استفتاءُ إقليم كُردستان و حُلمُ الدولةِ الكرديَّةِ المُستقِلَّةِ

أمـل حـسـن

الشعبُ الكُردي كغيره من شعوب المنطقة و العالم يطمح إلى الحرية و العيش في دولة مستقلة ذات سيادة ، و قد راودَ هذا الحُلمُ الشعبَ الكردي منذُ القرون الماضية ، عندما بدأت الدول و الممالك تتشكل هنا و هناك ، و على إثرها تشكلت عدة ممالك و إمارات كردية مستقلة دامت عُقوداً عديدةً إلى أن سقطتْ بيد الفرس أو الرومان أو العثمانيين ، 
أما في القرن العشرين ، فقد أقامَ الكردُ حكومتين مستقلتين ، الأولى حكومة السليمانية المستقلة في جنوب كردستان بقيادة الشيخ محمود الحفيد عام ١٩٢٢م ، و الثانية هي جمهورية مهاباد المستقلة عام ١٩٤٦م في شرق كردستان ، و لكنَّ الدولتين سقطتا ؛ بسبب تآمر أعداء الكرد عليهما ، و لم تتوقف بعدها أحلامُ الشعب الكردي عن السعي إلى الدولة المستقلة ،
ففي بداية القرن الحادي والعشرين ، و تحديداً في : ٢٥ / ٩ / ٢٠١٧م أقدمتْ حكومة إقليم كردستان في العراق برئاسة السيد مسعود البارزاني رئيس الإقليم ذي الحكم الذاتي على خطوة الاستفتاء تمهيداً لإعلان الدولة الكردية المستقلة في جنوب كردستان ، إلا أن هذا الإنجاز التاريخي الذي يُحسَبُ للإقليم و الرئيس البارزاني لم يحظَ بقبول و تأييد عدد من دول المنطقة التي طالبت حكومة الإقليم بالتوقف عن إجراء الاستفتاء في وقته ، كما أن الدول المحتلة لكردستان ( العراق ،تركيا ، إيران) هددتْ بالتدخل عسكرياً في أراضي الإقليم و اجتياحه ، إذا أقدمَتْ حكومته على الاستفتاء ، إلا أن حكومة كردستان أصرَّتْ على إجراء الاستفتاء في وقته المحدد .
تمَّ إجراء استفتاء الاستقلال عن العراق في : ٢٥ أيلول عام ٢٠١٧م ، في ظل أجواء احتفالية في كردستان ، و قد أسفرتِ النتائج عن تأييد الغالبية العُظمى من المصوِّتين على انفصال الإقليم عن العراق ، و ذلك بنسبة : ٧٣ ، ٩٢ ٪ من مجموع المصوِّتين الذين بلغتْ نسبتهم : ١٦ ، ٧٢ ٪ منَ المسجّلين للتصويت .
كان الاستفتاء خطوة رائدة على طريق الاستقلال ، و تنفَّسَ الشعب الكردي الصعداء بعد عقود من الظلم و الاضطهاد و إنكار الحقوق من قِبل الدول المحتلة لكردستان ، فأطلقَ عِنان الفرح ، و تزيَّنت الساحات و البيوت في الإقليم بالعلم الكردي و شارات الاستقلال ، كما امتلأتِ الساحات العامة و الشوارع بحلقات الدبكات الشعبية و الاحتفالات المعبِّرة عن الفرحة بهذا الإنجاز العظيم ، و قد استبشرَ الكُردُ خيراً في بقية أجزاء كردستان المحتلة ، و باركوا لإخوانهم في الإقليم متطلعين إلى خطوات مماثلة أملاً بتحقيق حُلم الدولة الكردية المستقلة .
و لكنَّ تلكَ الفرحة الوليدة لم تدم طويلاً ، إذ أقدمَتِ كل من العراق و إيران إلى شنِّ هجوم عدواني مشترك على مناطق الإقليم ، و على رأسها محافظة كركوك ، كخطوة عدائية للشعب الكردي ، و تحطيم حُلمه في الاستقلال ، و على إثر ذلك سقطت كركوك و مناطق أخرى تحت سيطرة المُهاجمين على الإقليم ، و خمدتْ الفرحة الوليدة في قلوب الشعب الكردي ، إلا أن ذلك لم يكنْ كفيلاً بانتزاع حلم الاستقلال من قلوب الكرد الذين يتابعون كفاحَهم في جنوب كردستان و الأجزاء الأخرى من كردستان لإقامة الدولة الكردية المستقلة . 
و تأتي أهمية الاستفتاء بقيادة الرئيس مسعود البارزاني من كونها وضعت حجر الأساس للدولة الكردية المستقلة ، و شدَّتْ أنظار العالم إلى طموح الشعب الكردي ، و إصراره على تحقيق حلم الاستقلال رغم شوكة مُحتلِّي كردستان الذين يسعون جاهدين لاغتيال أي حلم كردي نحوَ الحرية و الاستقلال .
و يعتبر الاستفتاء وثيقة ممهورة من الشعب الكردي للدولة الكردية المستقلة ، و سيتمُّ تنفيذ مضمون هذه الوثيقة في أية فرصة تُسنح له ، و هذا ما أشارَ إليه مهندسُ مشروع الاستفتاء الرئيس مسعود البارزاني بقوله : إن لم يكن اليوم فسيكون غداً لا محالة ، بفضل سواعد البيشمركة الأبطال و آل البارزاني أسياد الوطن ؛ لأن الشعب الكردي يشعر بعد الاستفتاء بأنه أقرب من أي وقت مضى من تحقيق حلمه .
إذاً ، فالاستقلال قادم لا محالة ، و لن يتراجعَ الشعب الكردي عن إصراره على تحقيق حلم الاستقلال أسوة بكل شعوب المنطقة و العالم .
عاشتْ زغاريد فرحة الخامس والعشرين من أيلول ، أنشودة السلام الممزوجة بأصوات المساجد وأجراس الكنائس المقدَّسة في إقليم كردستان التي سجَّلت و رسمت بصمة على دفتر التاريخ من دموع العزِّ و المجد للرئيس مسعود البارزاني في سجلات تاريخ هذا الشعب العظيم ، و وضعت وصمة العار على جبين أعداء الكرد  والكردستانين ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…