صلاح بدرالدين
سرعان ماتذوب ادعاءات مناصري الأحزاب با” التمثيل الشرعي للشعب الفلاني ” عندما نعلم ان مجرد الإعلان عن حزب ما ( معارضا او مواليا ) يعني الرضوخ لواقع التعددية الحزبية ، واضافة حزب جديد الى قائمة الاحزاب القديمة والحديثة ، والكبيرة ، والصغيرة ، والدخول في منافسات ، وصراعات سياسية مع أحزاب أخرى ، والتعبير عن مصالح طبقات ، وفئات اجتماعية حتى من دون الإفصاح عنها ، وحتى لو قبلنا مجازا ان كل الأحزاب منتخبة ، وشرعية تمثل مصالح الشعب ( وهذا مشكوك فيه ) ، فان التمثيل لن يكون متوقفا على طرف بعينه أي لن يكون وحيدا ، بل موزعا بين الجميع .
الأحزاب في المجتمعات المتقدمة
ففي المجتمعات المتقدمة ، وحتى في قلة قليلة من بعض بلدان آسيا ، وافريقيا ، وامريكا اللاتينية ظهرت أحزاب اليسار ، واليمين ، والوسط ، أي أحزاب شيوعية أعلنت انها تمثل مصالح الطبقة العاملة ، أو البروليتاريا ، ومنها التزمت بالدفاع عن مطالب الفلاحين ، والعمال الزراعيين ، وبعضها عبر عن مصالح وتطلعات الطبقة الراسمالية الكبيرة والصغيرة ، ومنها من تبنت معتقدات ، وآيديولوجيات دينية ، وراديكالية ، وشعبوية لكسب فئات معينة من المجتمع ، وفي مختلف هذه الحالات من الممكن وفي مجال الدعاية بالغ البعض بالقول ان الحزب الفلاني يصلح لتمثيل كل مكونات الشعب ويصون مصالحه ، ولكن لم تظهر ادعاءات تمثيل جميع طبقات ، وفئات المجتمع ، اوالشعب من جانب حزب معين .
الأحزاب في مناطق التحرر الوطني
في نهاية القرن التاسع عشر ، وبداية العشرين وفي مرحلة انتفاضات ، وثورات التحرر من الاستعمار ، ظهرت عدة تجارب جبهوية – حزبية واسعة ، مثلت عن حق شعوبها ، تجسدت فيها الاتحاد ، والعمل المشترك ، بين معظم القوى الحية ، والتعبيرات السياسية الحزبية ، والجهوية ، والاطياف القومية ، ومختلف التيارات الفكرية من اليمين ، واليسار ، والمتدينين ، ووجهاء المجتمع الذين توحدت مصالحهم امام مهام طرد المستعمر ، وإعلان الاستقلال ، ومن تلك التجارب الناجحة ، والمثمرة : ( المؤتمر الهندي – الكونغرس – بزعامة غاندي ثم نهرو ) عام ١٨٨٥ كاول حزب قومي داخل الإمبراطورية البريطانية في آسيا ، وافريقيا ، و ( المؤتمر الوطني بجنوب افريقيا بزعامة مانديلا ) عام ١٩١٢ ، وجزئيا ( الثورة الصينية بقيادة ماوتسي تونغ في تحالفه مع الكومنتانغ ) عام ١٩٤٩ ، و ( جبهة التحرير الجزائرية ) عام ١٩٥٤ و ( الثورة الكردية بكردستان العراق بزعامة الراحل بارزاني ) عام ١٩٦١ ، و ( منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الراحل ياسر عرفات ) عام ١٩٦٤ ، وتجارب أخرى في القارات الثلاث .
في هذه التجارب السالفة نال المؤتمر الهندي الاعتراف العالمي بكونه الممثل الشرعي لشعوب الهند ، وكذلك المؤتمر الافريقي الذي تحول زعيمه الى ايقونة نضالية في كل بقاع الأرض ، والثورة الصينية ، وتم الاعتراف من جانب الجامعة العربية ، والأمم المتحدة بمنظمة التحرير ” كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني ” ، وحرمت ثورة بارزاني من اية اعترافات بتمثيلها كرد العراق إقليميا ، ودوليا ، بل حوربت بكل الوسائل العسكرية ، والاقتصادية ، فقط اضطر النظام العراقي بالتعامل المتقطع معها في مراحل معينة ، وفي كل التجارب السابقة طويت صفحة ( التحرر الوطني ) ، واستقلت الهند ، والصين ، والجزائر ، وجنوب افريقيا ، وقامت السلطة الفلسطينية بصلاحيات محدودة ، وحقق شعب كردستان العراق الفيدرالية ، كما غابت غالبية تلك الأحزاب او غيرت برامجها ، او وهنت ، اوتحولت الى أحزاب حاكمة ، وانتقلت من الثورة الى السلطة ، وتغيرت اهتماماتها ، وادوارها ، وغاب عنها القادة التاريخييون العظام .
الحالة الكردية الخاصة
في هذه المرحلة بل منذ تقسيم كردستان التاريخية وتحديدا مابعد اتفاقية سايكس – بيكو ١٩١٦ ، ثم اتفاقيات ، ومعاهدات تثبيت الحدود المشتركة بين دول تركيا ، وسوريا ، وايران ، والعراق ، انتقلت أحزاب الحركة القومية الكردية الى مرحلة ( القومية – الوطنية القطرية ) اذا صح التعبير ، ونشأت أحزاب في جميع الأجزاء المنضوية تحت سيادة الدول الأربعة ، وبدأت بعملية التوازن الدقيق بين القومي والوطني ، وغابت الحركات ذات التوجه القومي الكردستاني ، وهناك من يرى انتفاء صفة ( التحرر القومي ) عن جميع هذه الأحزاب الكردية ، لانها حسب رأي هذا البعض انها لاتملك برامج شاملة لتحرير وتوحيد الوطن القومي للكرد ، كما ان الطرف الاهم بينها ( كردستان العراق ) انتقل الى مرحلة السلطة والحكم ، ولايتضمن برنامج ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ) اية مواد من اجل قضية كردستان الكبرى ، والتزامه العملي بمواد الدستور العراقي ، اما – ب ك ك – وفرعه السوري ، وسلطته ( الامر واقعية ) تحديدا فهم لايعتبرون انفسهم ضمن اطار الحركة القومية الكردية ، وتخلووا عن مبدأ حق تقرير المصير ، لذا لاحاجة أساسا الى الإشارة لتجربتهم والافاضة فيها ، ومن دون شك فان مسالة صفة التحرر القومي للأحزاب الكردية الراهنة من عدمها تحتاج الى نقاشات علمية ، وموضوعية بالعمق .
كما انه على صعيد الحالة الكردية العامة والسورية بالاخص وفي هذه المرحلة هناك تعددية مفرطة من الاحزاب ، والتنظيمات ، والتيارات السياسية المختلفة ، الى جانب غياب مؤسسات جبهوية واسعة تجمعها حول استراتيجية موحدة ، وبرنامج مشترك ، وخطاب واحد ، حتى تنال الاعترافات الرسمية الوطنية ، والإقليمية ، والعالمية ، وحتى تشكل محاورا باسم الكرد ، ومعبرا عن طموحاتهم ، وممثلا شرعيا وحيدا منبثقا عن اجماع قومي وطني عبر عملية ديموقراطية مثل المؤتمر الجامع ، كما حصل مثلا في التجارب الهندية ، والصينية ، والافريقية ، والفلسطينية .
وبالنتيجة نحن الكرد السورييون ( مثل سائر الكرد بالاجزاء الأخرى ) وفي بداية القرن الجديد ، بامس الحاجة الى إعادة تعريف هويتنا النضالية ، ومضمون ، وجوهر حركتنا ، وماذا تمثل هذه الحركة ، وسمة المرحلة التي نجتازها ، ومازلنا نفتقر الى حركة ، او حزب ، او جبهة كممثل شرعي وحيد ، وقدرنا ان نسعى الىى تحقيق ذلك عاجلا او آجلا ، لانه الطريق الوحيد لانهاء الازمة ، والتقدم الىى امام ، ومعرفة الذات .
لذلك اتوجه الى أعضاء ، ومناصري الأحزاب الراهنة في ساحتنا وأقول لهم : بدلا من اطلاق ” اهازيج ” الممثل الشرعي الوحيد ، تواضعوا قليلا ، واعملوا من اجل توفير شروط الوصول الى كيان سياسي ديموقراطي ، منظم ، ومنتخب ، ومخول ، ومسلح بمشروع البرنامج السياسي المعبر قولا وعملا عن إرادة الكرد السوريين .
والقضية تحتاج الى نقاش