أهزوجة «التمثيل الشرعي والوحيد» .. قضية للنقاش (230)

صلاح بدرالدين

   سرعان ماتذوب ادعاءات مناصري الأحزاب با” التمثيل الشرعي للشعب الفلاني ” عندما نعلم ان مجرد الإعلان عن حزب  ما ( معارضا او مواليا ) يعني الرضوخ لواقع التعددية الحزبية ، واضافة حزب جديد الى قائمة الاحزاب  القديمة والحديثة ، والكبيرة ، والصغيرة ، والدخول في منافسات ، وصراعات سياسية مع أحزاب أخرى ، والتعبير عن مصالح طبقات ، وفئات اجتماعية حتى من دون الإفصاح عنها ، وحتى لو قبلنا مجازا ان كل الأحزاب منتخبة ، وشرعية تمثل مصالح الشعب ( وهذا مشكوك فيه ) ، فان التمثيل لن يكون متوقفا على طرف بعينه أي لن يكون وحيدا ، بل موزعا بين الجميع .
الأحزاب في المجتمعات المتقدمة
   ففي المجتمعات المتقدمة ، وحتى في قلة قليلة من بعض بلدان آسيا ، وافريقيا ، وامريكا اللاتينية  ظهرت أحزاب اليسار ، واليمين ، والوسط ، أي أحزاب شيوعية أعلنت انها تمثل مصالح الطبقة العاملة ، أو البروليتاريا ، ومنها التزمت بالدفاع عن مطالب الفلاحين ، والعمال الزراعيين ، وبعضها عبر عن مصالح وتطلعات الطبقة الراسمالية الكبيرة والصغيرة ، ومنها من تبنت معتقدات ، وآيديولوجيات دينية ، وراديكالية ، وشعبوية لكسب فئات معينة من المجتمع ، وفي مختلف هذه الحالات من الممكن وفي مجال الدعاية بالغ البعض بالقول ان الحزب الفلاني يصلح لتمثيل كل مكونات الشعب ويصون مصالحه ، ولكن لم تظهر ادعاءات تمثيل جميع طبقات ، وفئات المجتمع ، اوالشعب من جانب حزب معين .
الأحزاب في مناطق التحرر الوطني
  في نهاية القرن التاسع عشر ، وبداية العشرين وفي مرحلة انتفاضات ، وثورات التحرر من الاستعمار ، ظهرت عدة تجارب جبهوية – حزبية  واسعة ، مثلت عن حق شعوبها ، تجسدت فيها الاتحاد ، والعمل المشترك ، بين معظم القوى الحية ، والتعبيرات السياسية الحزبية ، والجهوية ، والاطياف القومية ، ومختلف التيارات الفكرية من اليمين ، واليسار ، والمتدينين ، ووجهاء المجتمع الذين توحدت مصالحهم امام مهام طرد المستعمر ، وإعلان الاستقلال ، ومن تلك التجارب الناجحة ، والمثمرة : ( المؤتمر الهندي – الكونغرس – بزعامة غاندي ثم نهرو ) عام ١٨٨٥ كاول حزب قومي داخل الإمبراطورية البريطانية في آسيا ، وافريقيا ، و ( المؤتمر الوطني بجنوب افريقيا بزعامة مانديلا ) عام ١٩١٢ ،  وجزئيا ( الثورة الصينية بقيادة ماوتسي تونغ في تحالفه مع الكومنتانغ  ) عام ١٩٤٩  ، و ( جبهة التحرير الجزائرية ) عام ١٩٥٤ و ( الثورة الكردية بكردستان العراق بزعامة الراحل بارزاني ) عام ١٩٦١ ،   و ( منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الراحل ياسر عرفات ) عام ١٩٦٤  ، وتجارب أخرى في القارات الثلاث .
في هذه التجارب السالفة نال المؤتمر الهندي الاعتراف العالمي  بكونه الممثل الشرعي لشعوب الهند ، وكذلك المؤتمر الافريقي الذي تحول زعيمه الى ايقونة نضالية في كل بقاع الأرض  ، والثورة الصينية ، وتم الاعتراف من جانب الجامعة العربية ، والأمم المتحدة بمنظمة التحرير ” كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني ” ، وحرمت ثورة بارزاني من اية اعترافات بتمثيلها كرد العراق إقليميا ، ودوليا ، بل حوربت بكل الوسائل العسكرية ، والاقتصادية ،  فقط اضطر النظام العراقي بالتعامل المتقطع معها في مراحل معينة ، وفي كل التجارب السابقة طويت صفحة ( التحرر الوطني ) ، واستقلت الهند ، والصين ، والجزائر ، وجنوب افريقيا ، وقامت السلطة الفلسطينية بصلاحيات محدودة ، وحقق شعب كردستان العراق  الفيدرالية ، كما غابت غالبية تلك الأحزاب او غيرت برامجها ، او وهنت ، اوتحولت الى أحزاب حاكمة ، وانتقلت من الثورة الى السلطة ،  وتغيرت اهتماماتها ، وادوارها ، وغاب عنها القادة التاريخييون العظام   .   
الحالة الكردية الخاصة 
  في هذه المرحلة بل منذ تقسيم كردستان التاريخية وتحديدا مابعد اتفاقية سايكس – بيكو ١٩١٦ ، ثم اتفاقيات ، ومعاهدات تثبيت الحدود المشتركة بين دول تركيا ، وسوريا ، وايران ، والعراق ، انتقلت أحزاب الحركة القومية الكردية الى مرحلة ( القومية –  الوطنية القطرية ) اذا صح التعبير ، ونشأت أحزاب في جميع الأجزاء المنضوية تحت سيادة الدول الأربعة ، وبدأت بعملية التوازن الدقيق بين القومي والوطني ، وغابت الحركات ذات التوجه القومي الكردستاني ، وهناك من يرى انتفاء صفة ( التحرر القومي ) عن جميع هذه الأحزاب الكردية ، لانها حسب رأي هذا البعض انها لاتملك برامج شاملة لتحرير وتوحيد الوطن القومي للكرد ، كما ان الطرف الاهم بينها ( كردستان العراق ) انتقل الى مرحلة السلطة والحكم ، ولايتضمن برنامج ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ) اية مواد من اجل قضية كردستان الكبرى ، والتزامه العملي بمواد الدستور العراقي ، اما – ب ك ك – وفرعه السوري ، وسلطته ( الامر واقعية )  تحديدا فهم لايعتبرون انفسهم ضمن اطار الحركة القومية الكردية ، وتخلووا عن مبدأ حق تقرير المصير ، لذا لاحاجة أساسا الى الإشارة لتجربتهم والافاضة فيها ، ومن دون شك فان مسالة صفة التحرر القومي للأحزاب الكردية الراهنة من عدمها تحتاج الى نقاشات علمية ، وموضوعية  بالعمق .
  كما انه على صعيد الحالة الكردية العامة والسورية بالاخص وفي هذه المرحلة  هناك تعددية مفرطة من الاحزاب ، والتنظيمات ، والتيارات السياسية المختلفة ، الى جانب غياب مؤسسات جبهوية واسعة تجمعها حول استراتيجية موحدة ، وبرنامج مشترك ، وخطاب واحد ، حتى تنال الاعترافات الرسمية الوطنية ، والإقليمية ، والعالمية ، وحتى تشكل محاورا باسم الكرد ، ومعبرا عن طموحاتهم ، وممثلا شرعيا وحيدا منبثقا عن اجماع قومي وطني عبر عملية ديموقراطية مثل المؤتمر الجامع ، كما حصل مثلا في التجارب الهندية ، والصينية ، والافريقية ، والفلسطينية .
    وبالنتيجة نحن الكرد السورييون ( مثل سائر الكرد بالاجزاء الأخرى ) وفي بداية القرن الجديد ، بامس الحاجة الى إعادة تعريف هويتنا النضالية ، ومضمون ، وجوهر حركتنا ، وماذا تمثل هذه الحركة ، وسمة المرحلة التي نجتازها ، ومازلنا نفتقر الى حركة ، او حزب ، او جبهة كممثل شرعي وحيد ، وقدرنا ان نسعى الىى تحقيق ذلك عاجلا او آجلا ،  لانه الطريق الوحيد لانهاء الازمة ، والتقدم الىى امام ، ومعرفة الذات .
  لذلك اتوجه الى أعضاء ، ومناصري الأحزاب الراهنة في ساحتنا وأقول لهم : بدلا من اطلاق ” اهازيج ” الممثل الشرعي الوحيد ، تواضعوا قليلا ، واعملوا من اجل توفير شروط الوصول الى كيان سياسي ديموقراطي ، منظم ، ومنتخب ، ومخول ، ومسلح بمشروع البرنامج السياسي المعبر قولا وعملا عن إرادة الكرد السوريين .
   والقضية تحتاج الى نقاش

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…