمة أسئلة تطرح في هذا السياق،منها:
ما أسباب  هذا التغيير الديمغرافي  والذي سنسميه بالمؤقت، ومن المستفيد منه؟ ومن الخاسر؟ وماهي هي الحلول؟
برأيي:
ثمة سببان رئيسيان، لهذا التغيير، أولهما: كما ذكرنا اضطرار الكثير من السكان إلى الهرب من جحيم الحرب، والبحث عن مناطق أكثر أمناً، وثانيهما: حزب العمال الكردستاني، إذ إنه بعد هزيمته من عفرين عام 2018 أخرج معه معظم سكان عفرين، وأسكنهم في مخيّمات تشبه مخيمات الاعتقال، إن لم تكن أسوأ
أما الخاسرون بالدرجة الأساس هم طرفان:
أولهما الكرد، بسبب التغيير الديمغرافي الذي يطال مناطقهم، وما يشكل ذلك من خطورة  على قضيتهم القومية، ناهيكم عن معاناة سكان عفرين، بسبب اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد، وهكذا بالنسبة إلى أشكال المعاناة الأخرى، حيث لا يسع المجال للدخول في تفاصيل كل القضايا
والخاسر الآخر هم الأخوة عرب السنة (مع عدم رغبتي من استعمال تعابير طائفية، ولكن لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها) لشرح الحقائق التي تعبر عن نفسها كما  الشمس، إذ اضطروا إلى مغادرة منازلهم  ومساكنهم، تاركين وراءهم أملاكهم وممتلكاتهم وجهودهم منذ عشرات السنين، بل  منذ مئات السنين. وحصيلة تعب وشقاء آبائهم وأجدادهم
تاركين وراءهم ذكريات طفولتهم وشبابهم.
تاركين وراءهم قبور آبائهم وأجدادهم
تاركين جذورهم التي رووها  بعرق جبينهم، وحافظوا عليها بدمائهم، ولأجيال متعاقبة ليجدوا أنفسهم وقد انقطعوا عن كل ماضيهم وتاريخهم، وتراثهم  لقد تم اقتلاعهم  من جذورهم بشكل نهائي، ليحلّ محلهم وافدون من إيران وأفغانستان، وباكستان، نتيجة مخطط  الحقد الإجرامي والطائفي، كي يعبثوا بتاريخ وإرث من تركوا ديارهم، وليمحوا كلّ آثارهم، ويزيلوها من الوجود، وبالتالي ليمحوا آثار ومعالم آلاف السنين
ثمّة سؤال آخر:
 من هم الرابحون؟
والإجابة باختصار
هم خصمان في الظاهر، وحليفان حقيقيان في الواقع
لا بل أحدهما مجرّد أداة لدى الآخر
 وأقصد بهما حزب العمال الكردستاني. الأداة الطيّعة لدى إيران والنظام السوري
حيث يخلو عمله من أية أجندة قومية كردية أو وطنية سورية
وكل همّه هو الاستثمار السياسي، لمعاناة النازحين من سكان عفرين،  وأدلجتهم على أفكار حزب العمال الكردستاني الخاوية، وتجنيد الشباب والقاصرات والقاصرين لصالح قنديل
أما المستفيد الآخر فهو النظام السوري، وسيده إيران. إذ لم يخف النظام ولأكثر من  مرة  أنه يكفيه أن يحكم سوريا المفيدة،
وهو يدرك ماذا يقول، ونحن نعي ماذا يقول؟
حيث يهدف من نظريته هذه، إلى إحداث تغيير ديمغرافي حقيقي في مناطق العرب السنة. في محافظات: دمشق وريفها وحمص وحماة واللاذقية، وزرعها بعنصر غريب، هم من شيعة ايران وأفغانستان وباكستان، بعد أدلجتهم، بحقد طائفي مقيت.
ما هو الحل،إذا؟
مازال الوقت متاحاً للحل إن أُحسن التدبير، من قبل الجهات المعنية، وهناك لا بد من اقتراح بعض الحلول، لمنع التغيير الديمغرافي، سواء في عفرين، أو فيما يتعلق بالمسكن الأصلي للأخوة الوافدين
وهو ما يمكن تخليصه، بما يلي:
1-على المجلس الوطني الكردي جعل عودة أهالي عفرين ورأس العين من أول أولياته، ووضع البرامج والآليات، والبحث عن الأدوات التي تحقق أو تساهم  في تحقيق ذلك، بشكل فعال
 وألا يكتفي بمجرد إصدار بيانات، وتصريحات لا تغني من جوع ولا تسمن
2-الائتلاف الوطني الذي بات مشغولاً بنفسه  أكثر من انشغاله  بقضايا السوريين الجوهرية،
يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عما يحصل، ولكي يقوم بواجبه، فإن عليه أن يوفر البيئة الآمنة لعودة مهجّري عفرين، ويوقف كل التجاوزات التي تحصل فيها، ويعيد للسكان الأصليين ممتلكاتهم، باعتبارها تقع في المنطقة التي يديرها الائتلاف.
وكذلك  فإن على الائتلاف القيام بكل ما يستلزم من ندوات وورشات عمل، وإصدار منشورات توعوية لتشجيع السكان الوافدين للعودة إلى مناطقهم الأصلية، منعاً للتغيير الديمغرافي فيها، أو على الأقل، السعي للتأكيد على عدم قبول الاستقرار النهائي في مناطق الآخرين، والعودة إلى مناطقهم، إذا توافرت أدنى شروط العودة، وتحمل العديد من صعاب العودة ومشاكلها، لأنها في المحصلة أهون من اقتلاع هؤلاء الوافدين من جذورهم.
3-الولايات المتحدة الأمريكية عليها أن تمارس الضغط اللازم على قسد، للسماح بعودة من يودّ العودة من نازحي عفرين إلى ديارهم، بل التشجيع على ذلك وعدم انتظار الحل السياسي النهائي في سوريا
الذي قد يطول.
نحن أمام ظاهرة خطرة في المجتمع السوري، تستهدف البنية السكانية والتركيبة الديمغرافية، وإن كان لها طابع مؤقت، من حيث الظاهر، ولكنها في حقيقتها عملية ممنهجة ومبرمجة، يشارك فيها أكثر من طرف، بقيادة إيران، وبالتعاون والتنسيق مع النظام السوري، وعلينا جميعاً كقوى ثورة ومعارضة، التصدّي لها من خلال وضع وتنفيذ برامج حقيقية،  مع توفير الأدوات اللازمة لمنع هذا التغيير.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…