عين كردية وعين سورية(القضية الكردية قضية وطنية)

د. عبدالحكيم بشار

مَن يتابع خطابات الحركة الكردية في سوريا سيدرك أن الأحزاب الكردية السورية تؤكّد كلها في أدبياتها التنظيمية منذ عدة عقود أن القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية (ماعدا تلك التنظيمات العابرة للحدود التي تجعل من الكرد وقضيتهم مطية لأجنداتهم الخاصة).
إن شعار “القضية الكردية قضية وطنية ” ليس وليد اليوم، بل يعود لبدايات تأسيس الحركة الكردية في سوريا، وانطلاقاً من هذا العنوان فإن عامة الشعب الكردي والحركة الكردية بوجه خاص، تطالب القوى الوطنية والديمقراطية في سوريا في جميع لقاءاتها بضرورة تبنّي تلك التنظيمات والأحزاب والكيانات والتجمّعات السياسية حقوق الكرد باعتبارها قضيةً وطنيةً وديمقراطية في البلد ككل.
ومع أن ماأشرنا إليه في العنوان حق ومطلب مشروع بكل ما تعنيه المشروعية من معنى، إلاّ أن الحركة السياسية الكردية تنظر إلى هذا الشعار بعين كردية بحتة، وقد لا تبدو الصورة متكاملة بالنسبة لباقي الشركاء في الوطن، لذا يتطلب الأمر النظرَ إلى الموضوع أو الشعار المرفوع مِن الزاوية السورية ككل.
بناءً على ماسردنا، بمقدورنا القول: هل تتفاعل الحركة السياسية الكردية راهناً مع القضايا الوطنية السورية بالشكل المطلوب؟
صحيحٌ أن تبنّي شعار الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والمساواة أمام القانون وغيرها من القضايا العامة التي تتبناها الحركة الكردية من أجل بناء سوريا ديمقراطية، يعدّ نوعاً من الانخراط في القضايا الوطنية العامة، إلاّ أن هذه الشعارات لم تعد كافية رغم أهميتها لتحقيق التفاعل الوطني الإيجابي، وخاصة بعد الثورة السورية، ولا بد من الوقوف أو التفاعل مع القضايا الخاصة للمكوّنات السورية، وحقوق المرأة السورية، آمال وآلام السوريين، والتفاعل مع هموم وتطلعات أبناء جميع المحافظات بل جميع المدن والبلدات السورية التفاعل مع أحزانهم وطموحاتهم 
في الوقت الذي نؤمن بحقوقنا نحن الكورد إيماناً راسخاً وندافع عنها، ونناضل من أجلها
لكن، هل يكفي إيماننا -نحن الكورد- بحقوقنا حتى يتم الحصول عليها؟ أم نحن بحاجة إلى إقرار شركائنا في البلاد بهذه الحقوق؟
وما السبيل إلى إقناعهم بحقوقنا؟
اعتقد، أنه لا سبيل إلى إقناع شركائنا في البلاد بحقوقنا إلا من خلال استراتيجية عمل حقيقية وقوية، يتوجب على الحركة السياسية الكردية الانخراط الفعلي في النضال الوطني الشامل، والتفاعل مع طموحات وأوجاع المواطنين السوريين أفراداً ومكونات، كما يجب أن يُنظَر إلى كل فرد سوري وكل قرية أو بلدة أو مدينة أو محافظة سورية كما يُنظر إلى الكرد بأفرادهم وقراهم وبلداتهم.
هنا، يستوجب على الكورد كحركة سياسية ومثقفين ونشطاء سياسيين بناء جسور الثقة بين الكورد وباقي السوريين وردم الأنفاق لا حفرها وتعميقها، وأن يتم النظر لجميع القضايا في سوريا بعينين: عين كردية وعين سورية.
بهذا التوجه الصحيح، بهذه الاستراتيجية الدقيقة نستطيع بناء سوريا الغد التي تسع، وتستوعب الجميع.
11-8-2022

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…