قد تنتهي إيران الخميني

صبري رسول

الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها من كردستان الشرقية لها مدلولها السياسي الكبير، حيث يتعرّض الشعب الكردي إلى اضطهاد كبير بسبب الانتماء القومي، ولغته تتعرّض لحرب كبيرة، فيواجه معلمو اللغة الكردية عقوبات فاسية تصل إلى السجن والقتل.
هناك إحساس كبير لدى الأقليات غير الفارسية، من الكرد والبلوش والعرب، أنّ الاضطهاد القومي أو الديني الذي تتعرض له من النظام الديكتاتوري نابع من طبيعة النظام نفسه، المتحكم برقاب البلاد، وأن الثورة التي مازالت مستمرة إنما اشتعلت في وجه الظلم، ولانتزاع الحقوق المسلوبة وليست لغايات انفصالية كما يروج لها النظام، ولخّصت إحدى اللافتات مفهوم انخراط الشعوب الإيرانية الأخرى في ثورة الشعوب الإيرانية لنيل الحريات حيث كُتب على اللافتة التي رفعها المتظاهرون بلوجستان، الجمعة الماضي: «لو كان الأكراد والبلوش انفصاليين لقاتلوا ضد إيران لا من أجلها».
النظام يقوم بتصدير أزماته إلى الخارج كلَّما واجه احتجاجات الشعوب الإيرانية في الشارع، ويلقي المسؤولية على الغرب وإسرائيل، تهرّباً من استحقاقات المرحلة وتلبية طلبات الشارع، ومنح الحقوق المشروعة للقوميات المُضطّهدة، وهذا من طبيعة الأنظمة الشموليات في إدراة الأزمات، وما الضربات العدوانية والهجمات الصاروخية على إقليم كردستان لاستهداف مخيمات اللجوء، ومكاتب الأحزاب السياسية إلا أسلوباً لتوجيه الأنظار إلى أمور خارجية لتبرير قمعها وتوجيه تهمة التعامل مع الخارج إلى المحتجين.
الأمر لم يكن مجرد صدفة، أن يوجّه النظام صواريخه إلى اللاجئين العزل، وإطلاق تهديدات ضد الإقليم، في الوقت الذي توقم تركيا بقصف المناطق الكردية في سوريا وتدمير البنى التحتية ومراكز الطاقة. الضربات المشتركة جاءت بتنسيق كبير وتبادل معلومات استخبارية على مستوى عالٍ بين الدولتين، رغم صراعهما الخفي تارة والعلني أخرى منذ مئات السنين، لكن يتفق الطّرفان إذا تعلّق الأمر بالمسألة الكردية. 
الشعارات «الموت للديكتاتور»، و«الموت لخامنئي»، و«الموت للظالم، سواء كان الشاه أو المرشد» تؤكّد أنّ الشعب لم يعد يثق بهذا النظام، وطفح الكيل، ويجب تغييره، وإلغاء «شرطة الإخلاق» مجرّد مسألة يتحايل فيها النظام على الشعب، فالذهنية لحكام طهران لن تستجيب لطموحات الشعب، ولن تلبي طلبات المحتجين. 
الكردية مهسا أميني 16 سبتمبر (أيلول) الماضي أشعلت الشرارة، ومهّدت ثورة الكرامة الإنسانية السبل أمام النساء القابعات وراء الحجاب ليمزّقن ستار الخوف ويواجهن آلة القتل الديني، وما عزّزت إرادة الأقليات المضّهدة لاستعادة الثقة بنفسها، وتنظيم أنفسها لإسقاط أحد أكثر الدكتاتوريات قمعاً وشراسة. ورغم التضحيات المرتفعة منذ البداية إلا أنّ الرقعة تتسع مع الوقت، فقد أفادت وكالة نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) بأن «عدد القتلى في صفوف المحتجين وصل إلى 462 شخصاً، بينهم 64 طفلاً، حتى الخميس الأول من ديسمبر (كانون الأول) ». واعتقال 18206 أشخاص في 157 مدينة و143 جامعة شهدت احتجاجات منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في 17 سبتمبر. وقضى 61 عنصراً من قوات الأمن نحبهم.
هذه المعطيات تؤكّد على إصرار الشعوب الإيرانية على استمرارية ثورة الحرية والكرامة ضد الثّورة الخمينية التي بدأ حرّاسها يتحايلون على مبادئها، ويفقدون الحيلة في إبقاء السّيطرة الحديدية على رقاب الشّعوب الإيرانية، وما قرار إلغاء «شرطة الأخلاق» إلى بداية الطريق. 
الثّورات التي تشعلها الشعوب في وجه العوائق التي تحيل من حصولها على حقوقها تكسّر القيود القديمة وتبني بُنى جديدة للحياة، وإذا لم تستطع من مسايرة المتغييرات الاجتماعية والاقتصادية بفعل التطور الطبيعي للحياة فأنّها بذاتها تتحوّل إلى عائق أمام التطور والتغيير، ما يدفع الأجيال الجديدة إلى الثورة مجدداً ضد متاريس الثورة القديمة، كما حصل في روسيا البلشفية ودول السوفييت سابقاً، وهذا ما يحصل الآن في رحم الثورة الخمينية، فقد أرست قواعدها على القمع والقبضة الحديدية، فتحوّلت مع الزمن إلى دولة بوليسية استعصت على التطور، وعلى صعيد آخر نهب حرّاس الثورة الخمينية اقتصاد البلاد وصرفها لتصدير مفاهيمها إلى الخارج. الدولة القوية لم تعد مجرّد خريطة جغرافية، بل خريطة سياسية تبتلع الجوار البعيدة والقريبة، واعتمدت إيران هذا الأسلوب في تصدير الثورة حتى ابتلعت العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهناك دول أخرى على جدول الأعمال. 
دولة إيران أمام استحقاقات عاجلة، وعلى قادة ثورة الخميني تقبّل الواقع الجديد، وإلا ستواجه إيران مزيداً من سفك الدماء، ومزيداً من القتل والدمار.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…