نزار بعريني
في ظل الظرف الموضوعي والذاتي السوري الراهن، يبدو لي أنّ الأمل بقيام شكل ما من أشكال” الوحدة التنظيمية ” او” التوافق السياسي” بين القوى والاحزاب السياسية الكردية – خاصة تلك المرتبطة بمراكز قوى ومرجعيات خارجية … التابعة للإئتلاف التركي، او التي تتخذ من ” اربيل ” مرجعيتها الروحية والسياسية، ناهيكم عن ” جبهة قسد ” – اقرب إلى وهَمْ توحّد ” القوى الديمقراطية السورية “؛ التي تسعى قياداتها للقفز على أقرب “مركب نجاة ” ، بغضّ النظر عن الوجهة،وهويّة الربّان !!(١).
في أبرز مظاهر ” عطب الذات ” ، يتجاهل جميع المعنيين بقضيّة وحدة ” القوى الديمقراطية السورية”، و ” التوحيد الكردي “، سواء في” المجلس الوطني” او في “مسد “،
الأسباب الحقيقة التي تمنع حصول تقدّم ملموس، وواقعي على مسار الهدف المنشود، رغم ما حصل من لقاءات وتوافقات – وهي ترتبط بالجوهر بأهداف وسياسات ” الثورة المضادة” (٢)،بقواها الداخلية والخارجية، وليس فقط بالأعراض المرتبطة بعوامل التفتيت” الذاتية” ؛ التي يحاول البعض ” تضخيمها ” لتجنّب الخوض في الأسباب الحقيقية ،والتي لن يتجاوز دورها الشكليّ، الثانويّ.!
إذ اتفق مع معظم الذين تناولوا أسباب الانشقاقات داخل الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية ( الشمولية ) الكردية والسورية، خاصّة ما تفضّل به مؤخّرا صديقنا الأستاذ أكرم حسين ( القيادي في تيّار مستقبل كردستان سوريا )، تحت عنوان
“الاَنَانِية/الوَجَاهة/ التَمَلّك/ الدُكانة السياسية ..اسباب رئيسية في انشقاقات الاحزاب الكردية السورية ..”،
وإذ اوافقه الرأي على اهميّة وواقعية ما جاء به مقاله حول نهج وآليات الخروج من حالة التفتيت الذاتي، اود التأكيد على خطوة ” تغيير النسق الفكري والمفاهيمي” التي يعتقد صديقنا على حقّ انه لابدّ منها .(٣)
“النسق الفكري والمفاهيمي “الذي اعتقد بضرورة اخذه بعين الإعتبار القصوى للخروج من اسباب التقسيم الجوهرية التي نتجت عن خيار قوى الثورة المضادة منذ ٢٠١١ ( مرحلة الحل الأمني والحربي )،نتجت عن سياسيات جميع” القوى الخارجية والداخلية” -المعادية لأهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري،والتي التقت مصالحها، وتقاطعت سياساتها، حول هدف عدم السماح بحصول انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي على الصعيد السوري العام، في ربيع ٢٠١١ -نجحت جهود أطرافها الداخلية، بالتكامل مع جهود ” الخارج “، في دقّ اسفين بين القوى الكردية والسوريّة، أوّلا، وبتوزيع” الجسد السياسي الكردي” على طيف واسع من الأجندات الإقليمية !
ضمن سياق تمزيق الصف الوطني السوري، بمكونيه الرئيسيين الكرد والعرب ، تمّ الترويج ثقافيّا وسياسيّا لحقّ ” تقرير المصير …وصولا إلى الإنفصال “، من قبل نخب سوريّة،” ديمقراطية ” وكردية – تحت ذرائع ومبررات غير موضوعية بالنسبة للحالة السورية ، وصلت بالبعض إلى ربطها ب مشروع ” لينن” ومبادئ حقوق الإنسان الأمميّة – لتكون اليافطة والايدولوجيا التي تبرر لبعض “النخب والقوى الكردية” سياسات “افتراقها” عن الصف الوطني السوري( توافقا مع أجندات وتعليمات قوى الثورة المضادة )، وللقوى ” الديمقراطية السورية “، جهود إلتحاقها بمشروع ” قسد ” …؛ كما يتمّ اليوم العزف على ” لحن ” اللامركزية “، لنفس الأهداف !!
اعتقد أنّ سياسات مشروع إعادة تأهيل” سلطات الأمر الواقع” هي العقبة الكبرى أمام اعادة توحيد القوى والأحزاب السياسية السورية، كما هي امام إعادة توحيد سوريا .
اذا نجح مشروع “مسد” اليوم، تحت شعارات ” اللامركزية “و ” الهويّة الوطنية ” ، على سكّتيه الداخلية والخارجية – التي جسّدتها خلال العام ٢٠٢٢ لقاءات ” حلب ” و ” الرقّة ” واستوكهولم “- في ” ضبّ” هذا الطيف الواسع من “القوى والشخصيات الديمقراطية” السورية، التي تتبنّى غالبيتها العظمى ” حق تقرير المصير “، تحت يافطة ” الجسم الديمقراطي السوري ” الموعود، (الذي تعمل عليه” مسد”، الواجهة السياسية ل”قسد “، بتمويل وتوجيهات امريكية، ودعم لوجستي ” ديمقراطي ” أوروبّي وعدم ” ممانعة ” سوريّة “، وفي سياق مشروع أمريكي / روسي لتأهيل سلطات الأمر الواقع، على الصعيد الكردي والسوري)،فسيكون ذلك بالتأكيد على حساب جهود توحيد الصفّ الوطني السوري و الكردي ؛خاصة التي تبذلها احزاب ” المجلس الوطني الكردي “، وتضعها في أولوياتها !
على أيّة حال، وفي ضوء حقائق الصراع ، وما نتج عنها ، يصبح من المستحيل ان تتحقق وحدة الصف الوطني الديمقراطي السوري العام، او الكردي الخاص، في إطار مشاريع واجندات قوى ” الثورة المضادة ” -المحليّة أو الإقليميّة او الدولية !!
الوحدة ” الوطنية ” القابلة للإستمرار، على الصعيد الكردي الخاص، والسوري العام، هي التي تقوم على أرضية اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، وليس على طاولات التصافق مع قوى واجندات ” الثورة المضادة “، التي تقف جميعها، رغم تناقض مصالح قواها الخاصة، في خندق العداء لوحدّة سوريا أرضا وشعبا – في إطار صيرورة بناء مؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية، وفي سياق حلّ سياسي وطني، يبدأ بخطوة الانتقال السياسي.
الهروب من مواجهة تبعات هذا الاستحقاق الوطني السوري، على صعيد الوعي السياسي والثقافي، وعلى صعيد الممارسة( بغضّ النظر عن الدوافع والتبرير، والنوايا الحسنة ) ، لن يؤدّي سوى إلى تعميق عوامل التفتيت، ويصبّ في خدمة اجندات اعداء السوريين – جميع القوى التي تتعارض مصالحها مع اهداف ومسارات الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي، والتي شكّلت ” قوى الثورة المضادة ” في مرتكزاتها السوريّة، وقواها الاقليمية، بقيادة واشنطن وموسكو، وفي سياق الخيار العسكري الطائفي، الميليشياوي، الذي ساهم الجميع في توفير شروط إطلاقة، في مواجهات استحقاقات وطنية ديمقراطية، جعل من تحقيقها حراك السوريين في ربيع ٢٠١١، إمكانية !!
السلام لسوريا، الدولة الديمقراطية الوطنية الموحّدة.
(١)-
برهان ناصيف ( من مؤسسي “تيّار مواطنة”، ومسؤول مكتبه الإعلامي ). :
“في ٢٠١٨، كان فيه بوادر لجهد أمريكي ضاغط بإتجاه إيجاد حل للحالة السوريّة . بادرت” حركة ضمير “
ودعت لمؤتمر وطني للقوى السياسية، رغم عدم توفّر شروط انعقاد مؤتمر وطني.
على اية حال، كنّا حوالي ٢٥ قّوة موجودة على الطاولة، وكانت البدايات مبشّرة .
لما همدت همّة ” الولايات المتحدّة “، لإيجاد حل سياسي، بدأ الهبوط يظهر!!
قطعنا كلّ الأشواط الممكنة لإقامة تحالف رصين، يقوم على تفاهمات عالية . ناقشنا في اللجنة السياسية، كما يذكر الأستاذ” كومان حسين “جميع التفاصيل. فقط عندما تراجع الظرف الموضوعي بالاهتمام بالحالة السوريّة، بدأت الناس تبرد. هذا هو السبب الاساسي لفتور همّة الناس!!
تجربة ” اللقاء الديمقراطي ” ماتت، عندما ماتت وعود الحل السياسي “!
بمعنى آخر، لمّا هبط مستوى العمل السياسي، هبط معه ايضا اللقاء السوري الديمقراطي!!
شيء آخر، هناك قوى سياسي حاولت تلعب لعبة ” عدّد القوى “، وستقود هذه القوى بسهولة !
نحن مندخل على هذا التحالف بأربع، خمس قوى، تقتصر على الأشخاص الذين يمثلهم، ويدارون من
قبل جهة معيّنة، وهو ما كان ملموسا في انتخاب الهيئة السياسية !”
(٢)-
يتجنّب” الوعي السياسي النخبوي “المعارض”( والمؤيّد !) استخدام مفهوم ” الثورة المضادة “لانّه لايريد بغالبية رموزه الإعتراف أصلا بوجود ” الثورة “، لما سيوجهه من حقائق لا تتوافق مع رؤية قواه وشخصياته السياسية والثقافية ( وتخندقاتها )لطبيعة الصراع الذي تفجّر في اعقاب حراك السوريين السلمي، في ربيع ٢٠١١!
الجوهري في هذا المفهوم ليس فقط ما يؤكّده من أنّ طبيعة سياق وجمهور ونخب حراك السوريين السلمي في ربيع ٢٠١١ تجعل منه، لو توفّرت شروط النجاح، جزءا لا يتجزأ، وخطوة رئيسة على طريق، وفي صيرورة تحقيق اهداف ” الثورة الديمقراطية “( وما حصل من هزيمة لأسباب تتعلّق بخلل في موازين القوى لا ينفي المقدّمات، بل يؤكّدها) بل هوأيضا ما يكشفه عن طبيعة العلاقات الجدلية التي قامت بين طيف واسع من القوى، على الصعد السوريّة والإقليميّة والدولية، التي دفعت” الصراع السياسي ” الناتج عن ” الحراك / الثورة ” على خيار الحرب الطائفية، وتورّطت في الصراع العسكري، من اجل تحقيق هدف مشترك : الحاق هزيمة تاريخية بأهداف الثورة وجمهورها ونخبها، وتلقين السوريين درسا في الهزيمة، لا يتجرؤا بعده على الحلم، ومن اجل تفشيل مقوّمات حصول ثورة أخرى – تفشيل سوريا!
“العلاقة الجدلية ” بين قوى الثورة المضادة، تبيّن في احدى جوانبها تناقض مصالح و سياسيات ” الجميع “، المرتبطة بأهداف مشاريعها الخاصة، الذي يفسّر
ظهور أذرع الثورة المضادة الميليشياوية وتصارعها للحفاظ على السلطة او انتزاعها بقوّة السلاح، في المرحلة الأولى، بين ٢٠١٢- ٢٠١٤ (بعد فشل جهود الحل الأمني عن وقف الحراك )، ويفسّر ايضا الاسباب الحقيقية لحروب تقاسم الحصص ومناطق النفوذ في المرحلة الثانية، ٢٠١٥-٢٠٢٠،ويوضّح حقيقة أنّ تلك التناقضات وما نتج عنها من صراع، لم تمنع موضوعيا وسياسيا، التقاء مصالح الجميع، بدءا بسلطة النظام، وليس انتهاءا بالولايات المتّحدة، وتوافق سياساتها، وتقاطع جهدها، الدوبلوماسي والسياسي والعسكري، حول هدف عدم السماح بحصول انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي، في مواجهة تحدّي الربيع السوري،بأي ثمن، وايّ تكن الوسائل ، من خلال قطع مسارات وخيارات وجهود قيام حلّ سياسي للصراع، ودفعه على مسارات الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي!!
على سبيل المثال، في حين تتصارع اليوم، وطيلة المرحلة الثانية من الخيار العسكري، انظمة ايران و” إسرائيل ” على مناطق السيطرة في سوريا، لم يحدث هذا خلال سنوات ” ٢٠١١- ٢٠١٤، حين كان الهدف المشترك منع حدوث انتقال سياسي، ودفع الصراع على طريق العنف الطائفي الميليشياوي. فقد حصل تدّخل ايراني واسع النطاق، بشكل مباشر اوغير مباشر، تحت بصر وسمع ” جيش الدفاع الإسرائيلي “، دون أن يحرّك ساكنا !!
(٣)-“….وبدون الغوص في الاسباب المتداولة والمعروفة للانشقاقات حيث تطرق اليها العديد من الاصدقاء والكتاب والسياسيين مثل المصلحة والمال السياسي، والتدخلات الامنية والخارجية، وغياب الديمقراطية، وسيطرة الشمولية والاستبداد الى اخر ما هنالك من الاسباب، وقد يكون بعضها او كلها صحيحا الا اني سأحاول كما طلب مني الاخ حميد ان اسبر حسب اعتقادي بعض الاسباب الاخرى، وهي ليست بجديدة لكني اعتقد تم التغاضي او عدم الالتفات اليها اثناء التحليل او الانتقاد او الدراسة .
تكمن احد اسباب الانشقاقات في الاحزاب الكردية في سوريا في غياب البيئة الشرعية لتشكيل الاحزاب وممارسة النشاط السياسي، وعدم وجود قانون يقر ويسمح بتشكل الاحزاب وينظم عملها، ويضبط مؤتمراتها، وعلاقاتها البينية، فكل منشق في غياب القانون والمحاسبة يستطيع ان ينشق، ويشكل حزب جديد حتى لو لم يتجاوز عدد اعضائه اصابع اليد الواحدة، فلا يتعرض لأية مسائلة قانونية او نضالية، يكفيه ان يعلن عن اسمه وسكرتيره كي يصبح عضوا في نادي الاحزاب (الوهمية) في ظل حالة العداء والاستقطاب والخصومة السياسية …!
تلعب الانانية، وحب التملك التي يتحلى بها اغلب المنشقين، وخاصة – قيادات الصدفة – نتيجة غياب الكادر الواعي والمتخصص والجهل بالقيادة والادارة وانتشار الامية، وغياب الوعي النقدي لدى الصف الاول في مراحل سابقة ممن لم يتسنى لهم التعلم والدراسة في الجامعات، وبالتالي لم يستطيعوا ان يواكبوا المرحلة، ولا ان يستفيدوا من التقنيات الحديثة في المعرفة والاتصال والحياة العامة، ففي الحالة الطبيعية هم اشخاص عاديون لا وزن لهم الا في محيطهم، ولا يتميزون باي نشاط ثقافي او فكري او اعلامي، ولا يحظون باي اهتمام خارج مراكزهم الحزبية مما يدفعهم الى التمسك والشمولية ومناهضة اي عقل ثقافي او نقدي او تنويري خارج السياق.
اغلب هؤلاء هم ذوات غير معروفة خارج الدوائر التي هم فيها، اشخاص لا عمل لهم، تعربشوا بالقيادة، وبالموقع الذي يؤمن لهم الان – المال – والجاه والعلاقات الاجتماعية فبعض هذه الاحزاب ان لم نقل كلها باتت – دكاكين سياسية – تدر على اصحابها المال الوفير، واللقاءات مع الدول، والشراكة في الورشات، ومراكز الدراسات ان لم نقل الشهرة والاعلام (متعهدون سياسيون) وهذا لم يكونوا يفكروا به حتى في احلامهم .
وقد لعب غياب التشارك، والتداول، والشفافية والكفاءة، وتطبيق الديمقراطية الشكلية في الانتخابات، والتحكم بنتائجها دورا اساسيا في ظاهرة الانشطار والانقسام الكرديين في سوريا .”
أمّا عن رؤيته لنهج التوحيد، فيؤكّد أنّه
” لا بدّ من تغيير النسق الفكري والمفاهيمي، واليات العمل التنظيمي في هذه الاحزاب حتى تستقر الاوضاع، ويصدر قانون للأحزاب، ويصبح صندوق الانتخاب هو الحكم والفيصل ويتعزز العمل المؤسساتي التخصصي، ويتفعل مبدأ المحاسبة، ونتخلص من كون – هذه الاحزاب – احزاب شخصية او عائلية او فئوية او مناطقية الى احزاب حقيقية تعبر عن مصالح جزء من المجتمع الذي تنتمي اليه ان الم نقل معظم المجتمع، حينها ستتحول من احزاب هامشية معدومة التأثير الى احزاب جماهيرية لها حضورها الطاغي، والمؤثر في المشهد السياسي الكردي السوري ….!”
أيلول – ٢٠٢٢