صلاح بدرالدين
تتردد بين الحين والآخر في الوسائل الإعلامية المتعلقة بالكرد السوريين، عبارة (الخط الثالث) ان كان في منشورات بعض الأحزاب، او في كتابات افراد على صفحات الفيسبوك وخلافها، وكما لوحظ فان التعبير غير واضح، ويشوبه الغموض، وفي معظم الأحيان يطرح بغير محله، وبما انه يستخدم للدلالة على تحديد الاتجاهات الفكرية، والسياسية في الحركة الكردية السورية، وفرزها، وتشخيص قواها المفترضة، فان هذا التعبير مثل بقية المصطلحات الدارجة في الثقافة الحزبية السائدة خلال الأعوام الأخيرة، تعرض الى التشويه، والمغالطة، وبالتالي يحتاج الى التعريف، والتدقيق، والمزيد من النقاش .
عملية الفرز، والتصنيف داخل الحركة القومية الكردية
المرحلة الأولى
عندما نشب الخلاف داخل (الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق)، وفي صفوف ثورة أيلول أواسط ستينات القرن الماضي، توسع ليشمل الحركة السياسية الكردية في الأجزاء الثلاثة الأخرى، وفي جميع أماكن التواجد الكردي، وحينها تعددت التسميات، والاوصاف حتى في مكان الحدث ( انشقاقييو ٦٦، جماعة جلة وبلة، جحوش حزبييون، رجعي، عشائري ووو)، وقد وجدت كل هذه الاوصاف صدى لها خارج كردستان العراق .
أقدمنا حينذاك ( في البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) سابقا، على دراسة الحدث الكبير المؤثر على القضية الكردية عموما، خاصة بعد اطلاعنا على التفاصيل من عين المكان ( حيث زار وفد من الحزب وكنت اترأسه ) مناطق ثورة أيلول عام ١٩٦٧، والتقى بالزعيم الراحل مصطفى بارزاني، وقيادة البارتي، وبعد مناقشات مسهبة في قيادة حزبنا ( سابقا ) توصلنا الى قناعة بوجود تيارين سياسيين في الحركة القومية حينذاك، يختلفان في النهج الفكري، والرؤا السياسية، واحد قومي ديموقراطي معتدل، يسعى لحل القضية الكردية عبر الحوار، ويربط النضال القومي بالوطني، ويستند الى التفاهم الكردي مع الشعوب العربية، والإيرانية، والتركية، ومن ابرز رموز هذا التيار النهج الذي يسير عليه البارزاني وحزبه، وكذلك أحزاب، ومجموعات أخرى، ونحن من بينها، وآخر غير مستقل، مغامر، يرتبط بالانظمة المقسمة للكرد، ومن رموزه مجموعة المرحومين ( جلال – إبراهيم ) ثم الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق، واطراف حزبية أخرى، وفي هذه المرحلة لم يظهر ( خط ثالث ) بل ترسخ الاصطفاف الثنائي الحاد في كل أماكن التواجد الكردي .
المرحلة الثانية
بعد تراجع ( الاتحاد الوطني ) وغياب زعيمه، ودب الخلاف بصفوفه، انتقلت زعامة التيار المغامر الفعلية الي ( حزب العمال الكردستاني – ب ك ك ) وفي عهده اخترقت القوى الإقليمية البيت الكردي أكثر، وارتبط هذا التيار اكثر باجندة الأنظمة المقسمة للكرد، كما تعمق الصراع، وتاصلت العداوات الكردية الكردية، بعد استهداف إنجازات شعب كردستان العراق، ونقل الفتنة الى كردستان سوريا، والاستهتار بتاريخ، وقيم، وتقاليد الحركة الكردية السورية .
التوصيف على الصعيد الكردي السوري
طرحنا أعلاه موضوعة ثنائية الاصطفاف على صعيد الحركة الكردية بشكل عام، وكما اعتقد مازال التقييم سليما حتى الان، بالرغم من تحولات عميقة حصلت سابقا ولاحقا مثل انتقال الحركة الكردية في العراق من الثورة الى السلطة، وهكذا الامر لمجموعات – ب ك ك – التي تدير سلطة بعض المناطق السورية، والمقصود بذلك هو ظهور السلطة كعامل جديد قد تغير مستقبلا بعض الأسس، والمسلمات، والمفاهيم .
وعودة الى التعبير الذي نحن بصدده فقد زعمت قيادات – ب ي د – ومسمياته الاخرىى انهم يشكلون ( الخط الثالث ) بين النظام، والمعارضة السورية، وفي حقيقة الامر هم من صلب معسكر النظام الذي يضم نظام طهران أيضا، ونقلوا مسلحيهم الى سوريا بعد اتفاق مع ممثل راس النظام على مسالتين : الأولى مواجهة الثورة السورية، والثانية مواجهة تركيا، وكان النظام مطمئنا اليهم حيث خبرهم سابقا حول موقف زعيمهم من كرد سوريا، وهذا ماحصل بل انهم حولوا القضية الكردية السورية بماهي قضية شعب، وضحية لمخططات النظام الحاكم في دمشق الى مسألة صراع مع تركيا بالنيابة عن شعب كردستان تركيا .
اما الاصطفاف الحقيقي، والواقعي في المرحلة الراهنة على صعيد الكرد السوريين، وحركتهم القومية فعلى الشكل التالي : صراع على النفوذ، والمصالح الحزبية، بين أحزاب طرفي الاستقطاب ( ب ي د و ب د ك،س )، والطرفان لايحبذان التركيزعلى قضايا الكرد السوريين، واوجه الخلاف والاختلاف حولها، ومصير القضية الكردية السورية، ومسالة إعادة بناء الحركة وتوحيدها، بقدر ما ينطلقان من الأمور الخلافية بين ( قنديل واربيل ) وفي اكثر الأحيان بنوع من المزايدة، واذا كان موقف – ب ي د – مفهوم باعتباره امتداد تنظيمي، وفكري، وعسكري، لحزبه الام، فان ” وكالة ” الاخر أحادية الجانب، ومن طرف واحد ، ونسبه مشكوك فيه .
وهنا يمكن القول بكل وضوح واريحية، ان هناك ( طرف ثالث ) بهذه المعادلة، وأزعم انه الطرف الأصيل المستقبلي وهو : الوطنييون المستقلون، وهو الأكثر عددا، وانتشارا، والاقل تنظيما الى درجة الانعدام بكل اسف، وهو الذي سيحسم امر الصراع داخل الحركة الكردية عاجلا أم آجلا، والذي نسميه بالكتلة التاريخية وتضم غالبية الوطنيين، والفئات الشبابية من النساء والرجال، والمثقفين الملتزمين بقضايا شعبهم، هذا الطرف الثالث بالطريق – كما نامل – الى لملمة صفوفه، وتنظيم طاقاته، بعد طرح مشروعه البرنامجي منذ أعوام، وهو من يسعى الى إعادة بناء الحركة الكردية السورية، وتوحيدها، واستعادة شرعيتها، وتصحيح مسارها، وصيانة استقلاليتها، وتعزيز دورها الوطني والكردستاني، من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع المنشود، المفتوح امام مشاركة الجميع بمن فيهم الطرفان الحزبييان بما يكفل نجاحه بمعزل عن الحسابات الحزبية الضيقة .
والقضية قد تحتاج الى نقاش