إرادة الشعوب لا تُقهَرُ

أمل حسن

إنَّ الإرادة درعُ الإنسان للدفاع عن نفسه في مواجهة كل الصعوبات التي يواجهها في حياته ، فإذا كانت إرادته صُلبة قوية كانَ إنساناً ناجحاً في حياته يحقق كل أهدافه ، و ينطبق هذا المبدأ على الشعوب المناضلة في سبيل تحقيق أهدافها في الحرية و العدالة و العيش الكريم .
و قصة الشعب الكردي المُكافح من أجل حريته وكرامته منذ قرون طويلة خير مثال على إرادة الشعوب المُصممة على نيل حريتها و استقلالها .
لقد خاض الشعب الكردي الأبيُّ عشرات الثورات و الانتفاضات منذ القرون الماضية ، و لا سيما في القرن العشرين بإرادته الصلبة و عزيمته التي لا تلين أمام جبروت أعدائه ، فقد كافحَ فاستبسلَ في الكفاح ، و قدَّمَ مئات الآلاف من الشهداء و الجرحى فِداءَ الحرية و الاستقلال ، فاستحقَّ بذلك لقبَ الشعب المكافح صاحب الإرادة القوية و العزيمة الصارمة 
ولعلَّ شعبنا الكردي في إقليم كردستان خير مثال على ذلك ، فقد بدأ كفاحهُ ضدَّ الأنظمة العراقية الديكتاتورية المتعاقبة على السلطة من خلال عدة ثورات و انتفاضات تُوِّجَتْ بالنصر المُشرِّف عام ١٩٩١م ، عندما أعلنَ عن إقامة إقليم كردستان الفيدرالي ، و لا يزال يُكافح بإرادته الصلبة إلى يومنا هذا ضدَّ المؤامرات التي يُحيكُها أعداء الكُرد و كُردستان 
وإرادة الشعب الكردي في شمال كُردستان و شرقها و غربها لا تقلُّ عُنفواناً عن إخوته في الإقليم المُحرَّر جنوب كردستان ، ففي شمال كردستان توالت الثورات و الانتفاضات ضدَّ الأنظمة التركية الشوفينية الناكرة لحقوق الشعب الكردي منذ ثورة الشيخ سعيد بيران عام ١٩٢٥م إلى يومنا هذا
و كذا الأمر في شرق كردستان منذ قيام جمهورية مهاباد برئاسة القاضي محمد عام ١٩٤٧م إلى انتفاضة الفتاة الكردية مهسا أميني التي أشتعلت كامل الأراضي الخاضة للنظام الإيراني ضدَّ نظام الملالي الظالم 
و في غرب كردستان بدأ الشعب الكردي كفاحهُ ضدَّ الأنظمة العسكرية الديكتاتورية في دمشق منذ استقلال سورية إلى يومنا هذا ، وقد حقق شعبنا منجزات تاريخية في غرب كردستان ، لم يسبق لها مثيل من قبل ، و كل هذا بفضل إرادته الحرة التي ترفض الخضوع و الإذلال أمام كل القوى التي تعاقبت على تقسيم و حكم كردستان 
إن الشعب الكردي يواصل نضاله المشروع في سبيل الحرية و الكرامة و العدالة ، و قد واجه عبر العقود الماضية أبشع حملات التنكيل و الإبادة ضدَّه إلا أنه ظلَّ متمسكاً بأرضه و هويته الكردية ، و بقيَ شامخاً لا ينحني أمام غدر عواصف الزمان ، فتحققت له الحرية المنشودة في جنوب كردستان ، و سيحقق حريته في باقي أجزاء كردستان طالَما أنه يمتلك إرادة فولاذية لا تعرف الانكسار 
و هذا يذكرنا بقول الشاعر التونسي أبو قاسم الشابي الذي قرأهُ السيد الرئيس مسعود بارزاني ، في الذكرى الخامسة للاستفتاء ، عندما قال :
إذا الشعب يوماً أرادَ الحياة … فلا بُدَّ أن يستجيبَ القدر
و لا بُدَّ للَّيلِ أنْ ينجلي … و لا بُدَّ للقيدِ أنْ ينكسر 
و في الختام : أعتقد أن حرية الشعب الكردي باتَ اليوم قاب قوسين أو أدني ، بفضل همته القوية ، و عزيمته الصارمة ، و إرادته الصلبة ، و كفاحه المرير .
تحيةً لشهداء كردستان ، أصحاب الإرادة القوية ، الذين كافحوا حتى الرمق الأخير .
تحية لكل الأبطال الذين زيَّنوا التاريخ الكردي ببطولاتهم العظيمة .
تحية لروح البازاني الخالد ، والشهيد الحي إدريس بارزاني ، و كل عُظماء كردستان الذين دخلوا سجلات التاريخ .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…