عندما يكون التجهيل ممنهجا

شريف علي

ما هو معروف أن الجهل كظاهرة اجتماعية مرتبطة بالتعليم فقط وبالتالي قابلة للزوال مع مرور الزمن من خلال توفر وسائل التعليم وتطورها حيث نسمع بين الحين والآخر أن المدينة الفلانية احتفلت بإنتفاء الامية منها أو ان البلد الفلاني تدنّت فيه نسبة الأمية خلال فترة وجيزة إلى الحد الأدنى كمؤشرات القضاء على الجهل لكن ما بات حقيقة واقعة أن ما ندعوه بالجهل ومن خلال ما تخلّفه من آثار مدمّرة للمجتمع بات يستخدم كسلاح من جانب البعض تجاه البعض الآخر، والأدهى من ذلك عبر بوابة العلم ذاته وبمنهجية دقيقة، لها رجالات فكرها ومختصّين وخبراء تتركّز مهمّتهم في تمرير الجهل وترسيخه والدفع بالمستهدف الى التشبّث به واعتناقه ضمن أطر متنوعة من دينية وفنية وفلسفية وحتى العلمية لا تنجو منها.
 هذا السلاح الفتّاك وإن كان مستخدما بيد فئة معينة بشكل مباشر لكن حقيقة الأمر هي أنه حتى تلك الفئة هي ضحية مثل ضحاياها فهي التي غرقت في الجهل، واصبحت اداة طيّعة بيد اخر حتى لا تكاد تميز ما هو من صالحها أو ضدها فما أن تتعثر او تعي حتى لتدهس من قبل فئة أخرى أكثر حماسا منها وأكثر تشبثا بالجهل دون أن تدرك ذلك.
 لتتحول تدريجيا المعادلة من الصراع بين الجهل من جهة والتنوير والوعي وحماية المصالح الجمعية من جهة أخرى إلى الصراع بين الجهلاء أنفسهم لتفضي إلى نتائج كارثية على الشعب والوطن وتحجم القضية ويخرج المستبد عادلا يتحكم بالجميع. إنها لوحة مجسّدة لما تمر بها الجماهير الكوردية في كوردستان الغربية حيث الفارض نفسه بقوة الأخر الغاصب لم يدّخر جهدا لفرض هيمنة التجهيل من خلال هندسته وتغليفه بشتّى الأقنعة التي تلقي رواجا في الوسط الكوردي ومن ثم تسويقها على أوسع القطاعات باختلاف انماطها دون أي اعتبار للأعراف والقوانين والشرائع وضاربة بالمصالح العليا للشعب الكوردي وحقوقه المشرّعة دوليا عرض الحائط. خاصة وإنها عملت جاهدة لخفض مستوى المعيشة والدفع بالجماهير نحو هاوية الفقر لخلق أوسع قطاع استهلاكي لسلعتهم تلك والعبور من خلالها إلى القطاعات المتعلمة وحتى الشريحة المسيطرة ذاتها التي اسند اليها مهمّة إصدار القرارات الداعمة للجهل والمبررة للفساد بأقنعة مزيفة حتى يسود الخطأ عرفا والأكاذيب حقائق راسخة في أذهان الجماهير والتسرّب من المؤسسات التعليمية التي تحول إلى ثكنات عسكرية نجاحا اجتماعيا ومطلبا قوميا ويجعلوا من اللصوص والخونة أبطالا ومن الأبطال أنذالا، سلعة يستميتون في الدفاع عنها، ويصبح الصواب ومحاربة الفساد وحرية التعبير وتقزيم التعليم ومعاقبة المجرمين جرائم وهدر لثروات قومية وتكفير بمبادئ معبود مزيف لا يجوز المساس بها. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…