بين الحفاظ على الامر الواقع وتغييره يكمن السر البليغ.. قضية للنقاش (218)

صلاح بدرالدين

  قبل نحو سبعين عاما كان الكرد السورييون ينتظرون بفارغ الصبر ولادة حزبهم المنظم الأول، ولم تكن ولادة قيصرية، بل طبيعية، تم التمهيد لها نحو عشرين عاما بعد توقف حركة – خويبون – بطرق شتى ثقافية، اجتماعية، فكرية، حتى توفرت الشروط الذاتية، والموضوعية، والتأم الشمل بين كرد جميع المناطق، ومختلف التيارات، والاطياف، اما الآن فالكرد السورييون يضعون أياديهم على قلوبهم قبل شروق شمس كل يوم، خشية اعلان حزب كردي جديد.
  وقبل اكثر من خمسين عاما كانت النخب القومية السياسية، والثقافية الحزبية والمستقلة، تحرص على سلامة مسار حزبهم، والحفاظ على خطه النضالي، وان دعت الحاجة المساهمة في تصحيح أي اعوجاج، والتصدي لاصحاب النوايا المبيتة في تحريف وجهة الحزب نحو الولاء للسلطة، او التخلي عن المسلمات المبدئية حتى ضمن صفوف القيادة، وكان الجمهور الوطني اللاحزبي حريصا على وحدة الحزب، واستمراريته، ونقائه، بقدر أعضائه،  اما الان فاللامبالاة سيدة الموقف امام انقسامات الأحزاب، وصراعاتها، ومعاركها البينية بالوكالة، ولم تعد اخبارها مثار اهتمام يذكر.
  وقبل عقود كان الصراع الدائر في الحركة الكردية السورية وبكلمة أوضح بين حزبيها (اليسار واليمين)  يدور حول فكر الحركة، وسياساتها، وتعريف نضالها، وتحديد خياراتها المصيرية : هل كرد سوريا شعب من السكان الأصليين يقيم على ارض الإباء والاجداد، ام اقلية مهاجرة، هل ان النضال القومي الكردي جزء من نضال القوى الديموقراطية السورية من اجل إزالة الاستبداد وتحقيق التغيير الديموقراطي، أم مجموعة موالية للنظام، هل الحزب والحركة بمعنى أوسع حريص على تعزيز البعد الكردستاني، ومع قيادة البارزاني الشرعية في كردستان العراق أم مع الفئة المنشقة عن الثورة، اما الان فلاخلافات جوهرية، بين احزاب الصراع الكردي الكردي، الاختلاف حول المصالح الحزبية، والنفوذ، وتقاسم السلطة، وواردات النفط والمعابر.
  وفي المراحل الأولى – ونحن عشناها – كان الحرص شديدا على تلمس وانتهاج دروب بناء العلاقات الوطنية، والقومية، والإقليمية، والاممية، على الأسس السليمة، من موقع شعب، وقضية، ومن دون الافراط باستقلالية القرار، او التنازل عن المسلمات المبدئية، مع تحريم أية علاقة مع الأنظمة في الدول الغاصبة لوطن الكرد، اما منذ عدة عقود وحتى الان وبعد حلول مرحلة الانحطاط، فالأمور تجري بصورة معاكسة على أيدي الأحزاب التي فقدت الاستقلالية، واجتازت الخطوط الحمر، بل واساءت للانجازات السابقة، وتجاوزت الثوابت القومية، والوطنية، ومن دون تحقيق اية مكاسب لمصلحة الشعب، والوطن.
  في سنوات ازدهار النضال المبدئي، والثوري المعارض للدكتاتورية، والاستبداد، والمطالب بتحقيق إرادة الكرد السوريين لمصيره السياسي، والإداري، في اطار سوريا الديموقراطية الواحدة، كان بناء (الجبهات، والتحالفات) مطلبا ملحا بين اطراف يجمعها مشروع قومي، وطني، ديموقراطي، واضح، وموئلا لمختلف الاطياف التي تجمعها المشتركات اكثر مما تفرقها الاختلافات، واليوم لاتختلف الأحزاب حول الأفكار، والمواقف المبدئية، ولو وجدت لكانت تفاصيلها مطروحة في وسائل الاعلام، بل بشأن صغائر الأمور، وأحزاب طرفي الاستقطاب تتشابه في عدم الاستقلالية، والموقف من النظام، ومخالفة وحدة الحركة الكردية عبر المؤتمر الجامع، وحول المشروع الكردي .
  في حالة التشظي الراهنة، والانقسامات، وتوالد الأحزاب التي لا طعم، ولالون، لها لن تكون الدعوة الى جمعها في (جبهة) واحدة خيارا سليما ولن يكون حلا للأزمة، وفي الظروف المشخصة الان بغلبة بعض الأحزاب وتحكمها بالسلطة، والعسكر، والمال لن تكون هناك جبهات ديموقراطية بل ستكون نسخة سيئة من جبهة النظام (الوطنية التقدمية)، والحركة الكردية تمر بظروف استثنائية، وتحتاج الى خطوات استثنائية للانقاذ، فماهو قائم، من بنى تنظيمية فوقية حزبية يضر ولاينفع، ولابد من تفكيكه، وإعادة بنائه من جديد عبر الطرق المدنية الديموقراطية، ومن خلال المؤتمر الجامع المنشود .
  الفرق شاسع بين الحفاظ على الامر الواقع، وبين البحث عن بديل متجدد، ففي الخيار الأول، وبعد الاصطدام بالجدار المسدود، واستنفاذ طاقات الاستمرارية، وحجج البقاء  يتم اما الرجوع الى الخلف، بالاستنجاد بالامجاد حقيقية او مصطنعة، او مستعارة لافرق، ويستتبع ذلك تسعير الصراعات البينية، واضافة مواد جديدة شديدة الاشتعال، ثم تثار العصبيات الآيدولوجية، وحول المراجع، والمصادر، والشرعية، لتصل الى حدود الاستعانة باطراف خارجية، والاستقواء بهذا الشفيع، وذاك المانح، ويبقى الكردي السوري طوال المأساة وقودا في معركة الاخرين، لاناقة له فيها ولاجمل كمايقال .
  وفي الخيار الثاني وبسبب حالة العجز والجمود المشار اليها أعلاه،، يحصل الهروب الى الامام، على شاكلة (الخروج من الجلد)، وتناسي الماضي من دون إمكانية امحائه من الذاكرة، والانقلاب المفاجئ على كل المشهد القديم، وتقمص لبوس مختلفة تماما عن الألوان الحقيقية، يجري كل ذلك بصورة مصطنعة، وبشكل مسرحي مفضوح، ومكشوف .
  لو صفت نوايا قيادات  الأحزاب، واتسمت بشئ من الواقعية، ولو قليل من الجرأة الأدبية، والأخلاقية، لما لفت ودارت هذه المسافات، ولما كلفت تلك الجهود، والامكانيات فقط من اجل تحسين الصورة، وعدم الاعتراف بالفشل، والإصرار على السير في طريق الخطأ، والتضليل، الطريق الأقصر والاشرف هو الاستجابة لارادة الغالبية الوطنية، والخضوع للمصلحة القومية، والوطنية، وقبول المؤتمر الكردي السوري الجامع حكما، وحلا، ومرجعا، وبخلاف ذلك، فان الخيارات الأخرى لن تجلب الحلول لازمة حركتنا، ولا لقضيتنا، ولن تكرس الشراكة المصيرية مع السوريين، ولن تعزز أواصر العيش المشترك مع المكونات الوطنية، ولن تفرض طرفا بعينه ممثلا مفوضا من الكرد السوريين خاصة اذا كان ذلك الطرف حزبيا، ومدعيا، ومتلونا، وغير مقبول، وفي ذمته العديد من المخالفات السياسية، والقضايا الجرمية، والانتهاكات، والتجاوز على الأموال العامة . 
  والقضية تحتاج الى النقاش

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…