جبال قنديل: كُردستان البديلة

حسين جلبي

رغم أن جبال قنديل النائية في إقليم كُردستان، الواقعة بين العراق وتركيا وإيران، هي معقل حزب العمال التركي، الذي يتواجد فيه قادة الحزب ومركز قيادته ومعسكراته ومقاتليه، فإن تلك الجبال هي المكان الأكثر أمناً للحزب، بحيث تكاد لا تتعرض لهجمات عسكريّة من القوى التي يدّعي الحزب بأنها تعاديه؛ تركيا التي يقول بأنها يخوض حرباً ضدها، إيران والعراق اللذان يقول بأنه في حالة عداء معهما، ونظام الأسد الذي يقول بأنه قام بثورة ضده في سوريا “ثورة روجآفا”، بينما تتعرض المناطق المدنية التي يتواجد فيها الحزب؛ في إقليم كُردستان والمناطق الكُرديّة السوريّة لهجمات متواصلة، خاصةً من قبل الطيران التركي الذي يعبر من فوق معاقل الحزب في جبال قنديل، ويذهب لقصف مناطق في إقليم كُردستان، ثم يعود من فوقها أيضاً.
ما هو السر في ذلك؟ لماذا لا تهاجم حكومات الدول “المعادية لحزب العمال التركي” حسب ادعاءاته؛ معاقله في جبال قنديل، حيث يمكنها إذا تمكنت منه هناك، من انهاء وجوده في كل مكان، بينما تستهدف أفراداً هامشيين منه في الهوامش، بصورة لا تؤثر عليه بل تلحق ضرراً بالمدنيين الكُرد؟ هل يعود ذلك إلى أن معاقل الحزب في جبال قنديل محصنة، لا تستطيع جيوش تلك الدول اختراقها، أم أنها لا تستطيع كشف مواقعه ومعرفة أماكن تواجد قادته؛ بسبب أساليب التمويه التي يستخدمها، أم أن حكومات تلك الدول تتسامح مع وجود الحزب في جبال قنديل، باعتباره ذلك يجنبها شره؟
في الواقع لا تعتبر مواقع حزب العمال التركي في جبال قنديل محصنة؛ بالمعايير العسكرية الحديثة، ذلك أن حروب اليوم لم تعد برية، تخاض بالجنود والآليات والمعدات العسكرية، بل بالأقمار الاصطناعية والصواريخ البعيدة المدى والطائرات الحربية وطائرات الدرون، التي تستطيع كشف أيّ شيء والوصول إليه، مهما كان مموهاً محصناً، إلا أن تلك الحكومات لا تتسامح مع وجود الحزب في جبال قنديل فحسب، بل تشجع عليه وتدعمه، رغم ظهوره وكأنه قاعدة خلفية لتدريب المقاتين وارسالهم للقتال ضدها، إلا أن لذلك أسبابه.
في الحقيقة، تعمل استخبارات الدول المعادية للكُرد على المدى الطويل، على تحويل جبال قنديل إلى كُردستان بديلة، إلى وطن بديل للكُرد، بحيث تكون بمثابة مثلث برمودا “في الحالة الكُرديّة مربع برمودا” الذي يبتلع الكُردستانات الأربع وسكانها الكُرد، وتحويل القضية الكُرديّة إلى مشكلة خاصة بعدد من قطاع الطرق الأشقياء في تلك الجبال، المنبوذين الموجودين على لوائح الإرهاب، وما الضربات التي توجهها تلك الدول للكُرد، بحجة ملاحقة حزب العمال التركي، إلا بهدف القضاء على الوجود الكُردي في الحواضر الكُردية، بتهجير قسم منهم إلى خارج بلادهم وتوجيه القسم الآخر إلى جبال قنديل، مقاتلين دون هدف، في المكان الأكثر أمناً لهم، لا يقومون بشيء سوى استهداف الكُرد وتخوينهم وخطفهم وتجنيدهم، بحيث تتحول كُردستان البديلة تلك إلى وسيلة لاستنزاف الوجود الكُردي تحت عنوان شعارات فارغة، حتى القضاء على الوجود الكُردي.
من صفحة الكاتب:

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…