إبراهيم اليوسف
كنت جد حريص على عدم الكتابة عن مهرجان دهوك الثقافي، لاعتبارات عدة، من بينها عائديته إلى جزء كردستاني آخر، كما أن إدارة المهرجان أدرى بشؤونها، ناهيك عن أنني لم أتابع تفاصيل فعالياته، ومحاوره، رغم إنني كنت شاهداً- ولو مصادفة- على بعض الوقائع- من زاوية جد ضيقة- أثناء التحضير للمهرجان، إضافة إلى أني لا أريد التدخل في شؤون مهرجانات يقيمها الآخرون، لاسيما تلك التي تنتمي- جغرافياً- إلى جزء كردستاني آخر، كما أشرت، إذ إن هناك من نقده من موقع الحرص وأهمية دور النقد، إلا إن هناك من صب ألسنة نيرانه على هذا المهرجان، انطلاقاً من مواقف مسبقة، كما إن هناك من نقده، على نحو ببَّغاوي، كما حال أصحاب الكثير من التعليقات التي راح أصحابها يوزعون شتائمهم: خبط عشواء، على المغيِّب، أو المغيَّب، أو الحضور الكريم. أضف إلى كل هذا أن بعض هؤلاء الذين تناولوا المهرجان راحوا يوجهون اتهاماتهم ل-اتحادات الكتاب- طالبين منها اتخاذ موقف ما، إزاء ما تم، في صيغة اتهام أو تحد غيرمسوغ!!؟
رغم إن الأمر يتعلق باتحاد آخر، في بقعة كردستانية محكومة بظرف آخر، فمثلما أننا لا نريد لأي اتحاد آخر التدخل في شؤوننا، فليس من حقنا أن نتدخل في شؤون اتحاد آخر لاعلاقة لنا به- وإن كنا نرى ضرورة وجود المعايير في كل مهرجان وعدم تمرير الأمي إبداعياً وثقافياً باسم المبدع لهذا السبب أو ذاك ولكم رأينا ونرى من تناقضات عندما يكون التقاط الداعي أو المدعو للآخر عبر الفيس ذي الحدين الإيجابي أو السلبي، ناهيك عن تخير المرافق المؤنس، في هكذا حالات، ومن دون معايير صارمة، وأنا أتحدث فيما هو عام. أما اعتبار نأي هذا الاتحاد أو ذاك بالنفس في أمر لا علاقة له به – تبعية لسلطة ما، فهو ليس إلا ضرباً من الخيال، وأستطيع هنا أن أتحدث عن اتحادنا. المستقل، الذي لا يقبل أية معونة من أي من الطرفين الإدارة الذاتية، والمجلس الكردي، ولا الإقليم، أو سواه، كما إن استقلاليته تضعه في موقع احترام لدى كل جهة تتابع مسار هذا الاتحاد.
إقصاء المفكر إبراهيم محمود:
كذلك، فقد ترددت في مرافعتي عن صديقي إبراهيم محمود عندما نشر الصديق الشاعر هوشنك بروكا خبر عدم دعوته إلى المهرجان، وذلك لأنني كنت أعلم الموقف الإيجابي لمدير المهرجان أ. حسن سليفاني منه، كما قاله لي، عبر اتصال بيننا أنا ومدير المهرجان- وإبراهيم محمود لا يقل عن أحد من المدعوين، وجلهم أصدقاء، ولهم احترامي الكبير ، غيرة، قومية ومواقف وشجاعة ونتاجاً وتضحية، أضف إلى إن مثل هذه المفاضلات غير واردة، أصلاً، بين كتابنا الغيارى جميعهم، تم هذا التواصل بيننا أنا وكاك حسن من دون أن أعرف أنه في مرحلة التحضير للمهرجان- عندما طلب مني ضمن سياق ما مشكوراً أسماء وهواتف الزملاء والزميلات من أعضاء الاتحاد العام في الداخل والإقليم للتعرف عليهم- إذ أشاد بحسن العلاقة بين الطرفين: هو و أ. إبراهيم، ومعرفة مكانة و دور إبراهيم محمود، من قبله، وهو ما قلته لأبي مالين، إذ لم أصدق- بداية- في قرارتي نسيان أو تناسي اسمه، فهو علم في مجال الثقافة، على مستوى: أجزاء كردستان والعالم العربي، بل وأبعد من هذه الحدود، كما إنه يقيم في دهوك، إلا أنه وبعد تواصلنا بخصوص الدعوة أكد لي أن ترقيم اسمه في قائمة المدعوين هو مائة وستة!، ما لفت انتباهي، كما كان ذلك مدعاة امتعاضه، ناهيك عن أنه لم تصله الدعوة أولاً وأخيراً، ولقد أكد بعضهم أنهم تلقوا الدعوة هاتفياً، وكتابياً، عبر الواتس أو الإيميل، ورقم هاتف إبراهيم محمود مدون لدى اتحاد كتاب دهوك، ولا أشك في حسن موقف رئيس اتحاده منه: إذاً، أين الخلل؟ هذا ما دعاني أن أستذكر أكثر من واقعة كلمت الصديق أ.حسن بخصوصها منذ حوالي عقد ونصف ” و بالمناسبة لن انسى تجشم أ. حسن سليفاني والشهيد مهدي خوشناو معاناة تقديم العزاء بوالدي عام2002 في بيتنا في قامشلي وإن كان هذا أمراً شخصياً إلا إنني لا أنسى جميل الآخرين وإن كنت لا أتردد في نقدهم ضمن أخلاقيات النقد” ناهيك عن سواها أي: الواقعة- تتعلق بتدخل بعض المدعوين- للأسف- بشؤون إدارة هذا المهرجان أو ذاك، ولا أريد أن أمضي أكثر، إلا إنني سأورد ما يمكن قوله وهو تزكية، أو فرض بعضهم أسماء ما على المهرجانات، حتى وإن كان هذا الاسم أو ذاك من الأسماء المتسلقة، المسيئة، عديمة الموهبة. ثمة خطأ تم، وقد استثمره بعضهم، ليمضي أبعد من واقعه حتى وإن كان مقصوداً، مخططاً له، ولابد من إعادة الاعتبار ل أ. إبراهيم، لاسيما إن المهرجان قد انتهى، وآن الأوان لذلك.
لقد روى لي أحد المشاركين في أحد مهرجانات دهوك الثقافية، في العقد الأول من هذه الألفية، بأن- شاعراً أو كاتباً- قال لكاك حسن سليفاني: ها حضرنا السنة، وأرجو ألا تنسى أسماءنا في العام المقبل، فادهشني رده، ألا وهو: نحن لا نكرر أسماء المدعوين، لنمنح الفرصة لكل أصحاب الأصوات المتميزة، وأنا هنا أتحدث عن- قاعدة- رويت شفاهاً، وإنه لمن المهم تطبيقها. أجل لابد من تطبيقها، رغم معرفتي أن هناك من يبذل جهوداً إضافية لحضور أية مهرجانات أو مؤتمرات.
كما إنني- على صعيد آخر- لأمنح أهلنا من كتاب الداخل الحق في أن تكون لديهم رغبة مضاعفة، ضمن شروط المشاركة، لما هو مضروب من حولهم من حصار، ومن دون أن تكون المشاركة في إطار اللعب على الحبال، كما في حالات شاذة، مع ثقتي أن كتابنا وكاتباتنا من- كرد سوريا- لديهم ضوابطهم، وإباؤهم، ومواقفهم. كل حسب استطاعته، وإمكاناته، ومكانته، كما إن الأصدقاء المشاركين أصحاب حضور، ولا أكاد أجد بينهم- وأعني من أعرفهم واطلعت على نتاجاتهم- من هو دون حق المشاركة، كما إن على المهرجانات- وفق رأيي- أن تحتضن الأجيال المختلفة كلها.
شعراء آخرون أيضاً:
ثمة أسماء أخرى من كتابنا وشعرائنا يقيم أصحابها- مبدعين ومبدعات- في إقليم كردستان وفي الوطن، ويكاد هؤلاء أن ينسوا، ومن بينهم: موسى زاخوراني- دلدار ميدي- وآخرون، كم كنت أتمنى، في قرارتي، لو وجهت إليهم دعوات الحضور والمشاركة. كل لاعتبار خاص.
الأنا المتورمة:
لقد دأبنا، في محطات كثيرة أن نجد من شأنهم توجيه سهامهم لأي نشاط لا يدعون إليه، أو الإساءة لأسماء معينة، مقابل من يقفون سداً حاجزاً لمنع أقرانهم من منافستهم من الحضور بأساليب غيرلائقة، وأعلم أن هناك من راسل بعض الجهات المسؤولة هنا وهناك مؤلباً على غيره، إذ إن قائمة الخمسين اسماً التي أرسلها أحدهم في أوائل التسعينات- مقوماً فيها أقرانه الكتاب” ولعل الصديق علي الجزيري يتذكر الحكاية” وهناك أسماء طالما يذكر أصحابها الحدث، في بال كثيرين من الشهود، وقد حاول خلالها هذا الشخص تصنيف جميعهم- في خانة ما- ليبعدوا تاركاً اسمه وحده، وهوما فجره آنذاك الراحل فلك الدين كاكائي، وتحدَّث الراحل ديار دوسكي عن مثل ذلك، في نقده لمن يبعدون غيرهم ، لأغراض ذاتية، ولم ينظروا في جدوله التصنيفي لانتماءات الآخرين ونقاء انتمائه الشخصي..
قصيدة ماهين شيخاني:
أعرف الصديق ماهين شيخاني منذ أربعين سنة تقريباً، فهو التشكيلي، والقاص، والشاعر، وإذا كان نصه- أفروديت- قد تعرض لهجوم من قبل حتى من لا علاقة لهم بالتذوق الإبداعي، فإن لا نص فوق النقد، كما أن من حق جميعنا إبداء رأيه، إلا إن هناك مسألة أريد التركيز عليها وهي أن هناك من يعدم إلقاؤهم الشعري نصوصهم- بعيداً عن قيمتها النقدية- إذ هناك شاعر معروف بإلقائه المميز يرفع من سوية نص رديء، وهناك- في المقابل- نص إبداعي يسيء صاحبه إليه، عبر إلقائه الرديء، وفي يقيني أن مفاجأة الشاعر شيخاني بحضور الرئيس مسعود بارزاني دفعته- على عجل- لاختيار نص يتعلق- بالريفراندوم- الذي صادف يوم المهرجان ذاته، ذكراه الخامسة، إلا إن القيمة المناسباتية لم تستطع إنقاذ النص من إلقائه غير المناسب، ولدى ماهين من النصوص المؤثرة التي كتبها خلالها عقود ما يجعله أديباً حقيقياً، لا كما روج عنه، عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي التي راحت أبعد- من النص- تطعن شخصيته، وتعدمه.
حضور السيد الرئيس مسعود بارزاني:
في تصوري الشخصي، أن المهرجان كان سيمر، على نحو اعتيادي، لولا حضور السيد الرئيس مسعود بارزاني الذي أعطى المهرجان بعداً خاصاً حقاً، جعل بعضهم لايخفون تحسرهم وتمنيهم حضوره، وهذا من حق كل متمكن، وقد تناولنا في منتدى الحوارات في الاتحاد العام للكتاب بعض مثل هذه الأسئلة و الحوارات- وهناك من عاتب بقوة، وظن سواه قادرين على إيفاده، أو اتخذ موقفاً لعدم سماعه بزمان ومكان المهرجان، وهذا من حق من يساوره مثل ذلك الشعور، إلا أن ما لا يحق لأحدنا هو استكثار واستنكار حضور الآخرين، لأجل: ذاته، لاسيما إن عدد مدعوي المهرجان كان في حدود135 شخصاً- ما عدا الضيوف- بيد أن أعداد المشاركين في البرنامج الثقافي تقل عن ذلك، بشكل طبيعي.
نقاط مضيئة:
ثمة مأخذ علينا جميعاً، وهو أنه بعد انتشار- وسائل التواصل الاجتماعي- و رجحان كفّ الإعلام الأصفر، المهيمن على هذا الفضاء الأزرق الذي يمكن استثماره على أحسن حال، فإن نزوعاً واضحاً لدى بعضنا يكمن في تركيزنا على الجانب السلبي، واختلاق وتدبيج بعض المآخذ
، بالإضافة إلى الإصابة بفيروس عدوى تبني تجريح الآخر، والاستئساد عليه، وعدم قبول نقد الذات من قبل هذا الصنف، إلا إن المهرجان استطاع أن يلتقط أنفاسه، ويستعيد روحه، بعد كل ما تعرض له منذ مرحلة داعش والتحديات التي مر بها إقليم كردستان 2014، وحقيقة لا أستطيع تقويم المشاركات لأني لم أتابعها، إذ يمكنني وسواي إبداء الرأي، فيما لو توافرت نسختها الإلكترونية بين أيدينا.
، بالإضافة إلى الإصابة بفيروس عدوى تبني تجريح الآخر، والاستئساد عليه، وعدم قبول نقد الذات من قبل هذا الصنف، إلا إن المهرجان استطاع أن يلتقط أنفاسه، ويستعيد روحه، بعد كل ما تعرض له منذ مرحلة داعش والتحديات التي مر بها إقليم كردستان 2014، وحقيقة لا أستطيع تقويم المشاركات لأني لم أتابعها، إذ يمكنني وسواي إبداء الرأي، فيما لو توافرت نسختها الإلكترونية بين أيدينا.
في مظنتي أن إدارة المهرجان ستستفيد من الملاحظات الكثيرة التي أبديت بسخاء منقطع النظير: مصيبة كانت أم مغالية- كل منهما في حقلها الخاص، ولدى كثيرين منا ما يمكن أن نقوله عند الضرورة- ولكن ليس في إطار التجيير، وإعدام الآخر، وفي هذا ما يخدم هذا المهرجان الذي أراه الأقرب إلى كرد- روج آفايي كردستان- لاسيما وأن هناك فعاليات لاتحاد كتاب أربيل- هولير، أو السليمانية، ولا أحد يواجه هذين الاتحادين على تجاهلهما له، رغم ظهور ملاحظات خلال أكثر من محطة مرا بها، وفي هذا ما يؤكد أهمية أربيل- هولير في عمق وجدان وضمير ابن مكاننا، رغم بعض ما يحدث، وهذه حقيقة وليست مغالاة.
ومن هنا، فإنني لأعدَّها شجاعة من إدارة أي مهرجان مراجعة تفاصيل نشاطه الأخير، بروح نقدية، أو حتى الاعتذار ممن لحقهم الغبن المباشر- وقد أثير ما جرى للصديق إبراهيم محمود- بعيداً عن أية دعامات من خارجه، وفي هذا ما يخدم رسالة الثقافة والأدب التي نرانا جميعاً في موقع الحرص عليها.
قد يتبع…