صلاح بدرالدين
بعكس كل ادعاءات وسائل الاعلام الحزبية التي تحاول عبثا إضفاء اللون الوردي على الحالة الكردية السورية الراهنة، واشغال الناس بصغائر الأمور لتوجيه الأنظار، واخفاء الحقيقة المؤلمة حول معاناة المواطنين في مناطق نفوذ سلطة الامر الواقع، على الصعد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وفي مجال الحريات العامة، ومضيها في حجب الأسباب الحقيقية للتردي الحاصل التي تعود بالأساس الى الازمة المستعصية المتفاقمة التي تعاني منها الحركة القومية السياسية الكردية جراء تفككها، وتشرذمها، وارتدادها الفكري، والثقافي، وتراجعها التنظيمي، ويطيب لاحزاب طرفي الاستقطاب وصف الحالة في غير محلها، والتهرب من التشخيص السليم لأزمة الحركة، باعادتها الى اختلافات حزبية شكلية قابلة للحل من خلال تفاهمات أحزاب طرفي الاستقطاب عبر وساطات خارجية، من دون الحاجة الى الغوص عميقا لاجتثاث المرض من الجذور،
وهنا يظهر الخلاف العميق بين رؤية حزبية تنفي وجود مايدعو الى إعادة النظر، والبناء من جديد، على هياكلها المتداعية، وبين التشخيص الواقعي للأزمة من كل جوانبها من قبل الغالبية الساحقة من النخب الفكرية، والسياسية، والثقافية، والذي يستدعي حل الازمة بإعادة بناء الحركة بالطرق المدنية الديموقراطية، وتوحيدها، واستعادة شرعيتها .
عموما وعلى ضوء التباين السياسي في تشخيص الحالة الكردية السورية، نجد تباينات أخرى أيضا حول سبل الحلول بين فئات ثلاث :
أولا – الفئة الأولى : كما اشرنا أعلاه من المتنفذين في أحزاب الطرفين، ومن يوالونهم في وسائل اعلامهم، ومن يقف وراءهم خارج الحدود، لايقرون باي خلل بنيوي يستدعي التغيير، أو عقد المؤتمرات ( القومية – الوطنية ) من أجلها، وكل طرف يرى في نفسه المعبر، والممثل الشرعي للكرد، واما ان يحصل التفاهم مع الطرف الآخر لاقتسام السلطة، ومغانم الإدارة، ومساحات النفوذ، وواردات النفط، وجمارك المعابر الحدودية، أو يهزم الطرف الآخر عسكريا او سياسيا جماهيريا، وبوسائل القمع والمنع ليحل محله، ويمارس سلطته الحزبية على انقاض الحزب الآخر، هذا هو المنطق السائد حتى لو لم يتم الإفصاح عنه علنا .
يتمسك – ب ي د – كوكيل للحزب الام – ب ك ك – بالإدارة والواردات، ويرى من حقه ذلك لانه قدم عشرات الالاف من الضحايا بمواجهة داعش، ولديه مقاتلين على الأرض، وجاهزون حسب الطلب، والحاجة، كما من حقه أيضا ! التصرف كما يشاء حتى في مجال اجراء تغييرات في مفاهيم الفكر القومي، وتعديل وإلغاء المبادئ ذات الصلة مثل ( مبدأ حق تقرير المصير )، وتبديل مصطلح – كردستان سوريا – الى – روزآفا – أو – شمال شرق سوريا – وتنصيب – اوجلان – ذو التبعية التركية الى مرجعية آيديولوجية، عقيدية للكرد السوريين بمصاف القادة العظام، والانبياء، وهو بالذات نفى صفة الشعب عن كرد سوريا، ووعد الأسد الاب بارجاعهم الى موطنهم الأصلي خارج الحدود في الشمال ؟! .
اما أحزاب الطرف الاخر المواجه وبما ان قياداتهم تفتقر الى التاريخ النضالي، وتحتاج الى حاضنة شعبية داخل صفوف، ومناطق الكرد السوريين، فانها ومنذ أعوام تستعير أمجاد الاخرين، وسمعتتهم، واموالهم، وصدقت نفسها انها ( الممثل الشرعي الوحيد ) لكرد سوريا، ولاتحتاج لالشرعية المؤتمر الكردي السوري الجامع، ولا للاجماع الوطني، ولا للاعتراف بالوطنيين المستقلين ؟! .
خلاصة القول ان الطرفين الحزبيين يعتاشان على صراع المحاور، وتغذيته بالجانبين البشري، والمالي، ويصران من حييث المبدأ الى الحفاظ على الامر الواقع، والتعايش مع الازمة، وادارتها .
ثانيا – الفئة الثانية : وهي من أوساط اجتماعية، واطياف متعددة، ومتباينة، بينها المتردد، والرمادي، وغير المهتم بالتفاصيل، واللامبالي، قسم منها تشدها مصالح نحو أحزاب طرفي الاستقطاب، ويحرص على إرضاء الطرفين، غالبية هذه الفئة ترى بوجود الخلل ولكن ترى أيضا بامكانية الإصلاح، عبر التفاهمات، وتبويس اللحى بين قيادات الأحزاب، وبتبديل بعض المسؤولين اذا اقتضت الحاجة أي تبديل الأشخاص بدل الفكر، والموقف السياسي، وهي تقف مع رؤية الفئة الحزبية الأولى بشأن نفي أي دور للوطنيين المستقلين، وعدم الحاجة الى مؤتمرات كردية سورية جامعة، كما لاترى أية أزمة بنيوية داخل صفوف الحركة الكردية، بكل اسف تجد قسما كبيرا من المتعلمين، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي داخل هذه الفئة، وكذلك المهتمون بالاعلام .
ثالثا – الفئة الثالثة : تضم نخبا من الوطنيين المستقلين ذوي الماضي النضالي، والخبرة، والسمعة الطيبة في أوساط الحركة الكردية، ومجموعات شبابية من النساء، والرجال، ومن ذوي المهن العلمية المنتجة، بداخل الوطن، وبين صفوف المهاجرين في بلدان الشتات، تنطلق في توجهاتها التغييرية من مختلف مراحل نضال الحركة الكردية السورية، وتجاربها منذ عشرينات القرن الماضي وحتى الان، وذلك بترابط تاريخي متكامل، وترى ان الازمة عميقة داخل الحركة القومية الكردية، وتوسعت لتشمل البنى الفوقية – الأحزاب – وكذلك الوضع الكردي العام، ويكمن الحل في خطوات جذرية من خلال إعادة بناء الحركة من جديد، وتوحيدها، واستعادة شرعيتها، وذلك بتوفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع، بغالبية وطنية مستقلة، ومشاركة قواعد الأحزاب – ان ارادت – على أساس التمثيل بثلث مقابل الثلثين للوطنيين المستقلين .
ترى هذه الفئة التي اسميها بالكتلة التاريخية المنقذة ان السبب الرئيسي للازمة هو ضعف وانتفاء تأثير العوامل الذاتية، والمقصود بها : مشروع البرنامج السياسي، والمواقف السياسية القومية، والوطنية، والكردستانية، وإعادة بناء الأداة النضالية أي الحركة السياسية، وتبديل، وانتخاب المجالس القيادية، وترسيخ استقلالية القرار، وصيانة الشخصية الكردية السورية المستقلة، ومسألة التبعية للمحاور القومية، وعسكرة المجتمع الكردي السوري، والتحالفات الوطنية السورية، وميثاق العمل المشترك مع المكونات، والتيارات الوطنية، وإعادة الاعتبار لمسألة التصالح بين السياسي والثقافي في النضال الكردي، وترى أيضا ان استكمال روافع، وحوامل العوامل الذاتية من شانه التاثير الفاعل بالعوامل الموضوعية، بل تجييرها لمصلحة تحقيق الأهداف ( كنا قد عالجنا هذا الموضوع بالقضية ٢١٢ ) .
عمليا يتصدر حراك ” بزاف ” هذه الفئة منذ نحو عشرة أعوام، وعقد في الوطن، وفي اقليم كردستان العراق وفي بلدان الشتات مئات اللقاءات التشاورية، وعشرات الندوات النخبوية، والجماهيرية، متسلحا بمشروع برنامجه السياسي، وكما من الوثائق من مذكرات، وببانات، ونداءات، ومبادرات مرحلية، منشورة، وموثقة في موقعه الرسمي www.bizav.org ، باللغتين الكردية، والعربية، وبعضها بالانكليزية، الى جانب حراك ” بزاف ” هناك أيضا مجموعات شبابية، وشخصيات ثقافية، وإعلامية، بالوطن، والخارج تنتهج نفس رؤية ” بزاف ” وتعمل حسب ظروفها الخاصة، وتبحث عن التغيير بطرقها .
كثيرا مايطلب من حراك ” بزاف ” من جانب الحريصين بتسريع الخطى، والاقتراب أكثر من ساعة الحسم، وهو طلب مشروع، ولكن اليس من الاضمن، والانسب ان نعمل جميعا في أوساط الفئة الثانية، ونحاول استمالتها، وإقناع مكوناتها بان التردد، واللامبالاة لن يعيدا بناء حركتنا، ولنحاول معا انقاذ السفينة من الغرق قبل فوات الأمان .
والقضية قد تحتاج الى نقاش