بيان الحزب الديمقراطي الكردي السوري حول التصعيد التركي على الحدود مع إقليم كردستان العراق

   كما هو متوقع، وكما هو معروف على صعيد المنطقة و العالم، فإن أي تطور في الوضع الكردي يثير فزع الدول المقتسمة لكردستان بشكل خاص و قلق المنظومة الإقليمية في المنطقة بشكل عام.

و هذا ما يعبر عنه الموقف التركي و تهديداته و قرارته الأخيرة، و بشكل يختزل ما يضمره البقية و يسعون إليه باستمرار.
   إن الغبن و الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الكردي و وطنه، و لاسيما إثر التقسيم الاستعماري للمنطقة في بداية القرن العشرين، و استمراره على مدى عقود طويلة من الزمن، جعل دول المنطقة و حكوماتها و حتى شعوبها تعتبر ما تم اغتنامه على حساب الأكراد بواسطة الغرب الاستعماري حقوقاً و مصالح وطنية و سيادية لايمكن قبول المساس بها، و باتت هذه الدول تصدق نفسها و تعتبر هذا الاغتصاب قدراً محتوماً و منحة إلهية لاترد.

و لا تعكر صفو هذه الذهنية إلا حقيقة أنه (لا يمكن إبادة الأكراد عن بكرة أبيهم في وقت تظل فيه القضية الكردية حيوية طالما كان هناك كردي واحد على قيد الحياة).

   إن تركيا و إيران و العراق و سوريا كل بدوره تعامل مع الوضع الكردي، و كل منهم تحالف مع بعض الأكراد، و استقبلوا الزعماء الأكراد في دولهم علناً و رسمياً و على أعلى مستويات المسؤولية، و لكن دائماً على أنهم يمثلون قوى و أحزاباً يمكن أن تدخل في بعض تفاصيل توازنات القوى في المنطقة، بينما التعامل معهم على أساس أنهم أصحاب قضية عادلة و مشروعة أو كممثلي شعب لابد أن يقرر مصيره بنفسه كما شعوب المنطقة، كان خطاً أحمر لا يتجاوزه أي من الدول الأربعة.

و لذلك كان منتظراً أن يواجه إقليم كردستان العراق الفيدرالي التحالف التاريخي المضاد من قبل هذه الدول، و بمباركة ضمنية من قبل معظم دول المنطقة و شعوبها الساكتة كما الحكومة العراقية ذاتها.
   على مر نحو قرن كامل من الزمن لم تترك دول المنطقة و حكوماتها بصيص أمل للشعب الكردي و حركاته التحررية بإمكانية تصحيح الاوضاع و رفع الغبن التاريخي.

و على مدى قرن كامل كان القتل و التدمير و الإبادة و القمع هو الحل المقدم على طبق من الحراب، و كان الأكراد أكبر الخاسرين و كان جيرانهم أكثر انغماساً في الأوحال دون ان يحققوا ما يبتغونه.

و كان يفترض أن تدرك هذه الدول و بعد مرور قرن من الزمن بأن إبادة الأكراد مستحيلة و تنازل الأكراد عن حقوقهم أكثر استحالة، و لابد من حل.
   و عندما تهيأت الظروف و الأوضاع في العراق لرؤية حل يحقق مصلحة الجميع، كان العراق الفيدرالي و كان إقليم كردستان العراق، الذي عمل بكل جد للانفتاح على جيرانه و تبديد هواجسهم، و لم يكن إلا إيجابياً في تعامله مع الدول الثلاث تركيا و إيران و سوريا.
   اليوم، ماذا تريد تركيا أن تقول، هل هي محاولة الدخول على خط الترتيبات النهائية لمستقبل العراق كدولة اتحادية، و رفض هذه الرؤية لمستقبل العراق بالتضامن مع الكثير من دول المنطقة ؟!.
   مرة أخرى الاكراد سيكونون مستهدفين من خلال مؤامرة إقليمية واضحة المعالم، و لكن ظروفها و أوضاعها الدولية و الإقليمية متغيرة عمّا سبق، و التطورات الداخلية في المجتمع الكردي مختلفة بدرجة كبيرة أيضاً عمّا سبق.

هذه المرة الجميع سيخسر و الخسائر ستكون مؤلمة و بالضد مما تطمح إليه شعوب المنطقة من استقرار و أمن و ازدهار.

و إذا أخذتنا تطورات الاحداث بشكل لا عقلاني، فلا يظنن أحد بأن التاريخ يمكن تكراره دائماً و على نفس الشاكلة.
   الشعب الكردي من الشعوب الأصيلة و التاريخية و الأساسية في المنطقة و هو لم يكن إلا إيجابياً في أداء دوره التاريخي، و هو لا يتطلع إلا إلى أن يعيش بكرامة و حرية و حسن جوار مع الآخرين، و على جميع الآخرين أن يراعوا مصالح شعوبهم و دولهم و يعرفوا أن للأكراد أيضاً مصالح و حقوق، و أن لا ينجرّوا وراء أوهام امبراطورية ولّت و ذهنية شوفينية و عنصرية أثبتت عقمها و نتائجها الوخيمة.


   إن التهديدات التركية و حشود جيشها على حدود إقليم كردستان العراق و قصفها بعض المناطق و القرى داخل إقليم كردستان لا يمكن فهمه إلا ضمن هذا السياق، و يكفي أن نذكّر بأن أردوغان نفسه اعترف بأن هنالك أكثر من خمسة آلاف مقاتل لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا في حين انه يقرّ بان من يتذرع بملاحقتهم في جبال قنديل بكردستان العراق لا يتجاوزون الثلاثة آلاف و خمسمائة مقاتل موجودون هناك منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، أفليس من الأولى أن تكون وجهته نحو الخمسة آلاف مقاتل أولاً ، و هم عنـده في الداخل التركي ؟!.
   إن الذرائع و الحجج التركية ماهي إلا تبريرات تحاول التغطية على حقيقة التصعيد التركي للاوضاع على الحدود مع كردستان العراق، فحكومة الإقليم و على لسان جميع مسؤوليها تؤكد و تدعو إلى الحوار و الحل السلمي و تؤكد بأن هذا الحل ممكن و سيحفظ مصالح الجميع، و لكن للأتراك في عصيهم مآرب أخرى.
   إن تركيا اليوم لا شك تجعل من نفسها رأس الحربة التي تواجه أية تطورات كردية على صعيد المنطقة و هي بذلك تستعدي جميع الأكراد و في شتى بقاع العالم و تواجه رفض و إدانة جميع قوى الخير و الحرية و العدالة و على راسها المجتمع الدولي بمؤسساته و منظماته و رأيه العام.
   إننا في الوقت الذي ندين و نرفض هذا التصعيد التركي الخطير و نعلن تضامننا مع إقليم كردستان العراق شعباً و سلطةً و حكومةً، ندعو إلى تحكيم العقل و اتباع الأساليب السياسية و السلمية التي تحقق مصالح الجميع، و تدرأ الأخطار عن المنطقة، و تمكننا جميعاً من تفادي تداعيات انفجار من السهل إشعال فتيله و لكن من الصعب معرفة آثاره و مداه في الزمان و المكان.
    
  21/10/2007
المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكردي السوري

P .

D .

K .

S

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…