قضايا كوردية قابلة للحوار «3»

د. محمود عباس

1- يقال في أوساط متفرقة، أن الإدارة الذاتية ليست كوردية، ولا تخدم الكورد.
الحراك الكوردي (المخالف أو المعارض) للإدارة الذاتية، أو لحزب الإتحاد الديمقراطي، رغم بعض التناقضات في مواقفها، يصنف بشكل عام من القوى السورية الأكثر قسوة في وصفهم، وفصلهم الحزب الحاكم والإدارة عن السمة الكوردية، بغض النظر عن صحة التقييم أو خطأه. 
 ولئلا يخسروا مصداقية الحكم، يفصلون بين القيادة والقواعد، بين الشهداء والمسؤولين. فانتقاداتهم، وتصريحات الحراك السياسي والثقافي الكوردي المنوه إليه، متنوع ومتشعب وتتضمن الكثير من التحليلات والآراء، بعضها تستند إلى خلفيات حزبية وأخرى على مجريات الأحداث والأعمال التي يمارسها الحزب الحاكم ومسؤولي الإدارة بحق الحراك الكوردي المخالف، وبحق الشعب الكوردي حصرا دون المكونات الأخرى في المنطقة، إلى جانب تصريحات مسؤوليها عن منهجية الحزب، ومفاهيمها الأممية، وتغاضيها عن القضايا التي زرعتها الأنظمة السورية العروبية في المنطقة الكوردية وضد الكورد، كقضية الغمريين والتي لم يتم التقرب منها، وغيرها من الإشكاليات.
  الإدارة الذاتية تصبغ سلطتها، ولغتها، وحراكها الثقافي والاجتماعي بالصبغة الكوردية، في الواقع العملي، وتنفيها في المنهجية النظرية، وهنا تظهر وجهي التناقض، والتي تبني عليها القوى التي تعزلها على الانتماء الكوردي تصريحاتها وتوصيفاتها، علما إن معظم الحراك الثقافي المؤيد للحزب الحاكم وللإدارة الذاتية أكثر المثقفين تطرفا في البعد القومي. 
 كما وفي هذا السياق فإن القوى الكبرى، وفي مقدمتهم أمريكا وروسيا، تتعامل معها كسلطة كوردية، حتى مع قسد، لكنها ورغم ذلك لا تحوز على تلك السمة بين المخالفين لها من الحراك والمجتمع الكوردي. ومن الغرابة أن مسؤوليها يمتعضون أحيانا عندما ينتقدون على هذا المفهوم.
 هذه المواقف والرؤى والتحليلات، تختلف لدى القوى المعادية للكورد، والتي تخفي عداءها للقضية الكوردستانية تحت أغطية متنوعة، فأحيانا وعندما تتطلب الضرورة، يصفونها بالكوردية، خاصة أثناء الترويج ضد الكورد؛ ويقدمونها كإدارة كوردية انفصاليه، الحركة السياسية المهيمنة تريد تقسيم سوريا. وأحيانا أخرى يفصلونها عن الشعب الكوردي عندما يودون التركيز على مهاجمة الحراك الكوردي عامة، مستخدمين الوطنية كغطاء، والعلاقات الإنسانية -التاريخية مع الشعب الكوردي بغض النظر عن هذا الحزب أو الإدارة، رغم انهم أكثر الناس تحريفا للتاريخ الكوردي في غربي كوردستان.
   لا زالوا يسيرون على السياق ذاته، رغم التغيرات الكارثية في المنطقة، فعند البحث في حقوق القوميات والأقليات ضمن سوريا، يعرضون حق الشعب الكوردي كمنة، وأعلى ما يقترحونه هو حق المواطنة، تحت منطق دولة المواطنة، وأن الكورد مهاجرون قدموا قبل قرن من كوردستان، وكأن الخط الحدودي أصبح الفاصل الرئيس بين سوريا وكوردستان وليس بين تركيا وفرنسا، متناسين الاحتمالية التالية: لو تمكنت تركيا الكمالية من تحقيق طموحاتها، وأوصلت حدودها إلى جنوب الحسكة وجبل عبد العزيز وحتى جنوب منبج وشمال جسر الشغور، هل كانوا سيبحثون في التاريخ الكوردي على بنية التقسيم الجغرافي هذه، والتي كانت متوقعة حدوثها لولا التشدد الفرنسي، والحصول على مبتغاها بعدما ساعدت والإتحاد السوفيتي قوات أتاتورك في معركة جنقيا ضد بريطانيا، والتي أنقذت تركيا الكمالية من التدمير الكامل.
  لم يقل العداء تجاه الحراك الكوردي، في كل مراحل نضاله، ومع كل الطروحات والمطالب، من تهمة الانفصاليون، عندما كان يطالب بالحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتقسيم سوريا عندما طالب بالنظام الفيدرالي الديمقراطي لسوريا، بعد عام 2011م، والأخطر عندما اتهموا بالإرهاب في الوقت الذي كانت القوات الكوردية، الـ ي ب ك والـ ي ب ج، والبيشمركة، في جنوب وغربي كوردستان يحاربون أبشع المنظمات الإرهابية، نيابة عن الدول الحضارية عامة. 
 تفاقم العداء، وخرج إلى العلن، عندما رفع الحراك الكوردي بكل أطرافه، شعار النظام الفيدرالي في سوريا وغربي كوردستان، قالوا أنهم أدوات لقوى خارجية يريدون تقسيم سوريا، وعندما تحول الـ ب ي د من النظام الفيدرالي إلى عملية إنشاء الإدارة الذاتية وظهرت أمريكا على الساحة السورية، وفي المنطقة الكوردية بشكل خاص، تنوعت التهم، من عمالة الكورد للقوى الخارجية إلى أدوات لأمريكا، إلى قوى تعمل على نهب خيرات سوريا، ولم يقفوا عند حدود ما ذكرناه، فعادوا إلى النبرة البعثية بحق الحراك الكوردي، ليصبغوها على الإدارة الذاتية، على أنه توجه كوردي، ويحكمها الحراك الكوردي، وهو خطر على دول المنطقة وتعمل مع الدول الكبرى كأدوات، هدفها تغيير جغرافيتها.
 لم تقف يوما هذه الحملات الإعلامية، وظلت تتأرجح ما بين الفصل أو ربط الإدارة الذاتية بالشعب الكوردي أو عدمه، حتى عندما تم تشكيل قوات قسد، والتي أغلبيتها من العنصر العربي، وفيما بعد تم بناء مجلس سوريا الديمقراطي، والتوجه نحو سوريا كوطن، وعرضت الإدارة الذاتية منهجيتها كإدارة أممية تخص كل المكونات السورية بدون تمييز، مع إعطاء الكورد حقوقهم التي كانوا محرومين منها طوال القرن الماضي، علما أن الشعب الكوردي وتحت ظل سلطة الإدارة الذاتية من أكثر الأطراف معاناة من ممارسات القوى المهيمنة عليها، وهي التي عانت من الهجرة إلى الخارج، في الوقت الذي كانت المنطقة تستقبل الألاف من أبناء الداخل، إلى الضرائب التصاعدية، وغيرها من أساليب التعامل التي تطال الشعب الكوردي حصرا. 
والسؤال: 
هل بإمكان قوى الإدارة الذاتية تغيير هذه المفاهيم، والتعامل مع الشارع الكوردي بنفس السوية التي يتم التعامل فيها مع المكونات الأخرى في غربي كوردستان؟  إن كانت فعلا تريد تطبيق منهجيتها الأممية؟
 أم عليها أن توضح سماتها الكوردية من خلال العودة إلى النظام الفيدرالي الكوردستاني، ورفع العلم الكوردستاني مع أعلام الحزب والإدارة الذاتية، والـ ي ب ك وغيرها، للحد من الازدواجية التي تتلاعب عليها القوى المتربصة بها؟
الولايات المتحدة الأمريكية
7/1/2023م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…