نزار بعريني
تحت عنوان عريض ، ” سوريا إلى أين …؟” يقدّم ما يُسمّى ” “منتدى حلب الثقافي ” ملتقى للنقاش حول الوضع السوري الراهن ، في محورين رئيسيين :
المحوّر الأوّل : ” الهوية الوطنية السورية الجامعة “، يوم الجمعة ، ٥/٨/٢٠٢٢.
المحور الثاني :” مفهوم اللامركزية “، يوم السبت ، ٦/٨/٢٠٢٢.
أقدّم فيما يلي وجهة نظر شخصيّة ،اسعى من خلالها لتوضّح حيثيات اهتمام بعض قوى وشخصيات وتيّارات “المعارضات “السورية،” الديمقراطية ” بهذين المفهومين ، في هذه المرحلة الأكثر خطورة من مراحل ” الخيار العسكري “- مرحلة ترتيب ظروف ” الصفقة السياسية ” النهائية ، التي يأمل العاملين عليها أن تضع الخارطة السياسية النهائية ل”سوريا الجديدة ” !
بداية اوّد التأكيد على فكرة يحاول الجميع ” تهميشها “، وترتبط بحقيقة انّ” المضمون الحقيقي” و ” التجسيد الواقعي ” لأيّ مفهوم نظري -كمفهومي ” الهوية الوطنية ” او ” اللامركزية ” اللذين يحظيان اليوم” بعناية خاصّة”- سنفهم دوافعها في سياق هذا العرض – لايمكن أن يخرج عن سياق مقوّمات الظرف الموضوعي والذاتي السوري الراهنة ؛ ويصبح من التضليل أن نُقحم تجارب أخرى ، لصياغة المفهوم ، كما يلائم نوايا البعض، وأهدافه السياسية !!
بناء عليه ، لكي ندرك حقيقة مضامين ، ونتائج الممارسة السياسية للمفهومين قيد النقاش ، ينبغي تحديد المعايير الموضوعية ، التي تحددها حقائق الواقع السوري ، الموضوعيّة والذاتية ، وليس أية تجارب ، او قراءات أخرى !
اوّلا ،
في السياق التاريخي الحديث :
“الدولة السورية “، بمقوماتها التي نتجت عن الإستقلال ، وتبلورت سياسيّا بين ١٩٤٥- ١٩٤٧ ، في برلمان منتخب مباشرة من الشعب ، و حكومة ديمقراطية منبثقة عنه ، خضعت لاحقا لسلطة نظام غير ديمقراطي (١) بشكل متقطّع خلال مراحل الإنقلابات العسكرية بين ١٩٤٩- ١٩٥٨ ،وخلال مرحلة “الوحدة”، ١٩٥٨- ١٩٦١ ، وبشكل متواصل منذ انقلاب ١٩٦٣ وحتّى ٢٠١١، و هي اليوم دولة” محتّلة” من قبل تحالف عالمي / إقليمي ، بقيادة الولايات المتّحدة، يضمّ بشكل مباشر جيوش إسرائيل الولايات المتّحدة وروسيا وتركيا وإيران ، وبشكل غير مباشر ، مليشيات وأذرع القوى الخارجية ، التي تشكّلت خلال المرحلة الأولى من الخيار العسكري في مواجهة تحدّيات التمرّد السوري ، بين ٢٠١٢ – ٢٠١٤ ، وتحوّلت الى” كيانات مستقلّة ذاتيّا ” ” – خلال المرحلة الثانية بين ٢٠١٥- ٢٠٢٠ ، مرحلة حروب تقاسم سوريا إلى حصص ومناطق نفوذ بين قوى الخيار العسكري الخارجية ، وأذرعهم السوريّة- وباتت تشكّل اليوم ” أربع سلطات أمر واقع” ، يجسّد اكبرها ، بقايا “سلطة النظام” السوري السابق ، وتضمّ “سلطة “قسد” ، في مناطق ” الإدارة الذاتية “، وواجهتها السياسية ” مسد “، وسلطة ” جبهة النصرة المعدّلة ، في مناطق سيطرة ” حكومة الإنقاذ ” و سلطة ” الجيش الوطني ” وحكومته المؤقّتة ” ، وواجهته السياسية ، ” إئتلاف قوى الثورة والمعارضة ” .
إضافة إلى ذلك ، وفي سياق نفس الصيرورة ، تشكّلت” ، وماتزال حتّى اليوم ، مجموعات ” معارضات ديمقراطية ” ” وطنية ” ، معظمها من بقايا” الاحزاب السياسية التاريخية “، لا يتجاوز عدد أفراد بعضها أصابع اليد الواحدة ،تُغطي الفضاء السياسي والثقافي ” الإفتراضي ” الأوروبّي والأمريكي ، ويتواجد بعضها فيزيائيا في مناطق ” سوريا المفيدة” ،يطمح ، ويسعى العاملون عليها ، فكريا وثقافيا وتنظيميا ، إلى الحصول على مكسب ما ، مادّي أو معنوي ” من خلال الإلتحاق بمشاريع ، والترويج لسياسات قوى “الثورة المضادة ” ؛ سواء على مستوى حكومات وأجهزة الدول المُحتَلّة ، او على صعيد واجهات سلطات” الأمر الواقع ” السوريّة ، او الأثنين معا !!
ثانيا ،
في السياق التاريخي الراهن ، وسمات ” الصفقة السياسيّة “المطروحة!
لفهم معطيات الواقع السوري الراهن ، اعتقد انّه من الضروري معرفة أنّ “مسار آستنة” وصفقات ” الدول الضامنة ” السياسية لم تكن سوى الجانب السياسي المتكامل مع العمليات العسكرية التي اطلقتها الولايات المتّحدة ٢٠١٤ ، وبمساعدة روسيا بعد ٢٠١٥، في سياق خطط وسياسات خلق وقائع جديدة ، عبر فرض إعادة تموضع لميليشيات” الثورة المضادة” على كامل الجغرافيا السوريّة ، وبما يؤدّي موضوعيا إلى توزيع الجغرافيا والسيادة السورية و ” النظام السوري ” بين قيادات الميليشيات التي تعتقد واشنطن وموسكو بأهليتها للسيطرة والتحكّم في سوريا الجديدة ؛ورسم خارطة سوريا النهائية؛
كما تبيّن نتائج المسارين بين ٢٠١٥-٢٠٢٠ .
١-بداية أودّ التأكيد على واقع أنّ الحراك السياسي الحالي المرتبط بالقضيّة السوريّة عموما ،وبقضايا سلطات الأمر الواقع في مناطق السيطرة التركية والأمريكية والروسية / الايرانية ، بشكل خاص، هو نتيجة، ومسعى لتكريس سياسي شامل ونهائي لما حصل من تقسيم واقعي ، عسكري ،رسمته موازين قوى الحرب بين ٢٠١٥- ٢٠٢٠ ، وشرعنه سياسيّا الاتفاق الروسي التركي في قمّة الرئيسين اردوغان وبوتين التاريخيّة ، برعاية أمريكية في٥ آذار ٢٠٢٠ ،وأكّدت عليه التفاهمات السياسية اللاحقة ، (خاصّة ” قمّة القدس المحتلّة ” الأمنية ، في حزيران ٢٠٢١، وما تمخّض عنها من اتفاق / الصفقة على مبدأ القبول والإعتراف المتبادل بين سلطات الأمر الواقع الرئيسة الثلاث -” سوريا المفيدة”، ” قسد الإئتلاف ) وبرزت في سياقه “اربع سلطات” قوى أمر واقع ، تتنازع السلطة على كامل مساحة الجسد السوري، التي كان يمارسها النظام السوري بشكل حصري قبل ٢٠١١.
٢- يأتي الحراك السياسي الحالي في سياق تنفيذ خطوات مسار ” خارطة الطريق ” التي وضعتها ” قمّة القدس المحتلة الأمنية “والتي يتمحور هدفها المركزي على دفع صيرورة تأهيل سلطات الأمر الواقع ، بما يُعيد رسم الخارطة الجيوسياسية لسوريا سايكس بيكو وفقا للواقع الراهن ، والتي ترتكز بدورها على مشروع أمريكي ، وضعت اهدافه ومبرراته مؤسسة RAND الأمريكية منذ ٢٠١٥ ، و قدمتها لصنّاع القرار في الولايات المتحدة .
٣-بناء عليه ، يمكن القول أنّه إذا كان من الطبيعي ان تكلّف الولايات المتّحدة جميع شركائها، وتسخّر ادواتها في أذرع الثورة المضادة لتنفيذ مشروعها الراهن ، والعمل على خطط تأهيل وإعادة تأهيل ” سلطات الأمر الواقع “، فمن البديهي أن تكون “مسد” ، الواجهة السياسية لقسد، هي أحد أبرز تلك الأدوات المكلّفة بجهود ” تأهيل ” سلطة ” قسد ” على ” الحصّة ” الأمريكية ، في مناطق الإدارة الذاتية، التي رسمت الآلة العسكرية الأمريكية حدودها تحت يافطة محاربة داعش ،وأن تعطي الإدارة الأمريكية ، وشريكتها ، “مسد” أهميّة خاصة لمسألة إيجاد غطاء سياسي ” سوري- عربي / ديمقراطي” لمشروع السيطرة الأمريكية على شمال وشرق سورية ، الذي تنفّذه قسد !
على الصعيد الإيدولوجي ، من الطبيعي أن تستخدم “مسد “، بواقع كونها واجهة سياسية ل”قسد” ، التي يهيمن على قيادتها ” حزب الاتحاد الديمقراطي “(PYD)، الفرع السوري لحزب وميليشيات (PKK) التركية ، أطروحات الحزب ” الأم ” ذاتها ، كغطاء سياسي وإيديولوجي لأهداف مشروعها الأمريكي ، الساعي لتكريس واقع تقسيم سوريا بين سلطات الأمر الواقع؛ والتي يأتي في مقدّمتها مفهوم ” اللامركزية ” و” الفدرالية ” و” الشعوب السورية “.. الحل السياسي بالنسبة لمسد يتمّ عبر شكل الدولة اللامركزية، ويتجسّد في الحالة القائمة “بحكم مناطق سلطات الأمر الواقع ” نفسها بنفسها ” !
ثالثا ،
في مفهوم اللامركزية!
إذا تعتقد سلطة النظام السوري انّ أحدى أعظم انجازات حكمها المديد هو “اللامركزية الإدارية ” وانّها تدرك نقاط ضعفها ، وستعمل على تجاوزها ، بما يمكّن السوريين من افضل أشكال الإدارة الذاتية، تروّج ” مسد ” وشركاؤها في مشروع تشكيل ” جسد ديمقراطي سوري ” لفكرة ” اللامركزية السياسية ” التي تشرعن وجود ومصالح سلطات الأمر الواقع، في إطار تحقيق المشروع الأمريكي، الذي تمّ التوافق عليه في “قمّة القدس المحتلّة الأمنية “!
في الاسباب الحقيقية لتبنّي اللامركزية السياسية ( الفدرالية) في رؤية ومشروع ” مسد ” ؟
في احدى فقرات” التصريح الصحفي” ، الذي صدر عن ” مسد ” في نهاية لقاء استكهولم الثالث ،١٤ إيّار ٢٠٢٢، نقرأ :
” كما درس إشكالية الهوية الوطنية في العقد الاجتماعيّ القادم، وفي أهداف ومبادئ هذا العقد بالتركيز خصوصاً على مسألتي الهوية السورية واللامركزية، التي بحث أيضاً في جلسة ثالثة في مقترحات تطبيقها وملامحها والتحدّيات التي تواجهها” .
ثمّ يضيف ، مؤكّدا :
“هما مسألتي الهويّة السورية واللامركزية التي تعمل عليهما لقاءات استوكهولم – الثاني ، ٩-١٠ نيسان الماضي ، والثالث ، ١٤-١٥ أيّار الجاري” .
رابعا ،
في مفهوم الهوية الوطنية .
في اعتقادي ، تبلور الهويّة الوطنية لأي ” شعب “، بما هي نتاج لتوافق جميع” هويّاته ” السابقة لتشكّل الدولية الوطنية – القومية والإثنية والدينيّة- لا يصل الى شكله القانوني / السياسي ، إلا في سياق صيرورة بناء الدولة الوطنية ، التي يقودها نظام ” ديمقراطي وطني “،يعمل، في سياق بناء مقوّمات الدولة الديمقراطية الوطنية، بوعي على دمج جميع مكوّنات الشعب في بوتقة وطنية/ سياسية ، موحّدة . من الطبيعي أن يأتي في مقدّمة مقومات الدولة الوطنية ، الدستور الديمقراطي المدني ، الذي يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات ، دون أي نقص ، او زيادة ، لأي سبب، علاوة على السيادة الوطنية، وحماية المصالح الحيوية للدولة !
عندما تفشل السلطة السياسية المعادية للديمقراطية ، لعواملها طبيعتها ومصالحها الخاصة ، وفي سياق تاريخي محدد ، في تحقيق الدمج والحفاظ على المقوّمات ، تظهر التصدّعات ، وتتباين الرؤى ، ويبدأ الجميع البحث عن مخارجه الخاصة ، المرتبطة بانتماءات ما قبل الهوية الوطنية، والمرتهنة لمصالح القوى الخارجية، كما هي عليه الحال اليوم !!
يبدو جليّا أنّ قضية طبيعة النظام ، وهويّة سلطته السياسية، هي المعيار الحاسم في النجاح، وبناء خائص الهوية الوطنية ، أو الفشل ، والتآكل …
بناء عليه ، يصبح واضحا ان الترويج لمفهوم الهويّة الوطنية في السياق الحالي لا يهدف سوى إلى ذر الرماد في عيون السوريين ، واخفاء حقيقة الاهداف المشتركة لقوى مشروع ” التأهيل الشامل والمتزامن لسلطات الأمر الواقع ” الذي تشّكل صيرورتها إستكمالا لتدمير ما عجزت عنه سلطة النظام من مقوّمات الهوية الوطنية، منذ ١٩٦٣.
رابعا ،
كيف نفهم طبيعة ترابط هاتين الاطروحتين ( اللامركزية والهوية الوطنية السورية ) في لقاءات استوكهولم، الثاني والثالث و الاهداف الحقيقية للتركيز عليهما من قبل الطرفين الرئيسيين المشاركين في لقاءات استكهولم- الفريق ” الديمقراطي العربي ” ، والفريق الديمقراطي الكردي ؟!
١-لماذا يحظى مفهوم اللامركزية ( والفدرالية )، واولويّة الوصول الى توافق حوله، هذه الاهميّة القصوى في مواقف مسد ؟
▪︎ يؤكّد الشيخ ” رياض حمود درار “، الرئيس المشارك في مجلس سوريا الديمقراطية “، على الأهميّة الخاصة لأطروحة ” اللامركزية” ، وضرورة التوافق حولها كخطوة أولى لأغنى عنها لتشكيل جسم سياسي ديمقراطي معارض :
” في استوكهولم ٢، حطّينا نقطة اساسية لمشروع الدولة السورية في المستقبل ، ومن خلال تجربة الإدارة الذاتية في مشروع ” اللامركزية الديمقراطية “. ….
تمّ التأكيد على ضرورة اللامركزية لسوريا ،وهو مشروع يمكن أن يُطبّق على اساس إدارة المناطق نفسها
٢-ما هي طبيعة المناطق التي يعتقد السيد رياض أن الحل السياسي، وشكل سوريا المستقبل يكمن في أن” تدير نفسها بنفسها” ؟
لنترك الجواب للسيّدة إلهام أحمد، الرئيس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية:
▪︎في لقاء خاص على تلفزيون عفرين ١مع السيّدة إلهام احمد ، الرئيس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية، تتحدّث عن وجود فعلي لثلاث سلطات أمر واقع ، متباينة سياسيا وثقافيا وعسكريا ، وضرورة أن يأخذ اي مسار سياسي هذه الحقائق بعين الاعتبار..”
تُضيف :
” التقييم الشامل للمشهد السياسي السوري يُظهر ” ثلاث مناطق نفوذ ، موجودة في الجغرافيا السورية، وبما يجعلها مقسّمة سياسيا وعسكريا وثقافيا .في ظل هذا الوضع ، بالتأكيد ، البحث عن حل سياسي ، يفتح المجال للحديث عن سوريا جديدة ، تكون ضمن إطار نظام لامركزي. وهذا يحتاج الى تفاهمات ، وحوارات مطوّلة . …. وبات يدرك الجميع ضرورة أن يأتي الحل السياسي على يد جميع السوريين، دون إقصاء أي طرف من مكوّناته الثقافية . لذلك الحديث عن اشراك الإدارة لابدّ منه.”
٣-لماذا يحظى مفهوم (الهويّة الوطنية )، وضرورة الوصول الى توافق حوله تلك الاهميّة القصوى في مواقف ” الفريق الديمقراطي العربي”؟
لنستمع الى ما يقوله الأستاذ “موفّق نيربية “، عضو “اللجنة التحضيرية لمؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية في سوريا”، التي انبثقت عن لقاء بروكسل ، واحد أكثر الديمقراطيين المتحمسين والمروجين ل”مشروع مسد الديمقراطي” :
《عندما انبحثت في القاء ٢ مسألة اللامركزية ، كنّا من حيث الشكل كأننا نعطي للكرد نقطةٍ،( مع اني انا مع اللامركزية أكثر من الكرد) ..!
النقطة الثانية ، التي يجب أن تتبعها في استوكهولم ٣، هي ” الهويّة السورية “.وهي مسألة لنا نحن . للسوريين ، لنا جميعا . هما نقطتان ، تتوازنان معا!
مثل ما ههن بدهن اللامركزية(؟!) ، نريد أن يرى جميع السوريين أن الكرد ليسوا كما يقال انفصاليين . هم يؤمنون بسوريا الموحّدة (!!). يؤمنون بوحدة سوريا ، وهذا نسير باتجاهه!!.
هل يُريد الأستاذ “موفق نيربية ” ، المناضل الشيوعي المخضرم ، والديمقراطي البارز ، أن يستخدم يافطة التوافق على مفهوم ” الهويّة الوطنية ” كغطاء ، يستر واقع اهداف مشروع مسد -تثبيت حدود ومواقع جميع سلطات الأمرالواقع، تحت يافطة ” اللامركزية ” ؟
هي معادلة ” وطنية / ديمقراطي ” من الطراز الأوّل !!!
يافطة ” الهوية الوطنية ” ، التي يرفعها ” الديمقراطيون” السوريون العرب “،ليست سواء غطاء ” وطني ” لمشروع ” مسد الأمريكي ، تحت يافطة ” اللامركزية “، تحاول أن تُقنع ” جميع السوريين أنّ الكرد ليسوا إنفصاليين …ويؤمنون بسوريا الموحّدة ” !!!!
وهل تعتقد يا أستاذ موفّق أنّ تبنّي افكار اطروحة ما او عدمه هو الذي يحدد طبيعة القوى ، وأهدافها السياسية الحقيقية ،أم هي ظروف الواقع الموضوعية ، وطبيعة السياق التي اتت فيه ؟
ألا تلاحظون أيّها السادة تناقض مفهوم” الهوية الوطنية السورية” ،
و ” اللامركزية السياسية الديمقراطية ” الذي تبُني مقوّماته فقط خلال صيرورة بناء دولة وطنية ديمقراطية موحّدة ، مع التطبيق العملي لمفهوم اللامركزية والهوية الوطنية ، الذي لن يؤدّي تطبيقه في هذا الواقع السوري الراهن سوى الى شرعنة سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، ( اسد وقسد وابو عمشة والهيئة )وبما يدمّر مسار بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، مركزية او ” لامركزية ” ؟
مما لاشكّ فيه إدراككم لحقائق الواقع ، وإدراكنا للفرق بين فهم قضية ما على صعيد الوعي ، والأعتراف بحقائقها ، على صعيد الطرح لنظري، والممارسة السياسية …؛ وما بينهما من مصالح خاصّة !!
خامسا ،
يؤكّد كلّ الفرضيات ” الاتّهاميّة ” التي ضمّنتها القسمين السابقين ما يطرحه ” الرفاق الديمقراطيون ” ، في الفقرة الأولى من وصفة ” الهويّة الوطنية ” المزعومة ، التي تناولتها حوارات ستوكهولم٣ !!
لنقرأ بعناية :
“أولاً- آن الأوان ليدخل السوريون عهداً جديداً عن كلّ ما سبق، عهداً من السلام والحرية والحداثة والازدهار، ويخرجوا من أزمنة الهويّات المتناحرة والعيش دائماً على أعتاب الحروب واحتمالاتها؛ إلى هوية واحدة لا يختلفون عليها، ليس فيها نفي أو اقصاء لأحد، قادرة علي جمعهم في بوتقة وطنية واحدة، من دون أن يحتاجوا للتخلّي عن هويّاتهم الفرعية الأخرى، قومية كانت أم إثنية أم دينية أم مذهبية وطائفية” ( مشاعر وطنية ،تدمع لها العيون !!).
تطرح الفقرة مجموعة من ” المغالطات ” التي لايمكن أن تنطلي على مدبجو الورقة !
١-اعطاء الانتماءات” القومية والطائفية والمذهبية” صفة ” الهويّة ” حتّى ولوكانت ” فرعية “، يتناقض مع المفهوم القانوني/ السياسي للهوية!، ولا تنطلي علينا دوافعه !
“الهويّة ” هي مضمون قانوني / سياسي، بالدرجة الأولى، يرتبط بالدولة الوطنية ، وما تعطيه من حقوق وواجبات ، تجعل من حاملها مواطنا ، حاملا لجنسية محددة .أمّا الحديث عن ” هويّة” عربية او كردية او اسلامية ، ناهيكم عن ” هوية علوية او سنية، فهي من بقايا الايدولوجيات الشمولية ، وانظمة الاستبداد !!
لايمكن في ظل” دولة المواطنة” ان تتعايش الهوية الوطنية ّمع هويّات اخرى ، ولكنها تقبل ، وفقا لنصوص دستورية واضحة ، بحقوق و بحريّة انتماءات المواطنين المذهبية أو القومية والسياسية، والبون شاسع . أمّا أن نحوّل الانتماء الى” هويّة” ، فهذا ما يحصل فقط في ظل الانظمة الاستبدادية ، حين تعمل السلطة المهيمنة على رفع تلك ” الأنتماءات” الى مستوى الهويّة ، أو بما يتجاوزها ، لتفتيت الشعوب قوميا وطائفيا…من اجل ديمومة سلطتها ، وهذا مفهوم تماما !!
٢- الحديث عن ” هويّات متناحرة ” في سوريا هو تزوير للتاريخ ، خاصّة لطبيعة الصراع الذي تفجّر في اعقاب الثورة السورية ٢٠١١ ، ولا يختلف عن توصيف النظام وقوى الثورة المضادة، التي تصرّ دعاياتها على ان ما حصل لم يكن سوى حروب اهلية / طائفية / إنفصالية / وتبرر حروبها بكونها ضدّ الارهاب الطائفي، والقوى الإنفصالية !!
فهل يجهل” الرفاق الديمقراطيون” حقيقة إنّ التناقض الرئيسي في سوريا ، وكامل منطقة ثورات الربيع العربي ،هو بين سلطات انظمة رأسمالية / إستبدادية، وبين طموحات ونضالات ملايين البشر للتحرر ولبناء مؤسسات الدولة العادلة ، وليس بين هويّات متناحرة ، وانّ الصراع الذي تفجّر في ربيع ٢٠١١ ، وما اعقبه من جهود نقل الصراع السياسي على مسارات العنف الطائفي / القومي م يكن في سياق صراع تناحر هويّاتي “، بل في إطار جهود ” قوى الثورة المضادة ” لمواجهة حراك جميع السوريين، وتفشيل اهداف الانتقال السياسي ، والتحوّل الديمقراطي ؟
و هل قضى العشرات من المشاركين في تدبيج هذا البيان اجمل سنوات عمرهم خلف القضبان لأسباب تتعلّق بصراع الهويّات ؟
وكيف يكون صراع هويّات ، وتجمع “قسد “تحت راية جيشها الموحّد” عشرات الانتماءات القومية والمذهبية والسياسية ؟
كيف تعتقد “مسد” أنّ السوريين في حالة صراع هويات ، ويعيش الكرد والعرب والسريان والاشوريون …والمسلمون والمسيحيون في تعايش ووئام في كنف ” ادارتها الذاتية ” ؟
٣- الحديث عن ” هويات متناحرة “، وبما يتضمنه من انفصال عن الواقع ، وتزوير للحقائق التاريخية التي تقول بتعايش السوريين السلمي والطبيعي ، خاصة الكرد والعرب ، هو تضليل سياسي لتبرير “مشروع التقسيم الفدرالي “، أليس كذلك يا حضرات ؟ فعندما تصل العلاقات بين المجموعات البشرية ، ايّ يكن طبيعتها ، الى درجة التناحر ، يصبح الطلاق ، هو الحل ،رغم كونه ” أبغض الحلال الى الله “!! اليس الطلاق هو الذي تسعون اليه ، والذي اصبح واقعا سياسيا وميليشياويا وثقافيا ، كما تقولون ؟!
وهنا يصبح الحديث عن هوية واحدة ، وبوتقة واحدة ، الذي تتضمنه الفقرة ، ليس له مدلول عملي ،ولا يدخل إلّا في باب التضليل !!
سادسا ،
في الختام ، وخلاصة القول :
إنّ اطلاق صيرورة بناء الهوية الوطنية السورية هو مسار متناقض تماما مع اهداف المشروع الامريكي الذي تعمل قسد على تنفيذه، وتحاول مسد اعطائه الشرعية السورية،بمعيّة” القوى الديمقراطية”، العربية ،تحت يافطة ” منصّة ديمقراطية “، والذي لن يؤدّي موضوعيا سوى الى شرعنة “حصّة “الولايات المتّحدة، تماما كما هو الحال في الدور الذي تعمل عليه سلطة ” الإئتلاف ” في المنطقة التي تحتلها تركيا..او غيرها في حصّة ” الأسد “!! فصيرورة بناء الهوية الواحدة في ظل مؤسسات دولة ديمقراطية موحدّة ،يستحيل أن تتقدّم في سياق مشروع ” الحوار والاعتراف المتبادل بحقائق الواقع الراهنة( كما جاء في مؤتمر ” القدس المحتلّة ” في حزيران ٢٠٢١)، وكما يعتقد “قادة مسد”، و حيث تسيطر سلطات الأمر الواقع الميليشياوية،التي تشكّل اداة وقاعدة للإحتلالات الاجنبية ؛ الامريكية والروسية والتركية والايرانية ، اليس كذلك يا حضرات ؟ هل سيحصل السوريون على دولة وطنية ديمقراطية( فدرالية و لامركزية) عندما يحكم السوريون ” انفسهم بأنفسهم ، في ظل سيطرة سلطات الأمر الواقع القائمة “؟
ايّ تضليل هذا، واستخفاف بعقول السوريين ؟!
( ١)- وهو بالتالي ” لا وطني “، ولن نتوقّع منه أن يؤسس لبناء هويّة وطنية . هي علاقة جدلية لايمكن الفصل بين أطرافها: الديمقراطية والوطنية ، وكان من الطبيعي أن تسعى انظمة ” الديكتاتوريات العسكرية ” الناصرو بعثيّة “، التي سيطرت على دول المنطقة المستقلّة ، على تهميش هذه الحقيقة !!
آب – ٥ – ٢٠٢٢