مفارقات مُحزنة أين كُنا وكيفَ أصبحنا ؟!!

جلال مرعي 

سابقاً كان الإنسان الكُردي يعتزّ بانتمائه الحزبي في وسطه الاجتماعي مُنِيفاً ، آملاً في قرارة نفسه أنه يقف خلف من يقوده للنجاة والظفر بحياة أفضل له ولبنيّ قومه بروح قومية عالية  وقدسية القومية والوطن، بالرغم من المخاطر التي كانت تحيط بهِ وحجم التهديد ،
يتهافت على الانتساب للأطر السياسية الكُردية بشغف ،يلتفتُ حوله أبناء جلدته من عامة الناس ليستمعوا لحديثه عن ألف باء السياسة  بالروح والمحبة نفسيهما للقضية التي طمستها الأنظمة المتعاقبة على حكمه.. 
الا أن  توالد الأحزاب السياسية الكردية  وانشطارها وتعرية الشعارات التي حملت بريقاً زائفاً ،فضلاً عن القضية الكُردية المحقة التي اِنْصَهَرَت في بُوْتَقة الْأَرْذَل ، غيرت المفاهيم على الأرض ووصل الأمر بالجميع الى حالة يأس لا رجوع منها،  حتى في نفوس من همّ  في المهجر ، فـ لمّ يعد الإنسان الكردي (الحزبي) يملك روح المتابعة ضمن إطاره الحزبي بلّ يطأطئ رأسه مما آل إليه الوضع العام لأنه يعتبر ذاته جزءا من المصيبة التي حلتّ بوطنه كونه منح الثقة العمياء لمن استخدمه مطيّة لتحقيق مآربه الشخصية وباعوا قضيته التي كانت يتغنى بها في سوق النخاسة متخفياً تحت عباءة الدفاع عن الحقّ الكُردي،ناهيك عن وجود تكتلات داخل كل تنظيم سياسي كردي يسري داخلها الفساد ، حيث يُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ  ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويصدَّقُ فيها الكاذبُ…إلخ ،  الأمر ذاته دفع بالغالبية لترك صفوف الأحزاب خصوصاً تلك الفئة التي ناضلت بشرف ودفعت ضريبة مواقفها. 
المتتبع للحالة الكُردية يدرك تماماً بأن التكاثر الأرنوبي للأحزاب الكُردية والدور الذي يلعبه الساسة الكُرد ليس وليدالمصادفة أو الهدف السامي كما يدّعي الجميع ..بل بفعل فاعل مخطط وفق مشروع آسِن الغاية منها ضرب الوجود الكردي على أرضه التاريخية وهذا ما حصل بالفعل وما يشهده الواقع على الأرض لخيرُ دليل…
يقول ” جبران خليل جبران ” كل شيء ممكن أن يكون له فرصةَ ثانيةَ ، إلا الثقة، فكيف لشعبٍ ان يثق مرة أخرى بزمرة هربت بحثاً عن الملذات تاركاً رعيتها على قارعة الطريق دون نصير ورشيد..،وفي الوقت ذاته تلك الزمرة مستمرة في مشروعها الرامي لإطالة زمن الوضع على ماعليه لما لذلك من منفعة عائدة لها، عبر شعارات استهلاكية عفا عليها الزمن وطواها الدهر ناهيك عن تداول القضية في البازار السياسي حيثُ يشاؤون دون رادعٍ. 
ديوال يقول ” إن الجواهر موجودة ولكنها لا تؤلف عقداً قبل أن يأتي أحدهم بالخيط ”””””””” وبالفعل الكثير من الشرفاء ممن يملكون المؤهلات الكافية مبعثرين ما بين الوطن والمهجر يتمتعون بضمير حيّ و إخلاص لنّ يغريهمُ المال على حساب القضية ولكنهم على الهامش مبعدون عن الوسط السياسي أو بالاحرى لم ينخرطوا في لعبة قذرة أساءت للوجود الكُردي ، فلو هيأت لهم الأرضية المناسبة لسعوا  بما يملي عليهم ضميرهم .. وقد يتحول الحال الكُردي للأفضل لأن الواقع الدولي الراهن والإقليمي على وجه الخصوص مليء بالتحولات السريعة التي إن تمكنا من التماشي الصحّ معها لنكونن من الناجين.. وفي الوقت نفسه لا يمكننا تعميم الحالة على الجميع ممن همّ ضمن الحركة السياسية الكُردية،  فهناك شخصيات كانت ومازالت نقية لمّ تنجر للدرك الأسفل ولكن للأسف هم مبعدون عن مصدر القرار  المحصور بأيدي الضباع. 
بنهاية المطاف القاصي والداني على علمّ تامّ بحجمِ الكارثة التي حلتّ بالكُرد السوريين طيلة السنوات الماضية من تهجير ونزوح واحتلال وتغيير ديمغرافي وفقرٌ مدقع ناهيك القتل على الهوية واستمرار الحالة على ما عليه لا نجني منها سوى المزيد من الخيبة والمصائب ..
انقاذ الحالة لا يحتاج معجزة ربانية كما يظنّ البعض بقدر ما تحتاج لقيادة نبيلة تحظى بثقة الشعب وتهدف لنيل حقوقه وفق القوانين والمواثيق المعمولة عليها دولياً دون عنف او إكراه  ..
والأمثلة كثيرة عن الشعوب التي تعرضت لأقسى أنواع الظلم على مرّ التاريخ بنهاية المطاف حصلت على حقوقها ولو بشكل نسبي وخيرُ مِثال إقليم كُردستان التي تنعمّ بالخيرات والازدهار نتيجة ارتكازها على مسند الاصالة والوفاء المتمثلة بقيادتها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…