غرب كردستان بين الاحتلال والهجمات التركية

عبدالعزيز قاسم 

لقد تعرضت تركيا، بعد تدخلها العسكري في سوريا واحتلال مناطق واسعة من كردستان سوريا، والتدخل في شؤون ليبيا، وفي النزاع بين أذربيجان وأرمينيا ، وخاصة إثر دعمها للمجموعات الإسلامية المتطرفة، الى عزلة دولية وعربية… 
لكن و مرة أخرى،وإثر الغزو الروسي لاوكرانيا ؛ استطاعت تركيا من استعادة معظم علاقاتها مع العديد من الدول العربية وإسرائيل، وتحاول حتى استعادة علاقاتها مع دمشق، وهي من خلال ذلك تحاول جاهدة في الحصول على المزيد من المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية من حلفائها في حلف الناتو اولا، و خاصة بعد موجة دفءٍ جديدة في علاقاتها مع دول الناتو، و لاسيما مع الولايات المتحدة .
وثانيا في علاقتها مع كل من إيران وروسيا، و خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، حيث تطرح تركيا عدة مطالب جديدة رافعة من مستوى مطالبها في محاولة لتحقيق مكاسب جمةٍ في الملف السوري، وبشكل أكثر إيضاحاً سعيها لإنهاء القضية القومية الكردية في سوريا ، ويتجلى ذلك من خلال الصمت الامريكي والروسي تجاه تسليم منطقة عفرين المحتلة لهيئة تحرير الشام وهجماتها بالطائرات المسيرة و التقليدية على المناطق الكردية الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
ليس من شك أن تركيا و بعد احتلالها لمناطق واسعة من غرب كردستان ستبذل قصارى جهودها لإتمام احتلالها لكافة المناطق الكردية الأخرى في مخطط خفي غير معلن لتنفيذ التغيير الديموغرافي للمنطقة الكردية والقضاء على الوجود الكردي ، وما هجماتها المتكررة على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ، وتدميرها للبنية التحتية (الاقتصادية) وللمؤسسات المدنية والخدمية إلا الاحتلال بعينه !!
وبالطبع ،فيما لو سنحت لها الفرصة، فستبدأ مباشرة بتنفيذ هجماتها البرية على المناطق الكردية المتبقية!.
وكما أرى ان الهجمات التركية الأخيرة إنما جاءت ايضا كمحاولة لتخفيف الضغط على النظام الإيراني الذي يعاني أزمة كبيرة و لاسيما إثر الثورة الشعبية “الجديدة”، قبل أكثر من شهرين و التي كشفت معاناة و أزمة الطغمة الحاكمة المتفاقمة هناك في تعاملها مع تلك الثورة الشعبية، خاصة في كردستان الشرقية ، لا تزال الثورة مستمرة يوماً بعد يوم. 
ويبدو و كما أسلفت أن هناك انسجامًا قويًا بين كلاً من النظامين الإيراني والتركي وبخاصة حول قطع الطريق امام تطور الملف الكردي في كافة أقاليم كردستان و لقد ظهر هذا التنسيق جلياً من خلال القصف الجوي لهما على إقليم كردستان في التوقيت نفسه ايضا،و لا ننسى الاتفاقات المعلنة و الخفية للدول المحتلة لكردستان و التنسيقات و التفاهمات المشتركة بينهما ضد الوجود الكردي.
و كما اسلفتْ في بداية المقال حول التقارب التركي_السوري الراهن، و لا أدلّ على ذلك، تلك التصريحات اليومية التي يدلي بها كبار المسؤولين الأتراك و المتوددة حول ضرورة ترميم العلاقات مع النظام السوري… ، و لكن يبدو حتى الآن عدم استجابة النظام للدعوات التركية!.
و من اللافت أن تركيا المستعجلة تريد في استعادة علاقاتها الرسمية مع دمشق و ذلك لقطع الطريق أمام أيّ تفاهم كردي_سوري محتمل، و مقابل المحاولات التركية المستمرة لإحتلال كردستان سوريا بأكمله، فهناك حاجة لسياسة كردية حكيمة، لرؤية و قراءة جديدتين و بعيداً على الصراع على السلطة بين النظام و المعارضة السورية و بخاصة أن المعارضة السورية و الائتلاف بشكل خاص أكثر عدائية وشوفينية من النظام بالذات تجاه شعبنا وحقوقه القومية المشروعة، بالإضافة أن النظام السوري وبدعم روسي سيبقى إلى أجل غير مسمى في السلطة!.
و من أجل تلك المتغيرات و المعادلات السياسية فإن أمتنا الكردية بحاجة إلى مشروع قومي كردي شامل، يشمل كل القوى و المكونات الكردية، السياسية والعسكرية والاجتماعية بما فيها الأُطر الثقافية والعلمية،بحيث يتخذ الكل مكانه في ذلك المشروع ، قاطعة الطريق أمام مشاريع الدول المحتلة لكردستان و لاسيما في ظل إستمرار الثورة الحالية في إيران ، و في شرقي كردستان و رغم قمع النظام الإيراني و جرائمه الوحشية بحق الشعب الكردي خاصة ، تلك الثورة التي أدخلت رعباً شديداً في نفوس الغزاة ، و اربكت حسابات النظامين التركي و الايراني.
و اخيراً و كما ارى: ان نجاح و استمرار هذه الثورة سيغير موازين المصالح الاقليمية و الدولية، و هي فرص ذهبية ينبغي على الكرد الاستفادة منها، فاللحظات التاريخية تأتي متأخرة، لكن ليست في كل المرات…

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…