الحل في سوريا: قليلا من الواقعية..!

عبدالباقي حسيني

أقرأ في هذه الأيام بعض “البوستات” على الفيسبوك يدعي أصحابها، بأن الكردي السوري أصبح محللا سياسيا لكافة مشاكل المنطقة، دون أن يجد حلا لمشكلته في سوريا.
المطلب حق، لكن قليلا من الواقعية ياشباب. الحل في سوريا و بعد مرور ١١ عاما على «الثورة السورية» أو «الأزمة السورية»، أطلقوا عليها كما تشاؤون من أسماء، لم تعد سهلة، لا بل هي صعبة جداً. فها هو المبعوث الأممي المسؤول عن ملف سوريا، السيد غير بيترسون، يقول: لن يكون هناك حل في سوريا على المدى القريب، وإذا حصل ذلك فسنحتاج- على الأقل- لعشر سنوات قادمة.
بالنسبة لسوريا ككل، الذين يملكون القوة على الأرض، لا يملكون قرار الحل. و لنبدأ من النظام، فبالرغم من القوة المتبقية في يديه، إلا أنه لا يمكن أن يفرض حلاً على كل السوريين. إنه يرى في أي تنازل، نهايته،كسلطة. كما أن قوى المعارضة، بكافة فصائلها، لا يمكنها فرض أي حل على الأرض، لأنها غير موحدة، ولا يعترف بها لا النظام و لا الشريحة العظمى من الشعب، وها نحن نراها اليوم كيف أن فصائلها تتناحر، فيما بينها، على منطقة عفرين المحتلة من قبل تركيا و بعض الفصائل المرتبطة بها.
أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فبالرغم من أنها تملك قوة عسكرية كبيرة، قوامها يتجاوز ال ستين ألف مقاتل، و تتحكم في منطقة تقدر ب ٣٠٪ من مساحة سوريا، إلا أن مناطقها مخترقة من قبل الروس و جيش النظام و الميليشيات الشيعية الإيرانية. قسد ليس باستطاعتها أن تطرح حلا للمعضلة السورية، و لا حتى للقضية الكردية في سوريا، لأن بقية الأطراف السورية، سواء النظام أو المعارضة لا تعترف به و تعتبر قسد نتاج أجندة أمريكية و بعض مخابرات الدول الإقليمية. قوات سوريا الديمقراطية و بحكم السلاح الذي بين يديها تريد أن تكون الآمر الأول والأخير في منطقة شمال و شرق الفرات، بعد أن فقدت عفرين و سري كانية (رأس العين) و كري سبي (تل أبيض) من يديها. فلو كانت لقسد و الإدارة الذاتية المدنية أية نية في حل القضية الكردية و الحفاظ على مناطق الكرد، لكان الوضع الآن و على الأرض مختلفا تماما. لكن الإدارة الذاتية و قسد، لهما أجندة حزبية صرفة، فهي تبحث عن مكاسب حزبية ضيقة، دون الاهتمام بالهم القومي. ولعلم الإدارة و قواتها أن هذه الأجندة هي حالة مؤقتة و ليست دائمة كما تعتقد.
لنرجع إلى الحل في سوريا و من بين ذلك حل القضية الكردية فيها، ولنبدأ من الدول العظمى و ملحقاتها:
روسيا و معها نظام بشار الأسد و الميليشيات الإيرانية، حيث لم تستطع حتى الآن فرض حل على الشعب السوري. فروسيا ترى الحل الوحيد عندها هو الإبقاء على هذا النظام الدكتاتوري مع بعض التنازلات الطفيفة للمعارضة و للكرد، و هذا ما يرفضه الجميع، كون البلد خسر مليون شهيد، و دمر نصفه، و شرد نصف الشعب على يد هذا النظام.
أمريكا و معها قوات قسد، لا يمكنها أن تفرض حلا على مناطق النظام و مناطق المعارضة. أمريكا لها أجندة خاصة بها، بدعوى أنها تلاحق المتبقين من الدواعش، فهي لا يهمها لا الشعب السوري ولا الاستقرار في سوريا، وهي التي سمحت لنظام بشار الأسد أن يبقى على رأس السلطة حتى الآن.
تركيا مع كل فصائل المعارضة و المنضوية تحت جناحها لا يمكنها فرض حل على بقية الشعب السوري، لأن أغلبه لا يثقون بهذه المعارضة ولا بنوايا تركيا اتجاه سوريا.
الدول الكبرى (أمريكا و روسيا) و كذلك الدول الإقليمية (إيران و تركيا)، الكل يبحث عن مصالحه، فقط النظام و المعارضة و قسد لا يبحثان عن مصلحة البلد. أجل. الكل يبحث عن مصالحه الخاصة و الضيقة، ماعداهما، فهما بأيدي سواهما.
أخيراً، الكل يعرف وضع المناطق الكردية و المتحكمين بها، وكيف بجهلهم السياسي خسروا عفرين و سري كانيه (رأس العين) و كري سبي (تل أبيض)، و كيف أنهم لا يقبلون الشراكة مع أغلبية الشعب في إدارة مناطقهم و الحفاظ على ماتبقى من الشعب على أرضه، فهم يتقربون من المكونات الأخرى الصغيرة و ينسون المكون الأساسي في المنطقة. الحل برأيي المتواضع، إذا تنازل كل طرف للآخر عن بعض من مكاسبه ووضع المصلحة العامة في المقدمة و كان يملك نوعا من التسامح لوصل السوريون جميعاً إلى صيغة معينة للعيش المشترك، وإلا ستعيش سوريا منقسمة بين الأطراف الثلاثة و بوجود القوى الدولية و الإقليمية إلى مالانهاية. وكمثال فدولة لبنان شاهدة وأنموذج حي على التشرذم الداخلي التي تعيشها منذ ١٩٧٥ ولغاية الآن.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…