رأي في موقف الدول الغربية من القضية الكردية

جميل ابراهيم

للحديث عن موقف الدول الأوربية وأمريكا من القضية الكردية يجدر بنا الرجوع قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلى زمن الهجرة المليونية التي جرت في جنوبي كردستان، في ربيع عام ١٩٩١، في حينها طرأ تغير كبير على مواقف تلك الدول، حيث شهدت أوربا سخطا واستنكارا شديدن، واندفاعا لدى الرأي العام والحكومات كذلك للقيام بعمل ما بهدف نجدة الهاربين من بطش النظام الصدامي الدموي، وكان موقف الرئيس الفرنسي ميتران، وزوجته دانيال، من أكثر المتعاطفين بشدة والداعين إلى تقديم العون والمساعدة الفورية، ولكن جون ميجور رئيس الوزراء بريطانيا حينها هو الذي اقترح وقدم مشروع المنطقة الآمنة وحظر الطيران على جنوب كردستان، وأيدته في ذلك فرنسا وأمريكا وعدد من الدول الأخرى، أوربية وغير أوربية،
 وقد دبج حينها عدد من الكتاب الصحفيين العرب البارزين مقالات عديدة، شبهوا فيها مبادرة جون ميجور بوعد بلفور، وحينها أيضا تحدثت تقارير صحفية كثيرةعن أن طيرانا مجهولا، يعتقد أنه أمريكي، حسب تعبيرها، تلقي وتنزل صناديق كبيرة الحجم في منطقتي حرير، قرب هولير، وقلاجولان، قرب السليمانية، وعبر مرسلو هذه التقارير عن اعتقادهم بأن الأمر يتعلق بإنشاء قواعد عسكرية هناك على الأغلب، فهذه الصناديق الضخمة ليست مساعدات إنسانية، من هنا يمكن القول أن أمريكا وأوروبا انتهزت هذه الفرصة لإيجاد موطىء قدم راسخ لها في كردستان، خاصة بعد التطورات التي جرت حديثا في المعسكر الشرقي  وتفككه وضعفه، لكن ما أربك الغرب عموما في المضي إلى الأمام، والإقدام على خطوات أكبر نحو كردستان  والشعب الكردي، هو الإقتتال الداخلي بين البارتي والإتحاد الذي نشب في أوائل أيار ١٩٩٤، وسبب لدى تلك الدول استياء كبيرا …
أذكر أننا، في بداية صيف ١٩٩٥، التقينا في مدينة القامشلي الدكتور محمود عثمان، وكان برفقته عضو بارز في مجلس اللوردات البريطاني، كان رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس اللوردات، وكذلك سيدة أمريكية كانت من أبرز أعضاء لجنة حقوق الإنسان في أمريكا، أو هكذا عرفا عن نفسيهما، وتحدثنا مطولا عن ذلك الاقتتال الداخلي، وكان من شدة استيائهما ورفضهما لهذا الاقتتال أن اختصرا رأيهما في عبارة قصيرة مفادها(هل نشهد من جديد حربا صفوية عثمانية، هل يعيد التاريخ نفسه من جديد، إنها كارثة بحقكم)، ولا ننسى بأن أمريكا مارست ضغوطا كبيرة على طرفي النزاع، حتى توصلت إلى عقد مصالحة واتفاق بينهما …
من البديهي القول بأن هذه الدول العظمى تتبع سياسة تحقيق مصالحها، بمعنى أن سياساتها تتغير وفق مصالحها، ولكن يبدو أن مصالحها في منطقتنا تتواكب مع مصالحنا القومية العليا، وما الضرر في ذلك، بل إن ذلك حظ جيد وفرصة تاريخية بالنسبة للشعب الكردي وقضيته القومية، وبذلك يمكننا القول بأن مواقف أمريكا وفرنسا وبريطانيا خاصة والدول الغربية الأخرى عامة قد تغيرت تجاه قضية شعبنا بشكل إيجابي …
اليوم نرى أن التنازع الدولي على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط يتصف بالحدية والدقة، بعد إزاحة أمريكا بتدخلها العسكري لنظام صدام حسين المقبور، وبعد ما سمي بحركات الربيع العربي وما أحدثتها من تغيرات في عدد من دول المنطقة وخاصة ما حدث ويحدث في سوريا، وسط توازنات دولية متغيرة، وأحيانا غير متوقعة، قد يطول الحديث فيها، إلا أن ما يهمنا معرفته،حسب اعتقادي، هو أن العائق الكبير أمام إيجاد كيان كردي مستقل، وبالأحرى أمام دولة كردية جامعة لكل الأجزاء أو لبعضها، علاوة على الدول المحتلة لكردستان، هو الموقف الروسي والصيني، هاتان الدولتان العظميان مصرتان حتى الآن على عدم تغيير الحدود لدول الشرق الأوسط وخاصة تلك الدول المحتلة لكردستان، وذلك وفقا لمصالحها الحيوية خاصة مع النظام الإيراني والدولة التركية، فالصين أبرمت اتفاقات  ومعاهدات طويلة الأمد مع إيران، والعلاقات التركية الروسية والغزل السياسي بينهما لا تحتاج إلى شرح أو تبيان، قد يضاف إلى ذلك تردد  بعض الدول الأوربية في هذا الصدد، والتي ترى في إيران وتركيا خاصة سوقا واسعة للتبادل التجاري، فلا تريد تفتيتها أو ضياعها، أما بالنسبة للدول الغربية الأخرى،  وخاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، فإنها، كما يبدو، اتخذت قرارها، برأيي، في إيجاد دولة كردية حليفة لها، تعوضها عن بعض حلفائها المترددين في المنطقة، وتتخذ منها ركيزة لإدارة مصالحها في الشرق الأوسط، ويبدو ذلك من اهتمامها(الدول الثلاثة) الكبير بإقليم كوردستان وتقديم المساعدات المتعددة ومعاملة الإقليم وخاصة رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة، وقبلها الرئيس مسعود بارزاني معاملة خاصة ترقى إلى درجة التعامل مع دولة، وتبدي اهتماما كبيرا بمسألة عصية على الحل في الإقليم، وهي مسألة توحيد البيشمركة، ولا يخفى ما تبديه هذه الدول من اهتمام بمسألة توحيد الصف الكردي في غربي كردستان، ومن المهم أن نعلم أن أمريكا والدول المتحالفة معها (في مكافحة الإرهاب ) ليس لديها تكية، كما يقال عندنا، حتى تقدم كل هذا الدعم والسلاح لقوات(قسد)، بل إنها تزرع الآن ما تريد أن تجنيه فيما بعد، على أن تنفيذ هذه الدول لعزمها على إيجاد دولة كردية مرتبط بديناميكيتها السياسية، وتعاملها مع موازين القوى في المنطقة …
هذا التعامل الغربي مع جنوبي وغربي كردستان هو ما يثير أكبر المخاوف لدى تركيا وإيران، ويشعل النار الوقادة في أحشائهما، فتحاولان بكل ما لديهم من وسائل وأدوات لتخريب هذا الأمر، وعندهما منظومة PKK وأذرعها تعمل بأوامرهما وتعليماتهما بدقة، كالجندي المستنفر، لتنفيذ مخططاتهما التخريبية …
هذه المنظومة معروفة جيدآ لدى أمريكا وحلفائها، ويعرفون عنها ما لا نعرف نحن الأكراد بمجموعنا عنها، وأعتقد أنهم يتعاملون معها بمعرفة واضحة وليس عن جهل أو غباء …

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…