1. تشكل تركيا لاعباً مهماً في الوضع السوري من خلال العمليات التي شنتها على المناطق السورية المختلفة في غرب وشرق الفرات بدءا من عمليات “درع الفرات” في آب 2016 والتي سيطرت بموجبها على مدن وبلدات جرابلس والراعي والباب مرورا بعملية “غصن الزيتون” في كانون الثاني 2018 ، احتلت خلالها منطقة عفرين ، وانتهاءاً بعملية “نبع السلام” في اكتوبر 2019 سيطرت فيها على سري كانيه وكري سبي تحت مرأى ومسمع العالم كله .لم تتوقف التهديدات التركية منذ عام 2015 حتى هذه اللحظة عن اجتياح المناطق الخاضعة لسيطرة “الادارة الذاتية ” و الآن نعيش وقع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وتهديداته القيام بعملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا ، وخاصة في منطقتي منبج وتل رفعت ، ونشهد سخونة غير اعتيادية تجاهها .
فتركيا تؤكد على انها لن تقبل بوجود “ادارة ” حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية لأنها ترى فيه تنظيماً ارهابياً معادياً ، ويشكل خطراً على الأمن القومي التركي ، رغم أن تركيا لم تنظر إلى الكرد منذ نشوئها و إلى هذه اللحظة إلا بوصفهم خطراً وجودياً يهدد كيان الدولة التركية ،و إلا لماذا لا تحاور ممثلي الشعب الكردي في تركيا ، وتجد حلاً لقضية الشعب الكردي في كردستان تركيا وتنهي الحروب في المنطقة …!.
وسط هذه التهديدات ، وبعد الحرب الروسية الاوكرانية ، والموافقة على ضم السويد وفنلندة الى الناتو ، وكل الدماء الكردية التي سالت في سبيل طرد داعش من المنطقة ألا يحق لنا أن نتساءل عن ضمان مصير المناطق المتبقية تحت سيطرة “الادارة الذاتية ” والتي تعيش اوضاعاً اقتصادية مزرية ، وتنقسم بين قلة غنية واكثرية فقيرة ، ويرتبط اقتصادها الخاص بسماسرة “الادارة ” ورجالاتها ، وبفوضى اقتصادية ممنهجة ، وسط بعض الدعوات التي تطالب بعودة النظام السوري الى هذه المناطق لمنع تركيا من تنفيذ تهديداتها ، ووقف عدوانها ، رغم مسؤولية هذا النظام عن كل ما جرى في سوريا من حروب ودمار واحتلالات .
كثيرة هي الاشارات التي نحاول ان نتحاشاها خشية معرفة الجواب الصادم وهو ان عمليات التسليم قد بدأت ، وما يجري ليس الا سيناريو لا بد من تنفيذه ، رغم كل التضحيات التي جرت من قبل الكرد في ظل تراجع وانقسام الاحزاب الكردية التي استأنست الهدوء وراحة البال ، وتعددت ولاءاتها الاقليمية والدولية .
صحيح إن التاريخ يعلمنا بأن نضالات الشعوب تمر بمراحل عديدة من التحولات والمخاضات العسيرة قبل تحقيق اهدافها ، والكرد ليسوا استثناء عن غيرهم في هذا المجال ، حيث كانوا مع السوريين في معركة الحرية والكرامة بعد سنوات الظلم الطويلة نتيجة الاستبداد الاسدي الذي طال الجميع – وبشكل اخص الكرد – لكن لم يدم الحال طويلا بعد استلام حزب الاتحاد الديمقراطي السيطرة على المناطق الكردية ، وظهور الاسلام السياسي لتتلاحق القوافل المتطرفة العابرة للحدود ، وسيطرة الجهاديين ، وتتحول الثورة السورية الى حرب اهلية وطائفية ، ومن ثم إلى أزمة إقليمية ودولية ، ولا بد من ان ننوه بان تذبذب سياسة ب ي د وممارساته الانتهازية قد ساهمت في خلق حالة عداء بين “الوطنيين “السوريين ، و” الانفصاليين الكرد ” الذين يرغبون في تقسيم سوريا عبر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية – رغم انه لا يعكس واقع الحال –
هذا التحول الذي جرى أساء الى الشعبين العربي والكردي ، والى الثورة السورية نفسها لا بل ساهم في الاستقطاب الاقليمي والدولي أيضًا، وفي ارتهان قسم كبير من المعارضة السورية والمجموعات المسلحة إلى تركيا في مواجهة حزب العمال الكردستاني القادم لتنفيذ اجندات محددة ، وقد انعكس الانقسام العمودي هذا على الجهات الداعمة نفسها ، وعلى تعميق الازمة السورية ، واطالة امدها ، وامد معاناة الشعب السوري .
ان كل القوى العسكرية والميليشاوية قد اصبحت على هذا الاساس ادوات في يد مموليها عبر الازمة السورية ، في الوقت الذي كان ينبغي ان تكون – هذه القوى – حامية للسوريين وحقوقهم التي ثاروا من اجلها في وجه الطغمة الاسدية التي استأثرت بالدولة والثروة والمجتمع ، وتعاملت معهم كإرهابيين وعبيد لا كمواطنين أحرار متساويين في الحقوق والواجبات .
اننا نعتقد في تيار مستقبل كردستان سوريا بانه بات لزاماً على الكرد السوريين وكل من يسعى للحل السياسي للخروج من المأزق المتجدد ان يعمل بشكل جاد من اجل اعادة صياغة وبلورة رؤية جديدة تعيد مسار القضية السورية إلى اطارها الصحيح ، وخلق واقع جديد يعتمد على الثقة والاطمئنان وازالة المخاوف ، والاعتراف بحقوق الجميع في إطار وطن سوري أساسه الشراكة والمواطنة المتساوية بعيدا عن الولاءات الاقليمية والدولية بحيث تتحقق الديمقراطية وتحترم حقوق الانسان وحقوق المكونات .
لقد حان الوقت كي تبرد الرؤوس الحامية ، وتفكر بعقل منفتح لإيجاد هذه الرؤية الجامعة التي تشكل هويتنا الوطنية المستقبلية ، والتي تستوعب كل مفرداتها القومية والدينية ، وتصون حقوقها في إطار دستوري عصري ترتسم عبره مسارات الخروج من ازمتنا المستعصية ، طريق الخلاص الوطني والديمقراطي ، بعيدا كما اسلفنا عن الولاءات الاقليمية والدولية ، والتناحرات العصبوية عبر اقامة مؤسسات وطنية ديمقراطية حديثة تعيد هيبة الدولة السورية ، وتضع حدا لكل اشكال التنابذ والتقاتل والصراع العدائي والانفلات الميليشياوي .
2. صحيح بان العوامل الموضوعية المباشرة هي من تفرض على الفاعلين سلوكهم وتصرفاتهم لكن العقلية القمعية والاقصائية التي ترسم استراتيجية ب ي د وتكتيكاته تسهّل علينا فهم هذه السياسة من خلال اعتمادها على القوة والعنف والانتقام والتطرف والمغامرة ، وتجريم الآخر او استخدام القوة تجاهه ، وهذا ما دفعه للحوار وتوقيع الاتفاقات ( هولير ودهوك والهيئة الكردية العليا )في بداية الأمر لتقوية موقعه بين كرد سوريا لكن سرعان ما بدأ بابتلاع هذه الاتفاقيات ، وزرع الفخاخ للمجلس الوطني الكردي – والذي لم يجد من يدافع عنه بالقوة المناسبة – فتم اعتقال قياداته و كوادره والزج بهم في السجون ، وحرق مكاتبهم وتصفيتهم ، ثم بدأ ببناء “الادارة الذاتية ” وفتح باب التوظيف على اساس الولاء والموالاة، وسيطر على مراكز القرار والقوة ، وكي لا تبدو الامور مكشوفة تم اسناد بعض المراكز الادارية لبعض الشخصيات الحزبية او “المستقلة” مع وجود مرجعية في الخفاء ، وهكذا تحولت “الادارة ” الى “ادارة” عسكرية أخطبوطيه هدفها الامساك بالسلطة ، والسيطرة ، واخضاع الناس والقوى الاخرى لمصالحها ، واجنداتها الحزبية والايديولوجية عبر سياسة التركيع والتجويع ، والنهب الاقتصادي ، ولا زال هذا النمط سائدا حتى الآن. اذ تعيش المنطقة وضعا اقتصادياً صعبا بعد ان اصبح ب ي د يتحكم بالسلطة ، والمال ، والجماهير، ويستغل العاطفة القومية ، والشعارات المثيرة ، والاستعراضات الشعبية ، والانفعالات العاطفية في تحفيز العواطف الجمعية ، وتعبئتها لإنتاج سلوك عدواني او اشغال الناس بشؤون الحياة ، والمعيشة مثل نقاشات الاسعار ، والصحة ، والراتب ، والضرائب ، وندرة المواد ، ورداءة الخبز ، وقلة المحروقات ، والكهرباء …الخ والتنصل من مسؤوليته عن ذلك ….!
3. ميدانيا تشهد مناطق الاحتلال التركي في شمال سوريا (درع الفرات-غصن الزيتون—نبع السلام) حوادث متصاعدة حيث الانتهاكات ، والفلتان الامني ، والاحتجاجات الشعبية ، والاقتتال الفصائلي والعشائري ، وبناء المستوطنات وتنفيذ الهندسة السكانية بالتزامن مع استمرار تركيا بالتلويح بشن عملية عسكرية ، واقامة منطقة “امنية ” بعمق 30 كم على حدودها للحفاظ على امنها القومي ، وتوطين مليون لاجئ سوري فيها في حين ان القرار 2254 لازال في مربعه الاول حيث يتهرب النظام السوري من تنفيذه مما يبقي الصراع في سوريا ساخناً ، ومشتعلاً ، وقابلاً لمزيد من الدمار والقتل ، وتهديد السلم والأمن في المنطقة . بينما يتسم الوضع برمته بالجمود في ظل ارتباط الصراع بأجندات القوى الاقليمية والدولية المنخرطة بالوضع السوري .
ونتيجة لحالة الاستنقاع والتعفن ، والفساد المعمم بنيوياً ، قل اهتمام الناس بالشأن العام ، وانعدمت الثقة بالقوى والاحزاب والشخصيات ، واقتصرت همومهم على كيفية تدبير شؤون حياتهم ، وعدم انحدار مستواهم الاجتماعي والاقتصادي ، وسقوطهم او تدحرجهم نحو الهاوية ، في حين تترنح السياسة الكردية السورية ، وتستمر في استخدم ذات اللغة الخشبية الجوفاء الصالحة لكل زمان ومكان ، والمتكئة على التعميم ، والحشو ، والتكرار ، وبعبارات توحي بان هناك جديداً يدفع بها الى الأمام رغم ان واقع الامر ليس الا ضرباً من الكلام غايته “التفاصح” ، و”التشدق”…!
ما نحتاجه في مناطق سلطات الامر الواقع – حتى الحل السياسي المنشود – هو نوع من الحوكمة الرشيدة التي تحقق التوازن بين الاهداف الخاصة لهذه المجموعات ، والاهداف المجتمعية التي توائم بين مصالح الافراد والسلطة والمجتمع بشكل متسق قدر المستطاع دون ان يعني ذلك الفاظاً لا تؤدي في النهاية الا الى المزيد من الفساد والطغيان والاستلاب ..!”
4.وتأتي اجتماعات هولير في اطار اجراء مراجعة واعادة هيكلة لأليات وعمل المجلس الوطني الكردي ، والتحضير لعقد المؤتمر الوطني الرابع وتفعيل دوره – العضوي- كحامل للمشروع القومي وكجزء فعال من قوى الثورة والمعارضة السورية
تيار مستقبل كردستان سوريا.
الهيئة التنفيذية .
قامشلو 5 تموز 2022