احذروا من مسرحية أردوغان القادمة

د. محمود عباس

  كل عملية عسكرية تركية في سوريا، واحتلال لمناطق من غربي كوردستان، سبقتها مسرحية كوميدية- تراجيدية، عرضت لمسؤولي الإدارتين الأمريكية والروسية قبل أي طرف آخر، والخمس الأخيرة، كانت لإقناعهم على اجتياح المنطقة، نجح في ثلاث منها، وأخرها كانت لـ (دونالد ترامب) الجاهل بتاريخ المنطقة والصراعات التاريخية الإقليمية، وفشل في الأخيرتين، لم يقتنع بهما (جو بايدن) الخبير بتاريخ المنطقة، كما وليس فقط لم يتمكن من إقناع إيران في محادثات طهران، للوقوف معه بالضغط على روسيا، بل عارضت رغباته، وهو ما يزيد من احتمالية الاستمرار في عرض مسرحياته الإجرامية، وربما بأسلوب مختلف، لا تزال غير معروفة ممثليها، على الأرجح ستكون أخبث وربما أعمق إجراما من سابقاتها، وتبقى الغاية هي ذاتها، إقناع روسيا وأمريكا لإزالة الخط الأحمر والسماح له بالاجتياح.
 الرفض الأخير، دفع به لاستخدام قواه السياسية والدبلوماسية على المستويات العليا، مسخرا للغاية خدماته لهم في الصراع الأوكراني، وتلاعب مع الناتو وقراراته، من المعارضة إلى التنازل بشروط، ومنها عدم التعرض لعمليات تدميره للبنية التحتية للمنطقة الكوردية المدمرة أصلا، أملا أن يكون تمهيدا لعملية الاجتياح الذي سبق وكان قد جهز لها القوى التكفيرية من المعارضة السورية، يوم سمح لجبهة النصرة بأخذ المناطق المتاخمة لمراكز قوات قسد في منطقة عفرين. العملية التي صعدت من وتيرة الاعتراض الروسي، والتي اعتبرتها رسالة موجهة لها، قبل أن تكون لقوات قسد، معتبراً أن تركيا نوهت من خلالها على إنه بإمكانها إطالة ديمومة الحرب الأهلية في سوريا.
 تركيا دولة لها ثقلها، تتحرك على السويات الإستراتيجية، تتوافق مع روسيا في بعض المجالات وتتعارض معها على مصالح أخرى، خاصة وعلى خلفية الحرب الأوكرانية أصبحت تفرض شروطها، لكنها تغطيهم بحجج، أو أساليب تحاول أن تبين بهم على أنها لا تتعارض ومصالح روسيا وأمريكا في سوريا، لذا وبعد فشلها الأخير، لا بد وأنها بدأت ترسم خطط بديلة، وبالتالي فاحتماليات عرض مسرحية تراجيدية جديدة مختلفة عما قدمته في عملية إستانبول، قد تكون أكثر وحشية وإجراما بحق الشعب التركي وبشكل خاص المدنيين، لكسب الرأي العالمي وخاصة أمريكا وروسيا، ولا يستبعد أن تعرضها في قادم الأسابيع، أي قبل اشتداد الحملة الدعائية للانتخابات، وبالتالي على كل القوى المعنية بالأمر التحضير لما يمكن أن تقدم عليها تركيا، إن كانت من قبل إدارة أردوغان، لكسب الشارع التركي، أو الدولة العميقة والتي قد تفعلها لجره إلى الصراع مع القوى الكبرى.
 علما أن عملية احتلال غربي كوردستان، بالنسبة للأنظمة التركية العنصرية، ليست احتلال لشمال وشرق سوريا، كما تقدمه روسيا ونظام بشار الأسد وإيران على المحافل الدولية، لتقزيم الدور الكوردي ومكانتهم عالميا قبل أن تكون معارضة لتركيا. والطرفين يشتركان في منهجية العمليات الاستباقية وهي الحد من تصاعد الظهور الكوردي في المنطقة وعلى المسرح العالمي، حتى ولو كانت اليوم تظهرها تركيا على أنها حرب على منظمة لا تعتبر ذاتها كوردية ومتهمة بالإرهاب من قبل تركيا، والتي هي بالنسبة لأمريكا حليف مهم لحماية الأمن الأمريكي من الإرهاب التكفيري، كما وتعتبر ما تقوم به تركيا رسائل روسية لإخراجها من المنطقة، وهنا نقاط التقاطع والمصالح بين تركيا وروسيا، الفصل بين أمريكا والقوى الكوردية، والتركيز على شرعية الإدارة الذاتية وبالتالي شرعية الوجود الأمريكي في غربي الفرات، أي غربي كوردستان، وما يتم الحديث فيه حول التقارب بين أردوغان وسلطة بشار الأسد، ليست سوى علاقة جدلية ركيزتها العداء للكورد، والعمل على إنهاء الوجود الأمريكي وبالتالي القضاء على قسد وإزالة الإدارة الذاتية، دون بديل كوردي، مهما كان مقربا من تركيا أو المعارضة السورية السياسية.
 لذلك فأي مسرحية أردوغانية قادمة، مماثلة لجريمة استانبول أو أكثر حبكة وإجراما، ستكون مقدمة، لإعادة فتح حوارات دبلوماسية جديدة مع أمريكا وروسيا، والطلب للسماح بالاجتياح، قد تسبقها إعادة التدمير للبنية التحتية، وقتل للأبرياء، وتغطية على الجرائم التي تتصاعد في عفرين، والتي بلغت أعلى مراحل التحمل الدولي، لكن ومن جهة أخرى، وبعدما بدأت تتكشف أوراقه للعالم، وأصبحت خلفيات مسرحياته أكثر من معروفة، من المتوقع أن تنقلب أية جريمة قادمة على إدارته وقادمه في الانتخابات، حتى ولو تم تغطيتها بإشكاليات إعادة المهاجرين السوريين، ومسيرة توطينهم في المدن التي تبنيها قطر، خاصة وأن المنظمات الإنسانية بدأت تتناولها كجرائم بحق المدنيين العزل في المنطقة الكوردية، وتعرضت لها بالسلب بعض الدول الكبرى كالصين كما حصل قبل أيام ضمن قاعات مجلس الأمن.
 وهي تتعارض ومصالح أمريكا، في المنطقة، والتي تتطلب زيادة الدعم لقوات قسد، حتى ولو كانت تحت غطاء محاربة داعش، وهي في عمقها تدرج ضمن حلقات صراعها الإستراتيجي مع روسيا والصين على منطقة الشرق الأوسط، وعلى الأرجح ستجد بأنه من مصلحتها الإقدام على الاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية، وقد تقدم على الحظر الجوي فوق جغرافية غربي كوردستان.
  ولا شك هذه المعادلة معروفة من قبل تركيا وإيران وروسيا، وعلى أسسها تتحرك وتحرك أدواتها ضد القوى الكوردية عامة وليس فقط ضد قسد أو الـ ي ب ك أو الإدارة الذاتية، ومقابلها يحاول ممثلي أمريكا إلى المنطقة بين فترة وأخرى إيجاد سبل لإنجاح التقارب الكوردي -الكوردي، لتقوية الجبهة الداخلية والاعتماد على العنصر الكوردي بشكل رئيس، دونها قد يخسر الكورد الكثير،  قبل خسارة الأمريكيين للمنطقة، وهنا على الكورد أن يدركوا أنها القوة التي بإمكانها أن تبحث عن البديل إن لم يكن اليوم فغدا، وبالتالي لا بد من دراسة المعادلة بتمعن وببعد سياسي بعيدا عن الحقد والضغائن، وهي من الشروط التي تسهل تحقيق أي نجاح لقادم غربي كوردستان.
الولايات المتحدة الأمريكية
23/12/2022م
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…